الرئيسيةثقافة وفنون

محمد البدوي في ذمّة الله

نعى الاستاذ المنصف بن عبد الجليل  العميد السابق لكلية الاداب بسوسة الاستاذ محمد البدوي الجامعي والكاتب والمنتج الاذاعي  والرئيس السابق لاتحاد الكتاب التونسيين  الذي  وافاه الاجل اليوم 11سبتمبر 2022 بعد صراع مع مرض السرطان
جاء في نعي الاستاذ بن عبد الجليل:
كم تردّدت في كتابتها؛ وكم تهيّبت يدي أن تخطّها، كما لوكانت نفسي تأبى أن تقبلها. إنّا لله وإنّا إليه راجعون. ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم. ألهذا الحدّ كان البدن منك متعجّلا، أيا محمّد؟ أما كان له من الصبر أن يمهل؟ أما كان لهذا المرض وقد تسلّل إليك مخاتلا أن يهدأ قليلا فننعم بك؟… للّه أنت أنت أيا صديقنا. لله أنت في فراقنا ونحن من نحن منك، مازلنا نؤمّ الدار والمقهى ونحادث وننصت إليك، كما لوكنت خير معافى… وكدت أصدّق أنّ الخبيث قد أرسلك قليلا لترتاح، ولكن هاهو يعود بلا رأفة بك وبنا. ماذا تراني أقول عنك ولم تمض أيّام قليلة على زيارتي بيتك واستمتاعي بحديثك صحبة رفقة من الأصدقاء الأوفياء ماذا تراني أقول وأنا على وشك النظر إليك فلا أراك. أقول بكامل اللوعة والمرارة:
تفقد الجامعة التونسيّة أحد أساتذتها المحنّكين في اختصاص الأدب العربي. أقول يا محمّد: تفقد الساحة الثقافيّة واتّحاد الكتّاب التونسيين أحد أعلامهما البارزين والكتّاب المبدعين. أقول يا رفيقي: إنّ الصحافة الأدبيّة والإعلام الوطني قد فقدا أحد رجالاتهما، ومازالت حصصك المسائية والليليّة عبر إذاعة المنستير ترنّ في آذان المبدعين الشبّان والفتيات المبدعات. أقول أيا صديقي منذ أيّام الدّار، دار المعلّمين العليا: إنّك علّمت، وكوّنت، وأكرمت، وأعطيت، وبذلت، فلم يكن ما بنفسك ملكا لك، ولا ما بيدك حكرا عليك. أقول، أيا صاحبي الضاحك أبدا، البشوش دوما، الفاتن بالنكتة المليحة… أقول اليوم فيك: ما أجلّك يا محمّد أيّام العين، ومأ أشدّنا كمدا عليك أثرا، وكيف سيحلو اللقاء بعدك، وإن ملأ قلوبنا ذكرك، وترافق الأصحاب بشوق إلى عهدك. قرأت يوما ما كتبت تمثلا ببيت أبي الطيب، وأنت من المولعين به:
كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا
فعلمت ما علمت ووقع في نفسي ما كرهت. وخشيت المحظور. وها قد وقع.
فلتسكن روحك حيث قصدت. ولتكن آمنا كما عهدناك. وتعازي الحارّة لأسرتك الحبيبة أبناء وأصهارا وإخوة.
ساهم  الاستاذ محمّد البدوي
مساهمة جدّية وفعّالة في اثراء المشهد الأدبي والإعلامي والثقافي التونسي
انتاجا ونقدا واكتشافا للمواهب وتطويرا للتجارب الإبداعية
صفحات من سيرة الراحل كما كتبها الاستاذ بلقاسم بن جابر
ولد الأستاذ الدكتور محمّد البدوي في 01 أفريل 1951 بطبلبة. زاول دراسته الابتدائية ب”المكتب” المدرسة الابتدائية بطبلبة من سنة 1957 إلى سنة 1965، والتعليم الثانوي بالمعهد الثانوي للذكور بالمنستير، توّج بالحصول على بكالوريا فلسفة وآداب كلاسيكية سنة 1971، ثمّ التحق بالجامعة التونسية لمواصلة دراسته العليا بدار المعلمين العليا بتونس لدراسة اللغة والآداب العربية حيث ختمت بالحصول على الأستاذية في اللغة العربية. وفي سنة 1977 تحصّل على شهادة الكفاءة في البحث، وفي سنة 1980 تحصّل على ديبلوم في علم التربية ومناهج تدريس اللغات من جامعة “مونص” ببلجيكا. وفي سنة 1989 نجح في شهادة التبريز لغة وآداب عربية، وفي سنة 2009 تحصّل على دكتوراه الدولة واختار موضوع أدب الأطفال في تونس محورا لها.
تلقى الأستاذ الدكتور محمد البدوي تربصا بيداغوجيا تابع لدار المعلمين العليا بمعهدي خزندار بباردو ومحسن العياري بمونفلوري بتونس العاصمة من سنة 1975 إلى سنة 1976 ثمّ باشر التدريس بالمعهد الثانوي 2 مارس بقصر هلال، ثمّ بالمعهد الفنّي فطومة بورقيبة بالمنستير من سنة 1976 إلى سنة 1990. ودرّس بالمعهد العالي للترجمة والترجمة الفورية للكفيف بسوسة من سنة 1978 إلى سنة 1981، ثمّ التحق لتدريس العربية بالمملكة المغربية في إطار التعاون الفنّي من سنة 1981 إلى سنة 1984. واثر رجوعه إلى تونس واصل التدريس بالمعهد الفنّي فطومة بورقيبة بالمنستير مع تدريس العربية بقسمي الفرنسية والانقليزية بدار المعلمين العليا بسوسة من سنة 1988 إلى سنة 1989 والتدريس بكليّة الآداب بسوسة كأستاذ عرضي من سنة 1989 إلى سنة 1990. ثمّ أنتدب للتدريس بالتعليم العالي قسم العربية بكليّة الآداب بالقيروان برتبة مساعد ثمّ أستاذ مساعد من سنة 1990 إلى سنة 1998. ثمّ نُقل للتدريس كامل الوقت بكليّة الآداب بسوسة مع الاحتفاظ بدرس “الرواية العربية الحديثة” بالقيروان من سنة 1998 إلى سنة 1999 بالقيروان وفي الأثناء أشرف على تأطير عديد الطلبة في رسائل التّخرج من سنة 1998 إلى حين إحالته على التقاعد سنة 2016.
