الرئيسيةثقافة وفنونمهرجان القاهرة السينمائى الدولى

مهرجان القاهرة السينمائي: جدار الصد الأخير

مهرجان عالمي لأنه مهني ليس أكثر

نزلة برد حادة ألزمتني الفراش في اليومين الاخيرين من رحلة قصيرة الى القاهرة لمتابعة الشطر الثاني من مهرجانها السينمائي، فمهرجان القاهرة بات جدار الصد الاخير بالنسبة اليّ بعد ان  اغلقت المهرجانات التي كنت ارتادها ابوابها – ليس بغاية التصليح-  او تعذر وصولي  الى العناوين الجديدة

فمهرجان ابو ظبي السينمائي اصابته لسكتة فجاة دون سابق اعلام ، ثم التحق به شقيقه مهرجان دبي الذي كان في اوج نجاحه وتألقه ، وتوقف مهرجان مراكش بغاية التطوير واعادة النظر   وفي انتظار عودته –غير الموفقة –  أخذت مني الكورونا جسر عبوري الى المغرب بأكملها وهو الصديق الرائع نورالدين الصايل المدير العام السابق للمركز السينمائي المغربي واحد ابرز كتاب سيناريو السينما المغربية-يكفيه فيلم باديس لعبد الرحمان تازي- واحد فلاسفة بلاد الاطلس وأشد المدافعين عن الحريات فيها – دون فصل بين حرية التفكير وحرية التعبير، لأن الاكتفاء بحرية التفكير  أشبه بمن يكتفي بالاستمناء دون أن بعاشر يوما إمرأة –  ولا شك أن ابواب المهرجانات العربية   عموما تظل موصدة باحكام  قي وجه اي صحافي حتى لو كان حسنين هيكل ان لم يكن لك “معرفة” او ” واسطة” وهذه حقيقة  لا يحرجني بالمرة  الافصاح عنها،  ولكننا نتقن الكذب والادعاء،  فلولا سمير فريد لما وطأت قدماي مهرجان القاهرة،  ولولا نورالدين الصايل لما  واكبت مهرجانات مراكش وخريبقة ومهرجان الفيلم المتوسطي الفصير بطنجة وكذلك المهرجان الوطني للفيلم ، ولولا انتشال التميمي-متعه الله بالصحة- لما   كنت من متابعي مهرجان ابو ظبي ومن بعده الجونة في مصر ، ولولا مسعود امر الله ال علي و  زياد عبد الله وعرفان رشيد لما دعيت يوما الى مهرجان دبي السينمائي…..

تلك هي الحقيقة،  ويبقى الاختلاف في  كيفية وصول اي صحافي او ناقد  لهؤلاء الفاعلين في المهرجانات العربية ، هل يقنعهم بحرفيته او يسلك مسالك اخرى ؟  ذلك هو الفرق الوحيد …ليس أكثر

عدى ذلك فحميعنا مدعو بالواسطة، المضحك اني لم ادع إلى  ايام قرطاج السينمائية  في دورتها الفائتة البالية،  لا لحفل الافتتاح ولا للاختتام ،  وهم معذورون في ذلك،   فعدد الدعوات محدود ولا يكفي للوزراء وعائلاتهم ورؤساء الدواوين وزوجاتهم او أزواجهم ، ولا للمقربين من الوزيرة ومستشاري الظل ، ولا   مصلحة لا لادارة المهرجان ولا للوزيرة وبطانتها في تخصيص مقعد لي من بين 1800 في مسرح الاوبرا ….

لم ادع ولم اكلم احدا حتى لو كان  عون الاستقبال في بوابة الوزارة بعد ان علمت ان المهرجان  لم بدع احد ابرز النقاد العرب –سواء كنت من محبيه او من خصومه- واعني طارق الشناوي، وهو صديق قديم للمهرجان ولكثير من السينمائيين التونسيين، الأغرب أن الشناوي بذل مساع مع الوزارة لتتم دعوته لانه حريص على حضور ايام قرطاج السينمائية ، وعلى الرغم من تلقيه تطمينات من الوزيرة بنفسها بأن وزارتها المصونة ستوجه الدعوة، تبخر ذلك الوعد، هل نعلمون لماذا؟

