في الأروقة الدبلوماسية خارج لبنان من باريس إلى الرياض، لا يسمع سوى اسمين مرشحين لرئاسة لبنان، قائد الجيش جوزيف عون وزعيم تيار المردة وحليف حزب الله والنظام السوري سليمان فرنجية.. فما فرص كل منهما من الدعم داخلياً وخارجياً؟
وفقاً لمصادر دبلوماسية عربية أكدت أن المملكة العربية السعودية أبلغت فرنسا بوجوب الانتظار بعض الوقت لدراسة الأفكار والأسماء المطروحة للرئاسة وخلفياتها المحلية والإقليمية بتمعن، وهو ما يستوجب الانتظار حتى بداية العام المقبل.
قرار التريث السعودي لا يتعلق فقط بدراسات معمقة للملف اللبناني، بل تأتي في انتظار التطورات الإقليمية، والتي تبدو حافلة في المنطقة، انطلاقاً من الملف اليمني ومروراً بملفات الحراك الإيراني والتطورات في الشمال السوري وانتهاء بإمكانية توقيع الاتفاق النووي مع طهران.
فريق يتحرك لصالح قائد الجيش
وعلى جانب الاسم الأكثر بروزاً محلياً وإقليمياً وهو قائد الجيش جوزيف عون فهناك من يعتبر أن طريقه معبدة إلى القصر الجمهوري، نتيجة رفض دولي وإقليمي لمرشح حزب الله والنظام السوري سليمان فرنجية، وتعتبر أوساط لبنانية أنه كلما طالت الأزمة كان الشخص الأسهل للوصول إلى توافق حوله هو قائد الجيش.
لكن أطرافاً سياسية أخرى في البلاد تعتقد أن ذلك قد يبدو مستحيلاً، بسبب عدم حماسة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لهذا السيناريو، وثانياً لأن هناك جهات تفضل عدم تكريس ظاهرة وصول قادة الجيش إلى رئاسة الجمهورية، لكن الأكيد أن جهات خارجية كثيرة تفضل وصوله، على رأسهم واشنطن والقاهرة وعدم ممانعة فرنسية وسعودية.
يتحدث مصدر أمني لبناني أن مجموعة سياسية على صلة بقائد الجيش بدأت تحركها لتسويق اسم عون، أولاً مع دول فاعلة، وأنه وفي الأيام القليلة الماضية، وزع هذا الفريق مهماته التسويقية، أولاً من خلال زيارات تشمل مسؤولين في الإدارة الأمريكية في واشنطن وأعضاء في الكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
كذلك إلى باريس التقى الوفد مدير المخابرات برنار إيمييه والمستشار باتريك دوريل، وأن جزءاً من هذا الفريق التقى السفير الروسي في بيروت، ومن ثم توجه إلى موسكو للقاء المستشار الرئاسي ميخائيل بوغدانوف، كذلك هناك لقاءات تجري مع مسؤولين في الفاتيكان ومصر، ويشير المصدر إلى أن بعض أعضاء هذا الفريق التقوا وفداً أمنياً سعودياً في الرياض.
يعتقد المصدر أن ما سمعه الفريق الذي يجول بين العواصم كان إيجابياً عبر إشادات بشخصية عون وقدرته على تحييد الجيش عن الصراع السياسي وعدم الانخراط لصالح أحد الأطراف دون الأخرى، لكنه ربط الاتفاق على اسم الرئيس بالاتفاق على شخصية توافقية بين واشنطن والرياض وطهران.
حزب الله وقائد الجيش.. لقاء مصارحة
وعلى خط حزب الله الحائر الذي لا يزال يبذل أقصى طاقته للتوفيق رئاسياً بين حليفيه سليمان فرنجية وجبران باسيل، وجمعهما تحت سقف المصلحة المشتركة للخط الاستراتيجي لتحالف قوى 8 آذار، لكن الحزب الذي يعتبر أن باسيل ممر إلزامي لأي طرح رئاسي، بدأ بالشعور أن هذه المهمة ازدادت صعوبة وتعقيداً بعد الهجوم الذي شنّه باسيل على فرنجية من باريس منذ أيام.
بالتوازي كان لافتاً كلام نواب حزب الله عن قائد الجيش بعد الجلسة النيابية الأخيرة، لا سيما موقف رئيس كتلة حزب الله النائب محمد رعد، الذي أشار إلى أن الحزب لا يضع فيتو على قائد الجيش.
