نشرت إدارة الأرشيف والوثائق الوطنية الأمريكية، الخميس 15 ديسمبر 2022، حوالي 13 ألف وثيقة تتعلق باغتيال الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي عام 1963، بحسب شبكة سي إن إن الأمريكية.
إذ ذكرت إدارة الأرشيف، في بيان، أن نسبة المواد التي رفعت عنها السرية في هذه القضية لا تزال أقل من 3% من كافة المواد الموجودة.
البيان أضاف: “عملاً بمذكرة الرئيس جو بايدن يوم 15 ديسمبر/ 2022، نشرت إدارة الأرشيف والوثائق الوطنية الأمريكية اليوم 12879 وثيقة لأول مرة، مصنفة في سجلات عام 1992 المتعلقة باغتيال الرئيس جون كينيدي”.
كما أوضح البيان أن المجموعة الأساسية تضم حوالي 5 ملايين صفحة، منها أكثر من 97% متاحة للعموم.
عدد كبير من الوثائق التي تم الإفراج عنها، الخميس، تخص وكالة المخابرات المركزية، حيث ركز العديد منها على تحركات المسلح لي هارفي أوزوالد، واتصالاته، وحتى ما إذا كان هذا هو حقاً توقيعه على طلب تأشيرة لكوبا، وفقاً لصحيفة واشنطن بوست.
وبحسب شبكة سي إن إن الأمريكية، فإنه من الأهمية التأكد من أن حكومة الولايات المتحدة تزيد الشفافية إلى أقصى حد، من خلال الكشف عن جميع المعلومات الواردة في السجلات المتعلقة بالاغتيال، إلا عندما تشير أقوى الأسباب الممكنة إلى خلاف ذلك.
إلى ذلك، قال بايدن في المذكرة إن لدى الأرشيف الوطني والوكالات الأخرى حتى ماي 2023 لمراجعة الوثائق الخاصة المتبقية، وبعد ذلك، سيتم إصدار “أي معلومات محجوبة من الخطاب العام ولا توصي الوكالات باستمرار التأجيل” قبل 30 ¨.جوان2023
وأثار اغتيال كينيدي طرح العديد من من الأسئلة من قبل الجمهور والباحثين، بل الكثير من نظريات المؤامرة والسرية الانعكاسية من الحكومة.
إذ حذر الباحثون من أنه من المحتمل أن يستغرق الأمر أياماً لتصفح آلاف الوثائق لضمان عدم وجود أدلة جديدة تحيط بالاغتيال أو قطع جديدة من المعلومات التاريخية حول عمليات وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي في الستينيات.
لكن بالنسبة للعديد من المشرعين ودعاة الشفافية، فإن إصدار جميع الوثائق المتبقية يتعلق باستعادة الثقة في عمل الحكومة.
وأظهرت استطلاعات الرأي العامة منذ فترة طويلة أن غالبية الأمريكيين لا يصدقون النتيجة الرسمية للجنة وارن بأن كينيدي قتل على يد رجل واحد وهو لي هارفي أوزوالد.
إذ قال لاري ساباتو، مؤلف كتاب “نصف قرن كينيدي: الرئاسة والاغتيال والإرث الدائم لجون ف.كينيدي”، لشبكة CNN إنه على الرغم من أنه قد تكون هناك بعض الجواهر الخفية خلال إصدار الوثيقة، فلن يكون هناك أي تغيير ما حدث في ذلك اليوم من عام 1963.
وحول الوثائق التي رفع عنها السرية حديثاً أوضح ساباتو: “لن تغير القصة”. “ليست كذلك. أنا أضمن لك”.
كما أضاف أنه إذا كان الناس يبحثون عن دليل لدعم نظريات المؤامرة القائلة بأن أوزوالد لم يتصرف بمفرده في قتل كينيدي، أو أن وكالة المخابرات المركزية متورطة بطريقة ما، فلن يجدوا ذلك هنا.
وقال: “الحقيقة ليست أن أوزوالد كان جزءاً من مؤامرة لقتل كينيدي”. الحقيقة هي أن هذا الاغتيال كان من الممكن منعه وكان يجب منعه إذا كانت وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي يقومان بعملهما. حقاً”.
وقالت وكالة المخابرات المركزية في سلسلة من البيانات يوم الخميس إن العديد من سجلاتها التي تم نشرها في آخر دفعة بعد اغتيال كينيدي “لا تغير السجل التاريخي وليس لها تأثير على الاغتيال أو التحقيق نفسه”.
