اصطفَّ سكان موسكو بالقرب من الكرملين، السبت 3 سبتمبر 2022، لتوديع ميخائيل غورباتشوف، آخر زعيم للاتحاد السوفييتي، الذي حظي باحترام كبير في الغرب بسبب إصلاحاته، والذي عاش لفترة كافية ليشهد كيف تراجعت القيادة الروسية عن الكثير من تلك التغييرات.
غورباتشوف الذي توفي يوم الثلاثاء، 30 اوت 2022، عن 91 عاماً، يوارى الثرى من دون تكريم رسمي من الدولة، أو حضور الرئيس فلاديمير بوتين.
مع ذلك، حظي غورباتشوف بتوديع جماهيري، إذ سمحت السلطات للروس بإلقاء نظرة الوداع على نعشه في قاعة الأعمدة الشهيرة، الواقعة على مرمى البصر من الكرملين، حيث تم تشييع جثامين الزعماء السابقين للاتحاد السوفييتي.
رفع مشيعون نعش غورباتشوف الخشبي المغطى بعلم روسيا، ووضعوه في وسط القاعة، بينما تم تشغيل تسجيل لموسيقى حزينة من فيلم “قائمة شندلر”.
وكالة رويترز أشارت إلى أنه لم يكن مفاجئاً رفض بوتين، ضابط المخابرات السوفييتية لفترة طويلة، والذي وصف انهيار الاتحاد السوفييتي بأنه “كارثة جيوسياسية”، إقامة مراسم تكريم رسمية كاملة لغورباتشوف، معللاً عدم تمكنه من حضور الجنازة بازدحام جدول أعماله.
مع ذلك، وضع بوتين الزهور الحمراء بجوار نعش غورباتشوف يوم الخميس، 1 سبتمبر 2022، وقال الكرملين إن حرس الشرف سيوفر “عنصراً” من المراسم الرسمية في جنازة غورباتشوف، الذي فاز بجائزة نوبل للسلام عام 1990 لدوره في إنهاء الحرب الباردة.
أصبح غورباتشوف بطلاً في الغرب، لسماحه بأن تتخلص أوروبا الشرقية من السيطرة الشيوعية السوفييتية، التي استمرت لأكثر من أربعة عقود، والسماح بتوحيد ألمانيا الشرقية والغربية، وإبرام معاهدات للحد من التسلح مع الولايات المتحدة.
لكن عندما انتزعت الجمهوريات السوفييتية الخمس عشرة الحريات نفسها للمطالبة باستقلالها، كان غورباتشوف عاجزاً أمام منع انهيار الاتحاد في عام 1991، بعد 6 سنوات من توليه الحكم.
من أجل ذلك، وبسبب الفوضى التي نتجت عن إصلاحاته الاقتصادية التحررية المعروفة بسياسة “البريسترويكا”، لم يستطع الكثير من الروس مسامحته.
مراسم توديع غورباتشوف يغيب عنها أيضاً العديد من رؤساء الدول والحكومات في الغرب، الذين عادة ما كانوا سيحضرون، بسبب الصدع في العلاقات بين موسكو والغرب، نتيجة الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، منذ فيفري 2022.
إلا أن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، وهو قومي محافظ وأحد القادة الأوروبيين القلائل الذين تربطهم علاقات طيبة مع بوتين، سيحضر الجنازة، حسبما كتب المتحدث باسمه زولتان كوفاكس على تويتر.
المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، قال لوكالة الإعلام الروسية إن بوتين ليس لديه خطط للقاء أوربان خلال زيارته لموسكو.
كذلك قدم العديد من المسؤولين والشخصيات الثقافية الروسية، بما في ذلك النائب البارز كونستانتين كوساشيوف والمغنية آلا بوجاتشيوفا، تعازيهم لأسرة غورباتشوف، التي كانت تجلس على يسار نعشه المفتوح.
تعكس مظاهر جنازة غورباتشوف تناقضاً حاداً مع تلك التي أقيمت للرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، حين أُعلن يوم حداد وطني، وأُقيمت جنازة رسمية في الكاتدرائية الرئيسية في موسكو عام 2007.
كان ليلتسين دور أساسي في تهميش غورباتشوف مع انهيار الاتحاد السوفييتي، واختار لاحقاً بوتين خليفة له.
بعد المراسم سيُدفن غورباتشوف مثل يلتسين في مقبرة نوفوديفيتشي في موسكو، إلى جانب زوجته رايسا، التي توفيت قبل 23 عاماً.
مسح إرث غورباتشوف
مع دخوله الكرملين في عام 2000، لم يهدر بوتين الكثير من الوقت في التراجع عن التعددية السياسية التي مهدت لها سياسة “جلاسنوست”، أو حرية التعبير التي انتهجها غورباتشوف، وبدأ ببطء في إعادة بناء نفوذ موسكو في العديد من جمهورياتها السابقة.
بافيل بالاتشينكو، مترجم ومساعد غورباتشوف منذ فترة طويلة، قال الأسبوع الماضي، إن تصرفات روسيا في أوكرانيا تركت الزعيم السابق “مصدوماً ومرتبكاً” في الأشهر الأخيرة من حياته.
أضاف بالاتشينكو في مقابلة مع رويترز “ليست العملية التي بدأت في 24 فيفري فقط، ولكن التطور الكامل للعلاقات بين روسيا وأوكرانيا على مدى السنوات الماضية كان حقاً ضربة كبيرة له، لقد سحقه ذلك معنوياً ونفسياً”.