الغضب في جرجيس متواصل.. متظاهرون اقتحموا مقبرة الغرباء بحثا عن أبنائهم
مظاهر الغضب مازالت تسيطر على الأجواء في مدينة جرجيس التونسية، مع توجه عدد من أقارب المهاجرين المفقودين في حادث غرق قاربهم قبل نحو شهر ونصف، إلى مقبرة الغرباء في المدينة بحثا عن جثث أبنائهم. المحتجون قاموا بفتح بعض القبور للتأكد من هويات الجثث المدفونة فيها وإن كانت تعد لأبنائهم.
اقتحم أقارب المهاجرين التونسيين الذين فقد أثرهم منذ غرق قاربهم في أ سبتمبر الماضي مقبرة الغرباء في جرجيس، وقاموا بفتح عدد من القبور بحثا عن جثث أبنائهم.
وكان عدد كبير من الأقارب والمتضامنين معهم قد احتشدوا صباح الإثنين السابع من نوفمبر قبالة المقبرة، المعروفة أيضا باسم “حدائق أفريقيا”، وشرعوا بفتح القبور بحثا عن 11 مهاجرا قالوا إنهم دفنوا هناك بعد أن تم انتشالهم من البحر. المتظاهرون حاولوا التعرف على جثث أبنائهم من ملابسهم أو أي تفصيل قد يوصلهم لمعرفة هويات الجثث، وفقا لما قالوه لوسائل إعلامية محلية.
وجاء ذلك بعد أن تبلغ ذوي المهاجرين أن العينات التي تم جمعها من الجثث، والتي قيل إنها دفنت في تلك المقبرة، جاءت سلبية.
وكان قاضي التحقيق المكلف بالقضية قد أمر بإغلاق المقبرة وتأمين محيطها، ريثما يتم التأكد من هويات بعض الجثث التي دفنت فيها.
دفن جثث في مقبرة الغرباء عن طريق الخطأ
وكان 18 مهاجرا قد استقلوا قاربا نهاية أيلول\سبتمبر، انطلق من جرجيس (جنوب شرق)، ليختفي أثره منذ ذلك الوقت. لاحقا، تم العثور على ثماني جثث من قبل صيادين تونسيين، دفنت أربعة منها عن طريق الخطأ بمقبرة الغرباء، دون أن يتم التأكد من هويتها.
هذا الأمر أثار حفيظة الأهالي في ذلك الوقت، ما أدى بالسلطات لإعادة فتح القبور ودفن الجثث بمقابر العائلات.
وكان منجي سليم، رئيس الهلال الأحمر التونسي في ولاية مدنين، قد انتقد حينها قيام السلطات بدفن رفات الضحايا بذلك الشكل قبل الحصول على عينة حمض نووي مسبقة، تتيح المجال للتعرف على هوياتهم.
وخلال اتصال مع مهاجر نيوز، أورد سليم أن الهلال الأحمر يقوم بدفن الجثث بعد الحصول على أوامر الدفن والأوراق الرسمية من السلطات البحرية والنائب العام. ويوضح أنه “يمكن دفن الجثث بسرعة إذا كانت قد وصلت لدرجة معينة من التحلل، لأسباب تتعلق بالصحة العامة”. ليعود ويستدرك “لكن يمكن إجراء اختبار الحمض النووي على الرغم من ذلك، مجرد عينة صغيرة جدا”.
“جرجيس صورة مصغرة عن تونس”
لكن أقارب مهاجرين آخرين مقتنعين بأن أبناءهم دفنوا في تلك المقبرة، فقاموا بفتح القبور هناك بحثا عنهم، حسبما جاء في مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولم تهدأ المظاهرات والحراكات المطلبية في جرجيس منذ أن تم انتشال الجثث الثمانية. فيوم الجمعة الماضي، خرج الآلاف إلى شوارع المدينة الساحلية للمطالبة بمعرفة مصير أبنائهم، ولحث السلطات على بذل جهد أكبر لانتشال جثثهم.
وفي وقت سابق، قال رياض رمضاني الناشط المدني خلال اتصال هاتفي مع مهاجر نيوز إن الوضع في جرجيس صورة مصغرة عن الوضع العام في تونس. “الناس هناك ضاقوا ذرعا بالصعوبات الحياتية اليومية، لتأتي حادثة القارب وتخرجهم للشارع. كثيرون يرون أن الحكومة تتستر على حقيقة ما جرى، خاصة مع الطريقة التي تم التعاطي فيها مع جثث بعض من أبنائهم الذين انتشلهم الصيادون (الدفن في مقبرة الغرباء)”.
وعلى الرغم من أن الرئيس التونسي قيس سعيد أمر وزارة العدل بفتح تحقيق في الحادث، إلا أن الشعور العام، وفقا للناشط التونسي، مازال “أن هناك إهمال من قبل السلطات بحق الضحايا وذويهم. ربما حاولوا المساعدة والتحقيق والبحث عن جثث المفقودين، لكن هناك تعتيم على القضية بشكل كبير”.
“استجابة السلطات ضعيفة”
وكثيرا ما تعرضت السلطات التونسية للانتقاد بسبب طريقة تعاطيها مع ملف الهجرة.
وفي بيان سابق، ندد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية “بالاستجابة الضعيفة لدى السلطات الجهوية والمركزية للأزمة الإنسانية المتواصلة على السواحل التونسية، وتخليها عن المفقودين في البحر وعائلاتهم”.
وجدد المنتدى الدعوة إلى “إنشاء إطار دائم للإعلام والبحث عن المفقودين في البحر والإحاطة بعائلاتهم وإعداد مخططات طوارئ محلية للتعامل مع حوادث الغرق نتيجة الهجرة غير النظامية، وضمان وجود أماكن لائقة للدفن والتكفل بذلك في ظروف ملائمة، مع القيام بأخذ عينات الحمض النووي للقيام بالتحاليل اللازمة”.
ومع تحسن الظروف المناخية خاصة بين فصلي الربيع والخريف، تتسارع وتيرة محاولات الهجرة على متن القوارب من سواحل تونس وليبيا، التي قد تنتهي بشكل مأساوي في بعض الأحيان.
وأعلن الحرس الوطني التونسي الثلاثاء الثامن من نوفمبر عن إنقاذ ستة مهاجرين قبالة سواحل بنزرت (شمال) خلال الليل، بعد غرق القارب الذي كان يقلهم، وأن خمسة آخرين في عداد المفقودين.
ومنذ بداية العام، تم اعتراض أكثر من 22.500 مهاجر قبالة السواحل التونسية، من ضمنهم حوالي 11 ألفا من أفريقيا جنوب الصحراء، وفقا للأرقام الرسمية.