لأن مديرة المهرجان هددت الوزيرة بالاستقالة لو قامت باستضافة طارق الشناوي؟

وفعلا خافت الوزيرة من استقالة المديرة فأخلفت وعدها، فهل ربح المهرجان شيئا بعدم دعوة طارق الشناوي؟ وهل كانت البلاد “باش تقيد فلسة” لو تحملت  نفقات سفر الشناوي واقامته في احد فنادق  شارع بورقيبة من فئة الثلاث نجوم؟

ولكنه القاع الذي بلغناه ومازلنا بصدد الحفر، مديرة تناكف ناقدا لسبب غير معلوم، ووزيرة عاجزة عن دعوة صحافي لمهرجان تصرف عليه الوزارة من المال العام-مالك انت يا من تقرأ المقال- المليارات

طبعا لا فائدة من الحديث عن مكلف بالاعلام في مهرجان سينمائي لم يصادفني يوما في عرض سينمائي حتى لو كان فيلم صور متحركة ؟ اي ان من يفترض ب هان يكون همزة الوصل مع نقاد السينما وصحافييها  لا يعلم اصلا ان كانت السينما فنا سابعا أو تاسعا، ولكنها الولاءات والترضيات وهزان القفة من أعلى الرأس إلى أسفل القدين

كم  اضحكني تعاملهم معي بعدم دعوتي،  لاني اصلا لم اعد احضر حفلاتهم منذ سنوات ، منذ  عهد  الوزير ولد العايلة الذي كان صديقي او كنت احسبه كذلك،  فقد  خصص لي ديوانه دعوة  لشخص واحد في افتتاح دورة 2016-تلك الدورة الشهيرة بمصاريف احتساء المشروبات الكحولية الزائدة عن الميزانية والتي تم طيّها سريعا  حرصا على واجب التحفظ-  فرفضت استلامها وقلت لمن قدم لي البطاقة”  لحد الساعة مازلت متزوجا  ومن باب الاحترام لزوجتي المفروض ان اخبرها بانها سترافقني  لحفل الافتتاح ولكن يبدو  انكم  خصصتم السهرة للعزاب  دون غيرهم ”

منذ ذلك التاريخ  أقسمت بأن لا  احضر اي حفل افتتاح او اختتام لايام قرطاج السينمائية ولست  اسفا على ذلك،  فقد كنت اواظب على متابعة مهرجان “كان ” سنويا-حتى قطعت الكورونا كل عاداتنا الطيبة- كان مهرجان” كان”  موعدا ” مقدسا”  اشاهد فيه افضل سينماءات العالم  بعيدا عن الهرج والمرج والنفخان

اما مهرجان البحر الاحمر فيمسك بدواليبه  مدير لبناني كان احد الفاعلين في دبي ولا صلة لي به لا من قريب ولا من بعيد ولذلك كان من الطبيعي ان لا توجه لي الدعوة لهذا المهرجان الذي انشئ على انقاض مهرجان دبي،  وربما كان الحكم بالموت الفجئي  على مهرجان دبي  فقط من اجل اعلان ميلاد البحر الاحمر   ضمن الزلزال الذي ضرب السعودية  بفعل سياسات ولي عهد الملك سلمان الذي يريد ان يحول المملكة الى قبلة العالم  بديلا لاوروبا وامريكا خلال سنوات معدودات

ظلت القاهرة وجهتي  رغم تبدل المديرين ، ففي هذا المهرجان هناك  احترام لكراس شروط مهرجان عالمي،  ليس مطلوبا منك ان تلتقط “سلفي” مع مدير المهرجان او رئيسه  او تحمل معك” بيدون زيت زيتونة نضوح” أو باكو دقلة مثل تلك التي كانت توزعها وكالة البلح للاتصال الخارجي على ضيوف النظام من الصحافيين المأجورين والمطبلين والمهللين ، في القاهرة ليس مطلوبا منك أي شيء من ذلك لتكون  ضيفا مبجلا، عملك  وحده يتحدث عنك، ولا احد يلازمك مثلا ظلك يقتفي خطاك في الرايحة والنازلة،  انت حر في ما تختاره من مواكبات،  لا يضغط عليك احد ولا تسال اصلا لماذا حضرت هذه الندوة او تغيبت عن الاخرى،  ولكنك حين تقتطع تذاكر الافلام تحاسب، فان تغيبت  لاكثر من مرة يتم حرمانك من الحجز لاي فيلم لاحق ، ويحكم عليك بالبطالة  حتى أخر يوم من المهرجان، وهو اجراء ذكي ليتأكد المهرجان ان مدعويه جاؤوا فعلا لمشاهدة الافلام وليس فقط للتبضع والسهرات المخملية على نهر النيل

