هل يمتد التوتر بين المغرب وفرنسا إلى العلاقات الاقتصادية؟
لا يزال التوتر يخيم على العلاقات بين المغرب وفرنسا، لا سيما في غياب أي اتصالات أو زيارات رسمية بين البلدين على غرار ما وقع مؤخرا في تونس والجزائر، حيث تكشف عدة مؤشرات عن “أزمة صامتة” بين الرباط وباريس خاصة بشأن ملفي التأشيرات والهجرة.
ووسط هذا البرود السياسي بين البلدين، تحدثت منابر إعلامية مغربية مؤخرا عن انسحاب شركات فرنسية من المملكة واستعداد أخرى لسحب استثماراتها ومغادرة البلاد، في إشارة إلى انتقال تداعيات التوتر السياسي إلى العلاقات الاقتصادية.
ومن بين هذه الشركات الفرنسية المعنية بسحب استثماراتها من المغرب، شركة “ليديك” المفوض لها تدبير الكهرباء والماء والتطهير السائل في الدار البيضاء، بعد أن أشرت الهيئة المغربية لسوق الرساميل على إيداع مشروع عرض عمومي إجباري للسحب على أسهمها.
وقبل ذلك، أعلنت المجموعة البنكية الفرنسية “القرض الفلاحي” عن توقيع عقد تفويت 78,7 من رأس مال فرعها بالمغرب “مصرف المغرب” إلى مجموعة “هولماركوم” المغربية.
“تقليص من الحضور”
وتعليقا على الموضوع، يرى المحلل الاقتصادي المغربي، ادريس العيساوي، بأن العديد من وسائل الإعلام عزت انسحاب بعض الشركات الفرنسية في المغرب إلى توتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وأنه نوع من الانتقام الفرنسي ضد المملكة، إلا أنه دعا إلى “التعامل بكثير من الحذر في هذا الموضوع”.
وتابع في حديث لـ”أصوات مغاربية”، موضحا أن الأمر يتعلق باستثمارات شركات فرنسية في المغرب كـ”سنطرال” التي تصنع الحليب ومشتقاته و”ليديك” المسؤولة عن توزيع الماء والكهرباء في الدار البيضاء ومدن أخرى.
وقال العيساوي إن “هذه الشركات قررت أن تقلص من حضورها المباشر من خلال تفويت أجزاء من ممتلكاتها لشركات مغربية أصبحت اليوم قادرة على التعامل مع هذه الاستثمارات بشكل كبير من المرونة”، معتبرا أن هذا التفويت ليس أمر سلبيا بالنسبة للاقتصاد المغربي.
ويعتقد العيساوي أن هذه الشركات الفرنسية التي قررت الانسحاب المباشر لها أسباب داخلية ترتبط باستراتيجيتها الدولية من أجل التفكير بطريقة لها فعالية أكثر بالنسبة لمستقبلها، مؤكدا أن ذلك قرار تقني غير مرتبط بما يجري على مستوى العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وباريس.
“تأثير هامشي ومرحلي”
ومن جانبه، أكد الخبير الاقتصادي، عبد الخالق التهامي، في تصريح لـ”أصوات مغاربية” أن التوتر الدبلوماسي بين المغرب وفرنسا سيفرز تداعيات على الجانب الاقتصادي، مسجلا بأن هذا التوتر سيكون له تأثير هامشي ومرحلي.
وأشار التهامي إلى أن المسؤولين في كلا البلدين سيحاولون تدارك الأمر في أقرب وقت ممكن لأن “التصعيد على المستوى الاقتصادي ليس في صالح باريس والرباط”، مستدركا بالقول إن للمغرب عددا من الشركاء ينتظرون الفرصة السانحة لانسحاب الشركات الفرنسية كي يعوضونها من بينهم أميركا والصين وإسبانيا وتركيا.
ويرجح الخبير الاقتصادي، أن انسحاب شركات فرنسية من المغرب سيلحق الضرر بفرنسا أكثر من المغرب، وقال “يجب أن تكون فرنسا حذرة لأن هناك من ينتظر تلك الفرص لينقض عليها ويستفيد منها”، مسجلا وجود تنافسية بين مجموعة من البلدان للحفاظ على مصالحها في أفريقيا.
وتحدث التهامي عن رغبة الصين مؤخرا في الظفر بصفقة خط القطار الفائق السرعة (TGV) بين مدينتي مراكش وأكادير جنوب المغرب، مشيرا إلى أن فرنسا كانت وراء تشييد الخط الأول للقطار فائق السرعة الذي يربط بين مدينتي الدار البيضاء وطنجة.
وقال معلقا على ذلك، إن “مثل هذه الصفقات إذا أضاعتها فرنسا ستفقد جزءا مهما من مجالات استثمارها في المغرب”.
“أزمة عابرة”
وفي المقابل، اعتبر المحلل الاقتصادي ومدير “مرصد العمل الحكومي”، محمد جدري، أن العلاقات الفرنسية المغربية هي علاقات متجذرة في التاريخ على مستوى مجالات كثيرة لاسيما السياسي والاقتصادي، مستبعدا أن يكون لهذا التوتر الدبلوماسي تداعيات على المستوى الاقتصادي.
وأضاف جدري في تصريح لـ”أصوات مغاربية”، أن “العلاقات الاقتصادية بين المغرب وفرنسا هي أكبر بكثير من أزمة عابرة سوف تحل قريبا”، معتبرا أن العلاقات المتينة بين البلدين يزكيها تواجد مئات الشركات الفرنسية بالبلاد.
وأشار جدري إلى صعوبة ربط انسحاب شركات فرنسية بطبيعة العلاقات السياسية في هذه الفترة، مبررا ذلك برغبة باريس في الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في الرباط كبوابة مهمة لباقي دول أفريقيا.
“أزيد من 950 فرعا لشركات فرنسية بالمغرب”
ووفق ما أفاد به التقرير السنوي لمكتب الصرف المغربي (مؤسسة رسمية) لعام 2021، فإن فرنسا تحتل المرتبة الثانية على مستوى العلاقات التجارية مع المغرب فيما تتصدرها إسبانيا، إلا أن فرنسا تحافظ على تصدرها قائمة المستثمرين الأجانب في المغرب لا سيما في قطاع الخدمات.
وبحسب معطيات الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الفرنسية، فإن المغرب يتصدر قائمة وجهات الاستثمارات الفرنسية في القارة الأفريقية، إذ ثمة ما يزيد على 950 فرعا للمنشآت الفرنسية في المغرب، مضيفة أن زهاء 30 منشأة من بين المنشآت الأربعين المدرجة في مؤشر “كاك 40” حاضرة في المغرب.
كما يعد المغرب الجهة المستفيدة الأولى من تمويلات الوكالة الفرنسية للتنمية في العالم، إضافة إلى أن السياح الفرنسيين يتصدرون عادة قائمة السياح الأجانب في المغرب، حيث يلغ عددهم عام 2019 إلى 4,2 ملايين سائح أي ما يمثل 33٪ من إجمالي عدد السياح الوافدين إلى المغرب.
المصدر: أصوات مغاربية