الرئيسيةثقافة وفنونمهرجان القاهرة السينمائى الدولى

محمد بكري:إحتفل بعيد ميلاده بجائزة أفضل ممثل لإبنه وبإدانته من محكمة العدل الإسرائيلية

“عيد ميلاد سعيد” ، نقولها للفنان الفلسطيني،”المعلّم” محمد بكري الذي يحتفل اليوم الاحد 27نوفمبر بعيد ميلاده، لا يهم عدد السنين في حياة هذا الرجل” العنيد” وان خسر قضائيا معركة فيلمه العظيم” جنين جنين” التي  يخوضها بصبر الانبياء  منذ اكثر من عشرين عاما، اذ كتب بكري الاب على صفحته الفيسبوكية  قبل أيام قليلة ” اليوم 23 نوفمبر وبقدرة قادر صدر قرار محكمة” العدل” العليا ضدي،  فقد  رفضت الاستئناف الذي كنت قد قدمته على ادانتي في المحكمة المركزية في اللد، على فيلمي ” جنين جنين”

جاء القرار اليوم وما زلنا نحتفل بنجاح فيلم ” علم”

امس ليلا في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، حيث حاز الفيلم وهو من اخراج فراس خوري وبطولة ولدي محمود

على جائزة الجمهور باسم يوسف شاهين

والهرم الذهبي كأحسن فيلم عالمي واحسن ممثل ابني محمود، فصارت فرحتي فرحتين، الاولى بنجاح الفيلم الفلسطيني ” علم” والثانية بادانتي في محكمة ” العدل” العليا ،. صحيح انني خسرت المحكمة، ولكني ربحت شعبي

ومنذ عرض بكري فيلمه المتوج في أيام قرطاج السينمائية ، تمت ملاحقته  من طرف عدد من جنود جيش الاحتلال  الذين اعتبروا الفيلم يحرض ضدهم ويقوم بتشويههم، الى ان صدر حكم  المحكمة المركزية في مدينة اللد  في جانفي الماضي بإدانة الفنان الفلسطيني محمد بكري بالتحريض وأمرت بحظر عرضه بل وجمع أشرطته ومصادرتها ومحو روابطه في قناة “يوتيوب”.

كما فرضت قاضية المحكمة الإسرائيلية غرامة مالية بقيمة نحو 80 ألف دولارا  على الفنان محمد بكري كتعويض للضابط الإسرائيلي نسيم مجنجاي المدعى عليه بجريمة التشهير علاوة على أجرة المحكمة نفسها.

وزعمت المحكمة ان محمد بكري   أنتج وأخرج فيلما “شوه فيه صورة الواقع واحتوى مشاهد فظيعة” وكل ذلك تحت غطاء “فيلم وثائقي”، متجاهلة تقارير صحافية وحقوقية وشهادات أهالي المخيم خلال تدميره بالكامل.

وحملت أيضا على محمد بكري لتكريسه الفيلم لذكرى… من “كتائب شهداء الأقصى”.

ورفضت المحكمة الإسرائيلية لائحة الدفاع التي قدمها محامي الفنان محمد بكري واتهمت الأخير بالتورط بـ”القذف والتشهير” بحق شخص أرسلته إسرائيل للقتال ضمن حملة “السور الواقي” عام 2002 ليجد نفسه مشاركا في الفيلم وهو يهدد بالسلاح شيخا فلسطينيا داخل المخيم في إطار “عرض كاذب” صوّر الجنود الإسرائيليين وكأنهم يرتكبون جرائم حرب”.

وسارع ما يعرف بمنتدى “العائلات الثكلى والضباط والجنود” للترحيب بقرار المحكمة ومدحوا “تحقيق العدالة بعد 18 عاما” من خلال “قرار شجاع بوقف التحريض وحظر عرض الفيلم”.

وتابع “المنتدى” في بيان صحافي “لتعلم كل سيدة إسرائيلية أن محمد بكري هو مخرّب ومحرّض ضد العائلات الثكلى وضد ضباط وجنود وضد إسرائيل”.

في المقابل تحرك فنانون ومثقفون فلسطينيون من داخل الاراضي المحتلة ومن خارجها للتعبير عن مساندتهم لمحمد بكري حتى لا يجد الحصان نقسه وحيدا في مواجهة عربة الاحتلال، ولكن التضامن  بقي في حده الادنى خطابيا، أما عربيا فيبدو أن هذه الأمة فقدت نبضها ولم تعد تأبه لما يتعرض له فنان فلسطيني كان بوسعه  ان يتأقلم مع وضعه الاداري بإعتباره حاملا للجنسية الاسرائيلية بحكم مرابطته في موطنه المحتل ويحقق من النجاح الجماهيري عالميا بأيسر السبل، ولكن محمد بكري سخر حياته  للدفاع عن قضية وطنه الام، وغرس في ابنائه القيم نفسها غير آبه بما يتغرض له من عراقيل

ولئن كان يفترض ان ترحب كل بلاد عربية بمحمد بكري فأن الواقع ليس مثاليا، فقد حرم من تأشيرة الدخول هو او أحد أبنائه  لتصوير فيلم او لحضور مهرجان، وانتظر ساعات طوال في المطارات العربية المافعة  عن القضية، وظل في تونس شهورا طويلة  بسبب الكورونا دون ان يكلف احد من المسؤولين عناء إستقباله أو السؤال عنه وهو الشخصية الثقافية الفلسطينية للعام 2020 ولم يستضفه أي برنامج إذاعي أو تلفزي ، ثم يشنفون أسماعنا بأنهم يموتون في حب فلسطين

العجيب ان بعض الاصوات الاسرائيلية كانت اعلى من اصوات الداعمين العرب لمحمد بكري، فقد  اعتبر المخرج الإسرائيلي أودي ألوني (ابن الوزيرة الراحلة شولميت ألوني) أن محمد بكري بطل مبديا اعتزازه به وبصداقتهما.

