الرئيسيةثقافة وفنونمهرجان القاهرة السينمائى الدولى

مهرجان القاهرة السينمائي: جزيرة الغفران لرضا الباهي، حين نخطئ المرمى في الـ75…

إختار رضا الباهي أن يعرض آخر أفلامه “جزيرة الغفران” في مهرجان القاهرة الدولي، وهو مبدئيا حر في خياره ، وله حججه، فمن الجانب الذاتي اعترف الباهي في حديث لنشرية المهرجان بأنه ” مريض بالسينما المصرية يتابع ممثليها فردا فردا وبأن له تاريخ مع عمالقة السينما المصرية مثل محمود مرسي وليلى فوزي وكمال الشناوي  وبانه يعتبر نفسه “نص مصري”،  أما من الجانب الموضوعي،  فمهرجان القاهرة   مهرجان عالمي  ومنصة مهمة لاطلاق أي فيلم خاصة وأن  فيلم رضا الباهي ادرج ضمن المسابقة الدولية وهو ما كان سيعطيه وهجا وإشعاعا  لو توج بإحدى الجوائز

ولكن السؤال، هل يحق لرضا الباهي ان يقرر مستقبل فيلمه بمفرده؟

الاجابة ببساطة هي :لا

واليكم السبب الاصلي ، إذ من المعلوم أن رضا الباهي لم يتمتع بمنحة التشجيع السينمائي  لهذا الفيلم على الرغم من تقديمه لمشروع فيلمه مرتين امام  لجنة دعم مشاريع الافلام السينمائية، ومع ذلك،  وفي ظروف  تغيب عنها الشفافية،  مكنه الوزير “ولد العايلة ، موزع الدروع” من دعم استثنائي  ناهز 150 مليونا من اموال دافعي الضرائب، ولا اعتراض  على دعم أي فيلم،  شريطة توفر مبدأ تكافؤ الفرص امام جميع السينمائيين بعيدا عن المحاباة والترضيات والمجاملات ، فقبل سنوات  تحصل رضا الباهي على وثيقة رسمية ممضاة من وزير الثقافة  عزالدين بالشاوش –في حكومة قائد السبسي غداة الثورة- يأمر فيها الوزير بصرف 100 الف دينار لفائدة رضا الباهي لاستكمال فيلم “براندو “- بطولة أنيس الرعاش ولطفي العبدلي وسفيان الشعري رحمه الله ، وكأن الامر يتعلق بصرف منحة اجتماعية لعائلة معوزة تواجه خطرا داهما،  والحال ان التصرف في المال العام يقتضي معايير واضحة للدعم على الانتاج وما بعده واقتناء الافلام المنجزة  دون دعم من الوزارة والمساعدة على الكتابة وغيرها… وكلها صيغ معمول بها في وزارة الثقافة تفتح الباب رغم كل ما يقال أمام السينمائيين لصناعة أفلامهم بالحد الأدنى على الأقل

المهم ان مدير السينما في ذلك الزمان  فتحي الخراط  لم يتبع خطوات وزيره، بل كلف لجنة خبراء بتقدير كلفة الفيلم التي قال رضا الباهي انها ناهزت مليار و800 مليون

وبعد بحث وتمحيص وتمعن اعلنت اللجنة قرارها :هذا الفيلم لا تتجاوز كلفة انتاجه مليار و100 مليون ، وهو ما يعني آليا  ان يعيد رضا الباهي للوزارة جزءا من منحة   الدعم التي تحصل عليها لانها تجاوزت نسبة 35 في المائة من كلفة الفيلم ، ثم طوي الملف ….دون ان ياخذ الباهي  دينارا واحدا من وعد الوزير بالشاوش ودون ان يرد  شيئا من منحة الوزارة

ولعله من المناسب التذكير بوجود قرار رئاسي ملزم   يعود للرئيس الراحل زين العابدين بن علي يقضي بأن تساهم التلفزة التونسية ب100 ألف دينار في إنتاج كل فيلم طويل، ولكن التلفزة   أبطلت –بعد سنوات- العمل بهذا القرار نظرا إلى شح مواردها  المالية حتى أن ميزانية الانتاج فيها لا تتجاوز 5مليون دينار، ولم يعترض احد من السينمائيين أو على الأقل لم يسمع أي صوت معترض،  لان الجميع –أو جلهم أحتراما للنزهاء على قلتهم- كانوا يتعاملون بعقلية “الي يجي م التلفزة خير منها”  ولم يكن هناك ايمان حقيقي بفكرة مساهمة التلفزة في الانتاج السينمائي، اذ لو آمنت كل الاطراف بالمشروع لتحولت التلفزة التونسية الى ذراع انتاجية حقيقية للسينما في تونس ولطوّرت انتاجاتها  التلفزية بالانفتاح على عالم الفن السابع  وخبراته  في مختلف الاختصاصات، ولكننا نكتفي بتطبيق أي قرار اداريا وينتهي الموضوع عند تلك النقطة ، وجماعة التلفزة” ما يحبوش البراني” وجماعة السينما ينظرون من عليائهم الى العاملين في التلفزيون .

