عنف وعمليات صد وإعادة قسرية عبر الحدود وانتهاكات نفسية وجسدية، جميعها ممارسات تم تفنيدها وتوثيقها من قبل منظمات حقوقية وإنسانية خلال السنوات الماضية. مؤخرا، أصدرت كل من “شبكة مراقبة العنف على الحدود” ومنظمة “لايت هاوس ريبورتس” منشورين منفصلين، وثقا بعضا من تلك العمليات، وذكرا تفاصيل حول انتهاكات تعرض لها مهاجرون على حدود دول أوروبية.
عمليات صد على الحدود وضرب واحتجاز في زنازين قذرة وتجاهل لحقوق المهاجرين بطلب اللجوء وغيرها الكثير من الانتهاكات، جميعا وردت في تحديث لملف معني بمراقبة تلك الممارسات على حدود الاتحاد الأوروبي يعطي صورة قاتمة للوضع هناك والعنف الجسدي والمعنوي الذي تعرض له الكثير من المهاجرين وطالبي اللجوء.
“الكتاب الأسود لعمليات الصد والإبعاد”، وثيقة أصدرتها شبكة “مراقبة العنف على الحدود” عام 2020، وعادت ونشرت تحديثا عليها اليوم الخميس الثامن من ديسمبر، قدمت شهادات لـ 1633 شخصا تعرضوا لعمليات طرد غير قانونية، انعكست آثارها على ما يقرب من 25000 شخص منذ عام 2017.
الشهادات الواردة في الوثيقة (أكثر من ثلاثة آلاف صفحة) قاتمة، شملت أحداثا وقعت في 15 دولة على طول الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، من ضمنها بولندا واليونان وكرواتيا ودول غير أعضاء في الكتلة في غرب البلقان مثل صربيا ومقدونيا الشمالية وألبانيا.
ضرب وحرمان من الطعام ومنع من طلب اللجوء
وغطى “الكتاب الأسود لعمليات الصد والإبعاد” فترة تفشي فيروس كورونا، حيث “لم يكن هناك أحد لتوثيق الارتفاع غير المسبوق في أعمال العنف الوحشية ضد الأشخاص الذين يتنقلون على طول الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي”، والتي شملت قيام حرس الحدود في 13 دولة باتباع “أساليب ردع” شنيعة، مثل الضرب وحلق الرؤوس والتعرية القسرية والاعتداءات الجنسية واستخدام الكلاب وغيرها، حسب ما جاء في الوثيقة.
الحالات التي تحدثت عنها الوثيقة واجهت تلك الانتهاكات في مواقع عدة على حدود الاتحاد الأوروبي، وأحداث معظمها متشابهة إلى حد كبير. إحدى الشهادات التي وردت تعود لمهاجر سوري يبلغ من العمر 36 عاما وابنه البالغ من العمر ثماني سنوات، وصلا إلى قرية نيو تشيمونيو اليونانية، بالقرب من الحدود التركية، في فيفري الماضي . كان الاثنان برفقة مجموعة أخرى من المهاجرين السوريين، وتم إيقافهم جميعا من قبل عناصر يرتدون زيا أخضر.
صادر هؤلاء هواتف المهاجرين، ونقلوهم إلى مبنى حيث أجبر الرجال على نزع السترات والقمصان والسراويل. أولئك الذين لم يفهموا ما يجب عليهم القيام به تعرضوا للصفع، بينما تم تفتيش المرأة في المجموعة من قبل رجل “ظل يلامس جسدها” بحسب الرواية.
لاحقا، نقلوا المجموعة إلى مبنى آخر فيه عدد أكبر من السوريين والأفغان والصوماليين والمغاربة، 58 شخصا في المجموع تتراوح أعمارهم بين 8 و60 عاما. احتُجزوا هناك لمدة أربع ساعات، في غرفة بها مرحاض قذر وسرير بطابقين. بعد ذلك تعرض المهاجرون للضرب قبل أن يتم تحميلهم على متن شاحنة، نقلتهم إلى المنطقة الحدودية مع اليونان لإعادتهم.
خلال فترة الاحتجاز، لم يتم تقديم الطعام أو الماء أو الرعاية الطبية أو إحضار مترجم.
ولدى سؤال المهاجر صاحب الشهادة عما إذا كان قد تمكن من طلب اللجوء، قال إنه لم يتمكن من طلب ذلك، كان يخشى أن يتعرض هو وابنه للضرب.
مراكز احتجاز سرية
توثيق الانتهاكات على حدود الاتحاد الأوروبي بات ممنهجا، مع سعي العديد من المنظمات الحقوقية لكشفها ومساءلة الحكومات الأوروبية ومؤسسات الاتحاد عن مسؤولياتها حيال ما يحدث.
“لايت هاوس ريبورتس”، وهي منظمة حقوقية معنية بتوثيق الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجريون، أصدرت من جهتها أيضا تقريرا عن أحداث “مروعة”، عملت مجموعة من الصحفيين الاستقصائيين على توثيقها.