الغريب ان كل من يعرفني في القاهرة يسالني عن ايام قرطاج السينمائية،  ولماذا خفت بريقها وهل صحيح ان الوزيرة قررت –دون أن تراجع أحدا من أهل القطاع-  العودة بالمهرجان الى الوراء والاقتصار على دورة كل عامين؟

مع سؤال فيه شيء من المجاملة لماذا لم نرك في مهرجان بلدك؟

كنت اجيب حسب ما توفر لي من معطيات،  لم احضر لاني لم اتلق دعوة ولم اتسلم شارة المهرجان وان تم اعلامي بايميل بائس ان الشارة موجودة في المكتب الاعلامي دون اي اشارة الى مكان هذا المكتب  اصلا ؟ وكأنه عليّ البحث بين مدينة الثقافة ودار الثقافة ابن خلدون ونزل الافريكا بين طوابقه المتعددة ؟

اما عن انطفاء جذوة المهرجان ،  فبسبب انطفاء جذوة البلاد باكملها،  واما عن  دورة كل حولين فقرار  جائر من بين سلسلة قرارات جائرة اخرى ابتلي بها التونسيون في بلادهم، وهم ساكتون صامتون مستسلمون لمصيرهم،  واخرها  الترفيع في اسعار المحروقات للمرة الخامسة في عام  واحد “ومازال مازال “، بينما رئيس البلاد يطمئننا  بان قلبه على الفئات الاجتماعية الضعيفة وبانه لا تفريط في المؤسسات العمومية ويدعونا لعدم تصديق مروجي الاشاعات ممن يريدون – والكلام له- ضرب الدولة والمجتمع،  ولكنه لا يقول شيئا عن الزيادات المتتالية في اسعار المحروقات ؟ وكأن سيارات موكبه الفارهة تتحرك بأرواح الملائكة؟

اجتهدت قدر استطاعتي لمشاهدة اكبر عدد من الافلام وتفاديت الندوات والمحاضرات فلم يعد  لي صبر على  الاطالة والمجاملات والاسئلة التي لا تضسيف شيئا ،

شاهدت افلاما في قاعات الاوبرا التي هيئت كأفضل ما يكون لاحتضان مهرجان القاهرة، وفي الجامعة الامريكية بميدان التحرير في صالة بمثابة التحفة المعمارية – وبالمناسبة علمت أن  الجامعة الامريكية قد إنتقلت  الى مقر جديد بالتجمع الخامس ولم تبق سوى على خدمة بيع الكتب في مقرها القديم حيث صالة ايوارت للسينما-

وفي سينما الزمالك  في احد الانهج المتفرعة من شارع 26 يوليو

كان الجامع بين كل هذه الفضاءات، الالتزام المقدس بمواعيد العروض، حسن التنظيم وحودة العرض السينمائي  لمختلف الافلام

كل ذلك دون ان تسمع صوتا واحدا مرتفعا  أو وقع أقدام  اي مسؤول رفيع من المهرجان ، لان المهرجان اكتسب اليات تسييره الذاتي، وكل طرف يقوم بمهامه ، ورئيس المهرجان وهو من هو في السينما المصرية  حسين فعمي لا يدعي انه  فرعون أو ” مولى الباتيندة ” بالعكس هو حريص على التنويه بمساعديه بدءا بمدير المهرجان الشاب امير رمسيس الذي  كان الى وقت قريب مديرا في الجونة، ولا بأس من التذكير بأن حسين فهمي تجاوز الثمانين من العمر، ولو كان تونسيا لقيل له” مازلت مكبّش؟ خلي الفرصة للشباب” ولكنه في مصر مرجع يستفيد منه الشباب وتنتفع البلاد بخبرته وعلاقاته وحسن إدارته…

ولعل ابرز ملاحظة هو ان المهرجان مخصص لاهله من الفنانين وصناع الصورة فلا وزراء ولا كتاب دولة ولا ولاة ولا رؤساء بلديات ولا تنسيقيات الرئيس ولا ولد عم مولى الباش

كنت في القاهرة  التي أحبها وأفاخر بحبي لها، وعدت متعبا بسبب التكييف القاتل في دور العرض، وها إني أحاول التعافي تدريجيا لأكتب عن القاهرة والسينما ….

وللحديث بقية

*محمد بوغلاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.