ماذا يحدث في الصومال؟
ولسنوات طويلة، حاربت الحركة المرتبطة بتنظيم القاعدة للسيطرة على البلاد، قبل أن يتم طردها من العاصمة مقديشو عام 2011، بيد أنها تبقى، بعد 11 عاما على ذلك التاريخ، قوة قوية وقاتلة.
في ساعة مبكرة من صباح أمس السبت، ضربت “حركة الشباب” مجددا عبر تفجير سيارتين ملغومتين أمام مبنى وزارة التعليم في مقديشو، وقد أسفر التفجيران عن مقتل ما لا يقل عن 100 شخص، وإصابة 300 آخرين، بحسب بيان للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود.
وانفجرت السيارة الأولى عند وزارة التعليم، الواقعة بالقرب من تقاطع مزدحم في مقديشو، ثم انفجرت السيارة الثانية مع وصول سيارات الإسعاف، وتجمع الناس لمساعدة الضحايا مما زاد من عدد القتلى.
وقالت السلطات إن حركة الشباب نفذت التفجيرين، وبينما تتجنب الأخيرة، عادة، تبني مسؤولية هذه الهجمات، إلا أن مصادر إعلامية، نقلت تقارير، الأحد، لم يتم التأكد منها على الفور، بشأن إعلان “الشباب” مسؤوليتها عن تفجيري وزارة التعليم.
وكانت الحركة تبنت، الأسبوع الماضي، هجوما استهدف فندقا في مدينة كيسمايو الساحلية، خلف 9 قتلى و47 جريحا، ويشير حجم الانفجارين، والفترة القصيرة بينهما، فضلا عن الإعلان عن مسؤولية تنفيذهما، إلى تصعيد واضح تنتهجه الحركة المتطرفة.
وعقب زيارة موقع التفجير السبت، قال شيخ محمود “من بين مواطنينا الذين قُتلوا.. أمهات كن يحملن أطفالهن وآباء مرضى وطلاب خرجوا للدراسة ورجال كانوا يكافحون من أجل حياة أسرهم”.
ولم يكن الرئيس شيخ محمود بعيدا كثيرا عن الحقيقة حين قال: “التاريخ يعيد نفسه.. لقد وقع (هجوم السبت) في المكان نفسه وطال أبرياء أيضا”، فقد نفذ هجوم السبت عند تقاطع زوبي الذي سبق أن انفجرت شاحنة مفخخة عنده في أكتوبر 2017 مما أدى إلى مقتل 512 شخصا وإصابة أكثر من 290، بحسب “فرانس برس”.
وفي اوت الماضي، وعقب هجوم كبير آخر على فندق في مقديشو، استمر نحو 30 ساعة، وأسفر عن 21 قتيلا وعشرات الجرحى، وعد الرئيس بـ”حرب شاملة” للقضاء على المتمردين، ثم عاد في سبتمبر ليدعو السكان إلى “الابتعاد” عن المناطق التي تسيطر عليها “الشباب”، مشيرا إلى أن القوات المسلحة والمليشيات القبلية تصعد الهجمات ضدهم.
“أكبر وأقوى وأجرأ”
ويرى مراقبون، أن فرع تنظيم القاعدة في الصومال بات “أكبر وأقوى وأكثر جرأة” منذ أمر الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في أواخر فترة ولايته بنهاية 2020، بسحب معظم أفراد القوة الأميركية المحدودة التي بلغ قوامها نحو 700 جندي من البلاد.
وحسب ما أوردت “فورين بوليسي”، نقلا عن القائد السابق للقيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، الجنرال ستيفن تاونسند، فقد استغلت حركة الشباب الخلل السياسي في الصومال بعد إعادة انتشار القوات الأميركية لإعادة تجميع صفوفها، وتحسين قدرتها على شن هجمات بالقرن الأفريقي.
وفي مايو الماضي، وفي قرار يناقض سلفه، وافق الرئيس جو بايدن على نشر مئات من عناصر القوات الخاصة في الصومال لمكافحة الإرهاب.