اهتمّ الأستاذ الدكتور محمّد البدوي بمختلف أنواع النشاط الثقافي منذ سنوات الدّراسة الثانوية وفترة الدراسة الجامعية. وانخرط بالكشافة التونسية منذ سبعينات القرن العشرين وسافر إلى المغرب ضمن مخيّم كشفي سنة 1974. كما انخرط في الجامعة التونسية لنوادي السينما والمشاركة في عدد من أنشطة هذا النادي وخاصة عرض الأفلام في دار الثقافة ومناقشتها. وأشرف على نادي الأدب بالمعهد الفنّي 2 مارس بقصر هلال والمعهد الفنّي بالمنستير من سنة 1977 إلى سنة 1980. وساهم في مهرجانات “أدب الباكلوريا” بصفة فردية أو ضمن ندوات. وتقديم محاضرات ومداخلات تتعلّق بقضايا أدبية ونقديّة داخل الجمهورية وخارجها بالأردن وعمان ودمشق وموريتانيا والسودان والمغرب.
وعيّن الأستاذ الدكتور محمّد البدوي عضوا لهيئة الجمعية المتوسطية للثقافة والفنون وعضوا للجنة الثقافية الجهوية لسنوات عدّة.
وانخرط الأستاذ الدكتور محمّد البدوي في اتحاد الكتاب التونسيين منذ سنة 1993 وأنتخب رئيسا لفرع اتحاد الكتاب التونسيين بالمنستير منذ سنة 1995. كما أنتخب عضوا بالهيئة المديرة للاتحاد و في خطة نائب الرئيس من سنة 2008 إلى سنة 2011. ثمّ أنتخب رئيسا لاتحاد الكتاب التونسيين من سنة 2011 إلى سنة 2014.
وقد ساهم الأستاذ الدكتور محمد البدوي في انشاء ” دار المسار” التابعة لاتحاد الكتاب سنة 2011. كما أسّس بالاشتراك مع الشاعرة المرحومة نجاة المازني “دار البدوي” للنشر والتوزيع سنة 2013. وقد قدّم العديد من المؤلفات لأسماء بارزة قصد ابرازها للقارئ والتنويه بها. وأشرف على المادة اللغوية في السلسلة العلمية ” موسوعة عالم الحيوان” وسلسلة “ابداعات شعرية” التي تصدرهما دار المعارف بسوسة.
بدأت تجربة الأستاذ الدكتور محمّد البدوي الاذاعية سنة 1981 بإذاعة المنستير بإنتاج برنامج “منابر ومحاضرات” برنامج يقوم على متابعة الملتقيات وتقديم المحاضرات وأهم ما يفيد المستمع مع النّشاط في قسم الاستماع خاصّة مع البرامج الثقافية والأدبية. ثمّ أنتج برنامج “مضامين فنيّة” من سنة 1985 إلى سنة 1986 مع المشاركة في لجان اختيار البرامج الاذاعية في دورتين. وفي سنة 1989 أنتج برنامج ” محراب الليل” يتناول قضايا أدبية وثقافية عامة مع متابعة الملتقيات الثقافية، ثمّ البرنامج المباشر “واحة المبدعين” الذي يعتني بأدب الناشئين نشرا ونقدا وتوجيها. وفي سنة 1990 أنتج برنامج “محراب الكتاب” يقوم على حوار مباشر مع أحد الكتاب وبعض النقاد عن كتاب حديث الصدور كما ساهم الأستاذ الدكتور محمّد البدوي في برنامج “دنيا الكتاب” وتأسيس وتنشيط ومتابعة “ملتقى أدب التسعينات” وقد دامت تجربة الأستاذ الدكتور محمّد البدوي الإذاعية بإذاعة المنستير أكثر من 35 سنة ساهم من خلالها في إثراء الحركة الأدبية والنقدية في تونس.
كتب الأستاذ الدكتور محمّد البدوي المقالة والدراسة النقديّة، وقد نشر انتاجه في المجلات المختصة الأدبيّة والثقافية التونسية والعربية كمجلة الحياة الثقافية ومجلة كليّة الآداب بالقيروان ومجلّة المسار ودراسات عربية والملاحق الثقافية بالصحف التونسية.
وقد أصدر الأستاذ الدكتور محمد البدوي أكثر من 20 كتابا في النقد والتوثيق إلى جانب الكتب المشتركة وله أكثر من هذا العدد من المخطوطات في الرواية والمسرحية والنقد والتوثيق. ومن أبرز العناوين: أوهام العقاد في العبقرية – الأرض والصدى –تراجم المبدعين في ولاية المنستير- تراجم المؤلفين والمبدعين في ولاية سوسة- القيروان بأقلام الشعراء-الناصرية بغداد تونس –أقباط من شعر الثورة – مصادر أدب الأطفال – خصائص أدب الأطفال.
لطفي جمعة (6 أفريل 2020)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.