إضافة لموقف النائب عن الحزب علي عمار، الذي أشاد بأداء قائد الجيش ودوره خلال المرحلة الماضية، وتمثل هذه المواقف إشارات واضحة حيال النظرة الإيجابية لدى الحزب تجاه عون أولاً، وثانياً لا يخفى التواصل القائم بين الطرفين. وهذا ما يعني أن الحزب يبقي الباب مفتوحاً أمام أي احتمال، خصوصاً إذا ما استطاع الحزب تأمين وصول فرنجية.
كان لافتاً اللقاء الذي جمع قائد الجيش ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا، ويكشف الصحفي المقرب من حزب الله عماد مرمل أن صفا لم يبحث مع جوزيف عون موقف الحزب من احتمال أن يكون اسمه مطروحاً لتولّي الرئاسة.
ووفق مرمل، فإن حرص الحزب على العلاقة الوطيدة مع الجيش شيء وحسابات انتخابات رئاسة الجمهورية شيء آخر، ولذلك لم يحصل خلال لقاء صفا – عون أي نقاشات حول الملف الرئاسي، ولا يزال سليمان فرنجية المرشح الوحيد الذي يدعمه الحزب، وليس هناك اسم آخر لديه حالياً.
بالمقابل ووفق الكاتب السياسي المقرب من حزب الله قاسم قصير، فإن هذه المُعطيات تؤشّر إلى مناخٍ جديد أو تسويّةٍ قد تكون إقليمية – دولية يجري العمل عليها، ويرى قصير أنّ “مجرد الإعلان عن لقاء (قائد الجيش- وفيق صفا)، فهو يُؤشّر إلى حوارٍ بين الطرفَيْن.
وعن عن كلام نائبَي “الحزب” من مجلس النواب، يعتبر قصير أن مواقف محمد رعد وعلي عمار في جلسة مجلس النواب تؤشّر لعدم وجود فيتو من “الحزب” على قائد الجيش، ويجزم بأنّ حزب الله لم يُعلن حتى الساعة موقفاً حاسماً من أيّ مرشح، وهذا يعني فتح الباب أمام كل المرشحين الذين يَطمئن لهم الحزب، والمهم حصول حوار وضمان عدم المساس بسلاح المقاومة.
وحول تسوية مُحتملة، يُوضح قصير أن الاتصالات الجارية بين باريس والرياض مستمرّة، والفرنسيون يسعون للوصول إلى تسوية متكاملة، لكن لم يُطرح اسم نهائي، وهذا مرتبط بتفاصيل التسوية وظروفها وكل الاحتمالات واردة.
محاولات فرنسية وجهود مصرية بين الرياض وحزب الله
في إطار متصل، يشير مصدر سياسي إلى أن لدى دول كفرنسا ومصر قناعة تامة بضرورة وصول السعودية وحزب الله إلى تفاهمات مشتركة حول رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، ويشير المصدر إلى أن باريس حاولت إقناع المملكة ببدء مفاوضات مع الحزب عبر وسطاء
كان هذا الطرح محور اجتماع جرى بين مسؤولين فرنسيين وسعوديين، لكن السعودية رفضت هذا الاقتراح الفرنسي، بحجة أنه لا يتعامل إلا مع دولة لدولة وأن الأمر متروك لحلفاءئه اللبنانيين لتولي هذه المهمة.
لكن السعودية اعتبرته اتفاقاً أمريكياً – إيرانياً يعزز دور حزب الله ويتزامن مع وصول رئيس إلى السلطة في العراق وانتصار رئيس وزراء للجمهورية الإسلامية.
بالتوازي يشير المصدر إلى أن الجانب المصري بدأ منذ أسابيع محاولات لإيجاد قناة تواصل غير مباشرة بين الحزب والسعودية، وبحسب المصدر، فإن مسؤولاً رفيع المستوى في المخابرات العامة المصرية زار بيروت والتقى مسؤولين في حزب الله وسمع منهم مواقف إيجابية حيال ضرورة عودة السعودية للمشاركة الفاعلة في الملف اللبناني.
كان الهدف المصري هو إعادة التوازن السياسي على الساحة اللبنانية، عبر انتخاب رئيس وسطي يطمئن حزب الله حول سلاحه وترسانته العسكرية، في مقابل رئيس حكومة محسوب على السعودية.