وفقا للتقرير، تحدث “المئات من الشهود” عن مراكز احتجاز سرية، وضع فيها لاجئون ومهاجرون وحرموا من ممارسة حقهم بطلب اللجوء قبل إجبارهم على العودة.
تقرير المنظمة الحقوقية تحدث عن “انتهاك واضح للقانون الدولي” عند حدود بلغاريا والمجر وكرواتيا، وأثبت “بالدلائل المرئية” احتجاز المهاجرين في هيكل يشبه القفص في بلغاريا، أو تكديسهم لساعات في شاحنات مكتظة في كرواتيا، أو وضعهم في حاويات ومحطات وقود مهجورة في المجر.
التقرير الذي استند إلى جهد استمر طوال الأشهر الـ11 الماضية، قال إن تلك المواقع (بعضها ممول من الاتحاد الأوروبي) يتم تشغيلها على مرأى من عناصر تابعين لوكالة حماية الحدود الأوروبية “فرونتكس”.
وأظهر أنه في بلغاريا، يتم حبس طالبي اللجوء القادمين من تركيا في هيكل صغير يشبه القفص بجوار مركز شرطة حدودي في مدينة سريديتس (جنوب شرق) لفترات تصل إلى ثلاثة أيام. الهيكل يشبه الأقفاص المخصصة للحيوانات، حسب وصف مهاجرين احتجزوا فيه. فرق المنظمة زار الموقع عدة مرات حيث تم تسجيل وجود أشخاص بداخله، فضلا عن تواجد سيارات تحمل علامة “فرونتكس” متوقفة على بعد أمتار قليلة منه.
أما في المجر، فأشارت شهادات المهاجرين إلى عمليات احتجاز في حاويات شحن بدون طعام أو ماء، وتعرضهم للاعتداء برذاذ الفلفل، قبل نقلهم في حافلات عبر الحدود إلى صربيا. كما تمكنت فرق المنظمة من التقاط صور لطالبي لجوء محتجزين، وعمليات صد غير قانونية وإعادة إلى صربيا.
يذهب مراقبون لملف الهجرة في البلقان خصوصا إلى أن تلك الممارسات التي تقع على حدود تلك البلدان، تهدف لترهيب المهاجرين وردع آخرين عن القيام بتلك الرحلة، لكن ألا يتطابق ذلك مع تعريف الأمم المتحدة للتعذيب؟
رد فرونتكس
وردا على ما ورد في التقرير، قالت “فرونتكس” الخميس إنها ستنظر في المزاعم التي وردت فيه.
وأوردت الوكالة التي تتخذ من وارسو مقرا لها لوكالة فرانس برس إن “فرونتكس تتعامل بجدية مع أي تقارير عن انتهاكات مزعومة للحقوق الأساسية”.
وأضافت أنه منذ العام الماضي، سجل مكتبها الحقوقي 10 “حوادث خطيرة، قيل إنها وقعت على الحدود البلغارية التركية. وأشارت إلى أن “إحداها تشير إلى منطقة سريديتس، لكنها لا تتعلق على الإطلاق بظروف مركز حرس الحدود”.
“اضطهاد” المنظمات غير الحكومية
ما سبق يثبت أن عمليات الإعادة والصد عبر الحدود الأوروبية حقيقية، على الرغم من نفي الاتحاد الأوروبي لذلك. تقرير “لايت هاوس ريبورتس” تمكن من متابعة مسارات الأموال التي تلقتها كل من الدول المذكورة آنفا من الاتحاد الأوروبي، وكيف تم استخدامها لتمويل تلك العمليات. قوات حرس الحدود البلغارية استخدمت حوالي 170 ألف يورو في 2017 من أموال الاتحاد لتجديد مركز شرطة سريديتس، حيث يقع “قفص” الاحتجاز. وشرطة الحدود المجرية اشترت في 2017 أيضا شاحنات بقيمة 1.8 مليون يورو من أموال الاتحاد استخدمت في عمليات الإعادة….
فضلا عن انتهاك حقوق المهاجرين، تتحدث المنظمات الإنسانية والحقوقية عن تنامي عمليات تجريم وقمع النشطاء الذين يساعدون المهاجرين.
هوب باركر، المحررة المشاركة للوثيقة التي أصدرتها “شبكة مراقبة العنف على الحدود” وكبيرة محللي السياسات في الشبكة، قالت إنها قررت مغادرة اليونان بعد أن خضعت للمراقبة والاستهداف من قبل الشرطة، وتم التشهير بها في وسائل إعلام موالية للحكومة.
وقالت باركر إن تلك الممارسات بدأت بعد أن نشرت تقريراً عن “إجراءات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لمتابعة قضية أشخاص تقطعت بهم السبل في جزر صغيرة على نهر إيفروس بين اليونان وتركيا. ثم رأينا حملات تشهير ضدنا في وسائل الإعلام تتهمنا بتسهيل الدخول غير القانوني إلى البلاد، وأننا كنا جواسيس أتراك نعمل مع عصابات التهريب في تركيا. كل هذا أدى إلى زيادة قمع الشرطة لأنشطتنا”.