وتابع في بيان مخاطبا بكري: “عايشت جنين وشاهدت بعيوني نتائج جرائم حرب إسرائيل التي قمت أنت من منطلق الإيمان بطيبة الإنسان بمحاولة إطلاعنا على ما شهده المخيم علنا، لنصحح طريقنا، لكن بدلا من ذلك تحولت إلى عدو الشعب في دولة النظام العنصري الأبرتهايد الإسرائيلي القاتل. في دولة الأبرتهايد يحظر على الإسرائيليين مشاهدة جرائم الحرب التي ينفذها كي يستطيعوا النوم بشكل جيد في الليالي أما شهود العيان فينبغي إسكاتهم بواسطة محكمة فاسدة وعنصرية ودعمك العملي من طرفنا على الطريق”.

وقالت صحيفة “الاتحاد” الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الإسرائيلي إن هذه المحاكم تحولت إلى ساحة فارغة يدور فيها الضباط لردع بكري عن مسيرته، لأنّه غنّى خارج السرب الذي تتوقعه حكومة الاحتلال التي ترفض أن تسمع حكاية أخرى تتعلق بالجانب الفلسطيني والانتهاكات ضده. وقالت إن بكري خاض وعائلته وما زالوا عدة نضالات شخصية دفعوا ثمنها بالمضايقات المستمرة والمقاطعة غير العلنية وقطع الرزق، طالته في الساحة الفنية التي أقصت بكري وحرمته من متابعة مسيرته حتّى في الخارج.

أما محمد بكري فقال في أحد تصريحاته ” لو عاد بي الزمن مرة أخرى سأقوم بإخراج الفيلم بطريقة أفضل”،

البكري كرر أكثر من مرة أن “ما قمت به لا يقاس أمام التضحيات التي قدمها المخيم”، وهو الذي عرض فيلمه أول مرة بعد أسبوع فقط من انتهاء حصار المخيم والمجزرة الإسرائيلية، مما جعله من أكثر الأعمال الفنية التي وثقت الجرائم التي اقترفها جيش الاحتلال في المخيم.

يشار إلى أن “جنين جنين” فيلم وثائقي يروي ملحمة مخيم جنين الذي اجتاحته قوات الاحتلال في نطاق حملة شنها رئيس حكومته  أرئيل شارون بعنوان “السور الواقي” عام 2002 على كل الضفة الغربية من أجل وقف الانتفاضة الثانية التي اندلعت في نهاية العام 2000 ردا على فشل مفاوضات “كامب ديفد” وفيها حوصر داخل المقاطعة في رام الله الرئيس ياسر عرفات حتى مات عام 2004  في ظروف يحيط بها غموض كبير

و استعرض محمد بكري المصادفة التي قادته إلى المخيم لإعداد الفيلم، فقد كان في الأيام الأولى للاجتياح في  أفريل  2002 يعرض مسرحية في مسرح الميدان بحيفا، ومع بدء الأنباء التي تتحدث عن جرائم الاحتلال بالمخيم أوقف العرض تضامنا مع المخيم الذي لا يبعد عن الناصرة “سوى ضرب العصا”.

وتقع جنين على ما يسمى بـ”الخط الأخضر” الفاصل بين فلسطين المحتلة عام 1948، وأراضي الضفة الغربية المحتلة عام 1967، ونقطة العبور بينهما حاليا حاجز الجلمة الاحتلالي، وهو المكان الذي وقف عنده البكري في اليوم الرابع للعدوان مع غيره من فنانين ومثقفين وأعضاء كنيست فلسطينيين، هاتفين ضد جرائم الاحتلال حينئذ، وتعرض في الوقفة لإطلاق نار من قبل أحد الجنود وأصيبت ممثلة زميلة له برصاصة مباشرة بيدها.

يقول بكري “عندما أطلق الجندي الرصاصة تلطخت بدم زميلتي، صدمت من المنظر”، ولمعت برأسي فكرة “إن كنا نتضامن مع المخيم وهذا ما يحدث معنا، فكيف الحال بالمخيم المحاصر”. وهذه الفكرة هي التي قادته في اللحظة نفسها إلى قراره دخول المخيم وتصوير الفيلم، رغم أنه لم يكن يملك من تكلفة إنتاجه شيئا.

4 أيام مدة التصوير، كانت الأصعب عليه، “ليس فقط الموت، كانت التفاصيل الصغيرة تقتلني، أتذكر ذلك اللاجئ الذي قال لي عن صدمته عندما أفاق صباحا ووجد منزل جاره كومة حجارة”.

وعلى الرغم من مرارة حكم محكمة “العدل” الاسرائيلية، فمحمد بكري سعيد بنجاح فيلم”علم ” لفراس خوري، والاجماع الحاصل عليه في مهرجان القاهرة السينمائي بفوزه بثلاث جوائز، أفضل فيلم عالمي وافضل ممثل وهي الجائزة التي كانت من نصيب محمود ابن محمد بكري الأصغر، وجائزة الجمهور

الطريف، أن محمد بكري تنبأ بتتويج أبنه، فقد بعث لي رسالة صوتية يسألني هل شاهدت الفيلم ويستطلع رأيي في أداء محمود ، وبعد ان إطمأن إلى إعجابي بالفيلم وبمحمود أسر لي أنه ينتظر جائزة افضل ممثل لابنه- ان توفر شرط النزاهة في لجنة تحكيم مهرجان القاهرة السينمائي، وهو ما حدث فعلا

*محمد بوغلاّب…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.