  • لماذا لم يعرض الفيلم في تونس؟

السؤال الان، بأي  منطق يحرم الجمهور التونسي من مشاهدة فيلم ساهم في انتاجه عبر 150 مليونا التي منحتها الوزارة لمخرج الفيلم وكاتبه ومنتجه رضا الباهي؟

الم يكن حريا برضا الباهي ان يقدم الفيلم على الاقل في عرض عالمي اول في وطنه تونس ثم يفرد مهرجان القاهرة باول عرض دولي   ؟ اما ان يقفز مباشرة الى مصر والحال ان الفيلم ممول جزئيا من اموال الشعب الكريم فهذا تصرف ليس من حقه ، والمفروض ان يساءل عليه هو ومن سمح له من وزارة الثقافة والمركز الوطني للسينما والصورة وإدارة السينما …

  • قصة الفيلم …وكيف تحولت البطولة لإبن المخرج؟

لست متيقنا من قدرة كل من شاهد الفيلم على  استيعاب قصة الفيلم كما دونت في السيناريو،   لسبب يتعلق بمونتاج الفيلم ، فما تاكدت منه ان رضا الباهي الذي قدم اكثر من عرض خاص  في تونس  للمقربين منه وللمسنشهرين الذين يستحقون فيلما افضل مما قدمه الباهي لمبادرتهم بدعم فيلم تونسي دون اي ضمان لعائدات مالية بعد عرض الفيلم  ،   اعاد مونتاج الفيلم  قبل تقديم النسخة النهائية لمهرجان القاهرة وهي نسخة تحولت فيها بطولة “جزيرة الغفران ” من الممثل علي بنور الذي يقدم شخصية “داريو” الى ابن المخرج نفسه باديس الباهي الذي يجسد شخصية البوسطاجي وهي شخصية ثانوية اصلا في الفيلم،   ولكن الباهي  اختار لاسباب من خارج الفيلم ان يختزل  مشاهد علي بنور  الذي يقدم  شخصية “داريو”،  ايطالي من صقلية     اختار الاستقرار رفقة زوجته” روزا ” في جزيرة جربة بالجنوب التونسي،   عائلة  متوسطة الامكانيات تعيش من ” نشاف” البحر،   متدينة مسيحية كاتوليكية تستغل عقارا  يملكه الفاتيكان

ما لا نشاهده في الفيلم ان “داريو” تزوج – إستجابة لطلب أمه- من “روزا ” التي تصغره سنا  لدرء فضيحة حملها من شقيقه المافيوزي “غيتانو” ،  على ان يغادر “غيتانو” الجزيرة  نحو نابولي

ولئن حمل الفيلم عنوان “جزيرة الغفران” فاننا لا نرى لا جربة ولا نلمس غفرانا  ، بل إننا نتساءل هل يوجد سبب واحد يبرر تصوير الفيلم في جربة؟ هل شاهدنا جربة في الفيلم؟

الاجابة: لا

وإنتاجيا يمكن القول إن رضا الباهي بعثر أموالا في غير محلها، وربما آثر التصوير في جربة ليتسنى له زيارة المدرسة التي عمل فيها والده معلما .

هل لمسنا الغفران او ما عبر عنه رضا الباهي وهو يقدم فيلمه في القاهرة”  قبول الاخر والتعايش السلمي “؟

لم نر اثرا لذلك ،  بل ان ما قدمه الفيلم هو عكس ذلك تماما،   اذ شاهدنا سعيا محموما  لتغيير ديانة “داريو”  وحمله قسرا الى الجامع ليعلن الشهادتين ؟

فهل يستقيم هذا  مع ثقافة التونسيين عام1952 التاريخ الافتراضي الذي تدور فيه احداث الفيلم؟

تاريخيا،  لا يستقيم طرح رضا الباهي،  لان تدين التونسيين كان الى نهاية الستينات  تدينا صوفيا،  لا دخل للسياسة فيه لا من قريب ولا من بعيد، تدين لا حجاب فيه ولا نقاب ولا  لباس افغاني ، ولم يحدث المنعرج سوى  مطلع السبعينات مع تأسيس الجماعة الاسلامية بعد طلوع البدر للمرة الاولى علينا  بعودة راشد الغنوشي من المشرق ، قبل ان يطلع البدر ثانية بعد 14 جانفي 2011 بعودة الغنوشي ثانية ولكن هذه المرة من بريطانيا

ادرك جيدا ان الفيلم تخييلي وليس توثيقيا ، ولكني اناقش الفيلم بادوات مخرجه نفسه فقد اراده في جربة المعروفة بتعايش المسلمين واليهود، ولم نكد نر يهوديا واحدا في الفيلم ،واقحم المخرج  حدث اغتيال فرحات حشاد اقحاما واعلان جربة الاضراب العام من الغد،  بعد مكالمة هاتفية تلقى فيها “الحاج ابراهيم” –قام بالدور محمد السياري- التعليمات؟