واعتبرت وقتها المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي، آدريان واتسون، أن الخطوة ستتيح “قتالا أكثر فعالية ضد (حركة) الشباب”.
ولم تحدد واتسون عدد القوات التي سيرسلها الجيش الأميركي إلى الصومال، إلا أن “نيويورك تايمز” نقلت عن شخصين مطلعين على الأمر إنه سيقارب 450، ويعني هذا تعديل الدور الأميركي الذي كان مكلّفا بتقديم المشورة لقوات الصومال والاتحاد الأفريقي.
ولكن، وبحسب فورين بوليسي، فقد نمت قدرة “الشباب” على شن هجمات معقدة خلال “زمن الفجوة” بين خطوة ترامب وقبل قرار خليفته بايدن بإعادة قوات أميركية للصومال.
وقال تاونسند للمجلة: “منذ انتهينا من إعادة التموضع خارج الصومال، باتت حركة الشباب أكبر وأقوى وأكثر جرأة”. “وقد رأيناهم خلال الأشهر الأخيرة يشنون هجمات لم تكن لديهم القدرة على القيام بها في السنوات الثلاث الماضية التي كنت فيها هنا”.
سنوات العنف
وتقاتل حركة “الشباب” الإسلامية المرتبطة بالقاعدة، الحكومة الفيدرالية المدعومة من المجتمع الدولي، منذ 2007.
ورغم طرد مقاتلي الحركة من العاصمة في 2011، على يد قوة من الاتحاد الأفريقي، إلا أنهم ما زالو يسيطرون على مساحات شاسعة من الأرياف، ولديهم القدرة على شن هجمات دامية على أهداف مدنية وعسكرية.
كما تضرب الحركة خارج الصومال أيضا، وقد شنت في 2013 عملية كبرى شملت حصارا استمر 80 ساعة لمركز تسوق في العاصمة الكينية نيروبي، مما أدى إلى مقتل 67 شخصًا على الأقل.
وقالت “الشباب” إن الهجوم جاء ردا على تدخل نيروبي العسكري في الصومال عام 2011، كما أعلنت، بعد ذلك بعامين، مسؤوليتها عن هجوم على جامعة في غاريسا، شرقي كينيا، قتل خلاله 148 شخصًا.
وشهد أكتوبر 2017 الحادث الأكثر دموية في مقديشو بعد تفجير شاحنة أسفر عن مقتل 512 شخصًا على الأقل، بحسب فرانس برس.
ما بعد رئيس جديد
وفي مايو الماضي، فاز حسن شيخ محمود، برئاسة الصومال للمرة الثانية، في انتخابات طال انتظارها.
وبعد انتخابات ماراثونية تنافس فيها 36 مرشحا، نال شيخ محمود، 165 صوتا، أي أكثر من العدد المطلوب للفوز في مواجهة الرئيس المنتهية ولايته، محمد عبدالله محمد.
وواجهت هذه الانتخابات مزاعم بوجود مخالفات، مما أدى الى تأخرها عن موعدها لأكثر من عام بعدما انقضت مدة ولاية محمد في فيفري 2021، من دون أن يجري انتخاب بديل له.
لكن “الشباب” لم تنتظر طويلا بعد انتخاب الرئيس الجديد، إذ هاجم مسلحوها في يوليو، قاعدة عسكرية على الحدود مع إثيوبيا، وشنوا عمليات توغل في الجار الغربي للصومال، قبل أن تتوالى مجددا الهجمات داخل عاصمة البلاد.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى في الصومال، فإن البلد المضطرب الواقع في القرن الأفريقي يواجه أيضا خطر مجاعة تسبب بها أخطر جفاف تشهده البلاد منذ أكثر من 40 عاما.
ويعاني من تداعيات الجفاف 7.8 مليون شخص، يشكلون نحو نصف سكان البلاد، بينهم 213 ألفا مهددون بمجاعة خطرة، وفق الأمم المتحدة.