ولكن تعليمات ممن؟

ما  تثبته الوقائع ان مظاهرة شعبية اتجهت يوم الاحد 7ديسمبر 1952من جامع الزيتونة نحو مقر المقيم العام   تم صدها  بالكرتوش الحي، امام الكنيسة القائمة الى اليوم في شارع بورقيبة ،  واعتقل عدد وافر من التونسيين

اما الاضراب العام فقرره انحاد الشغل باغلاق المحلات التجارية بداية من يوم الجمعة واضرب عمال الرصيف  وعطلوا حركة الميناء  وشارك في الاضراب  طلبة المدارس وجامعة الزيتونة والمدرسة الصادقية ،  وفرضت قوات الاستعمار  منع التجول من  الثامنة ليلا  الى السادسة صباحا  في شتاء بارد لم نلمس له اثرا في فيلم الباهي وكأن حشاد إغتيل في صيف قائظ؟

 

  • ما الذي حدث ليخرج الفيلم مقطع الاوصال؟

نسخة الفيلم التي شاهدتها في القاهرة    لا تليق بتاريخ  مخرج في الخامسة والسبعين من عمره،  لعل أفضل أعماله كانت في بداياته ب بفيلم” العتبات الممنوعة”  رفقة الالمعي الحبيب المسروقي الذي مات منتحرا للتخلص من أعباء هذه البلاد، فعلي بنور الذي ورد اسمه الاول في جينيريك  فيلم” جزيرة الغفران”  حذفت جل مشاهده ليتحول”داريو”  الى دور ثانوي بائس لا قيمة له، اما السبب في ذلك فهو ببساطة خلاف بين رضا الباهي منتجا وعلي بنور الذي يملك صفتين في الفيلم، بطله الرئيسي ومنتج مشارك، ولكن ما حدث انه لم يتقاضى مستحقاته من رضا الباهي، ولكن هل هذا سبب يبرر تقطيع اوصال الفيلم وعدم دعوة علي بنور لحضور العرض العالمي الاول للفيلم في القاهرة في ما حضر آل الباهي اناثا وذكورا كبارا وصغارا وحضر منتج سوري امريكي يبدو ان مساهمته لم تتجاوز 10 الاف دولار؟

كيف لمخرج ينجز فيلما عن التسامح وقبول الآخر أن يقصي ممثله الرئيسي من الفيلم ومن أول عرض عالمي ومن حضور مهرجان القاهرة  بسبب خلاف مالي عو المتسبب فيه؟ أي تسامح هذا وأي غفران؟

هل يليق هذا التصرف بمخرج اشتعل راسه شيبا   وهو في النصف الثاني من السبعين، ولعله أول المخرجين  التونسيين من حيث عدد الافلام فضلا عن إدارته لايام قرطاج السينمائية أعرق مهرجانات السينما عربيا وإفريقيا؟

خلاف اخر يبدو انه لن ينتهي قريبا بين رضا الباهي والمنتج المنغذ لفيلمه وهو توفيق قيقة الذي يملك تاريخا في عالم السينما بمرافقته لطارق بن عمار سنوات طويلة وهو ما اتاح له العمل ضمن انتاجات عالمية كبرى، وهو رجل معروف بمهنيته و بدقة مواعيده ووضوح معاملاته ، فقد وجد نفسه ايضا ضحية عدم خلاص مستحقاته من  طرف المنتج رضا الباهي؟

فهل بهذا الاسلوب يدار إنتاج أي فيلم في بلادنا؟

يبقى السؤال ، عند برمجة الفيلم تجاريا في تونس،  من سيتحدث عن الفيلم من بين الممثلين؟

الن يكون الفيلم يتيما ؟ ” قطعة حبل جايبها واد”  ، فانت امام فيلم  ايطالي   محض يتحدث الممثلون فيه بالايطالية ، وفيه ادوار بسيطة او متوسطة لقلة من التونسيين هم علي بنور ومحمد السياري ومحمد علي بن جمعة، فمن من بين هؤلاء سيخصص وقتا لتقديم فيلم   رضا الباهي وأهله؟

إلا أذا كان رضا الباهي يعتزم إحتكار ترويج الفيلم هو  وابنه باديس الذي تحول بقدرة قادر الى بطل الفيلم…

حين يحدث  هذا في فيلم سينمائي،  ندرك لماذا ننهزم امام استراليا ، ولماذا نخسر امام الراس الاخضر،  ولماذا يتحكم مولى الكورة في رقاب  مسؤولين وصحافيين ولاعبين وووووو… ندرك جيدا  لماذا الت البلاد الى ما الت اليه من مؤامرات مصطنعة وسراديب  ليلية ومداهمات لمخازن الشركات  دون تمييز بين القانوني والعشوائي….

انه الانهيار في كل شيء … والصعود  سريعا الى الهاوية …إن لم نهب هبّة رجل واحد للتخلص من هذا الحمل الثقيل الذي يعطل عبورنا الحقيقي نحو غد أفضل

* محمد بوغلاّب، القاهرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.