إذ أوضح متحدث باسم الوكالة: “بالمثل، لسنا على علم بأية وثائق معروفة بأنها مرتبطة مباشرة بـ[لي هارفي أوزوالد] لم تكن بالفعل جزءاً من المجموعة”.
وفي عام 1992، أقر الكونغرس قانون جون إف كينيدي لجمع سجلات الاغتيال، جزئياً بسبب الغضب الناجم عن فيلم أوليفر ستون التآمري “JFK”.
ونص القانون على أنه يجب الكشف عن جميع سجلات الاغتيال علناً بحلول أكتوبر/ 2017، لكن الرئيس السابق دونالد ترامب والآن بايدن سمحا بتأجيلات متعددة بناءً على نصيحة مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية ووكالات الأمن القومي الأخرى.
وُلد في تونس وادَّعى أنَّه دبّر اغتيال جون كينيدي.. كارلوس مارسيلو زعيم المافيا الإيطالي
بالنسبة للكثيرين من سكان مدينة نيو أورليانز، كان كارلوس مارسيلو، رجلاً عادياً يمتلك زورق لاصطياد الجمبري، وبائع طماطم، وجاراً طيباً للكثير منهم، وبالنسبة للسلطات الأمريكية كان مهاجراً غير شرعي، وأحد أخطر زعماء المافيا في أمريكا.
ومنذ بداية 1947، ومن مكتبه الصغير في نزل “Town and Country” كان يدبر صفقات سياسية، ويدير إمبراطورية عقارية بملايين الدولارات، ودخل في مواجهات مع الحكومة الأمريكية، وبالأخص مع عضو الكونغرس، والمدعي العام لاحقاً، روبرت كينيدي شقيق الرئيس الأمريكي جون كينيدي.
وبسبب العداء بين كارلوس مارسيلو وجون كينيدي وروبرت كينيدي، بسبب حملته ضد الجريمة المنظمة، كان يُعتقد أن مارسيلو يقف وراء اغتيال جون كينيدي في عام 1963.
من تونس إلى نيو أورليانز والانضمام إلى المافيا
وُلد كارلوس مارسيلو عام 1910، في مدينة تونس لأبوين من صقلية، ثم هاجر مع عائلته إلى أمريكا، وحصل والداه مع إخوته الصغار على الأوراق الرسمية لكنه لم يحصل عليها والتي ستكون لاحقاً سبباً في مطاردته من قبل الحكومة الأمريكية.
نشأ كارلوس مارسيلو في حي تكثر فيه السرقات والجرائم، وتسيطر عليه المافيا الإيطالية، ومنذ بلوغه سن المراهقة كان كارلوس يدير عصابة صغيرة تتكون منه ومن 2 من أصدقائه.
عام 1929 قبضت الشرطة في مدينة نيو أورليانز على كارلوس مارسيلو وعصابته، بتهمة السطو على بنك، أُسقطت هذه التهم لعدم كفاية الأدلة، لكن في العام التالي تمت إدانتهم بجريمة الاعتداء والسرقة وحُكم عليه بالسجن لمدة 9 سنوات.
كيف أصبح كارلوس مارسيلو زعيم المافيا في نيو أورليانز
عام 1935، كانت ألعاب القمار لا تزال محظورة وغير قانونية في العديد من الولايات الأمريكية، وبسبب حملة كبيرة قادها عمدة مدينة نيويورك، قرر زعيم المافيا والجريمة المنظمة في مدينة نيويورك فرانك كوستيلو التخلص من إمبراطورية القمار التي كان يديرها.
لكن ما كان يعتبر خسارة لفرانك كوستيلو، رآه السيناتور والحاكم السابق للويزيانا “هيوي لونغ”، فرصة ذهبية للحصول على الكثير من الأموال، بالتحايل على القانون وإدارة أماكن للمقامرة السرية في المدينة.
وكان كل ما تحتاجه تلك الخطة رجلاً من المافيا في نيو أورليانز، يثق به فرانك كوستيلو، ليسلمه إدارة تلك العملية، فكان كارلوس مارسيلو هو الرجل المناسب لتلك المهمة، لكنه كان في السجن.
ولم يكن ذلك يمثل مشكلة لكوستيلو، الذي كان بارعاً في التلاعب السياسي، فدفع أحد المشرعين المحليين لزيارة حاكم الولاية، الذي أفرج عن كارلوس مارسيلو وأصدر عفواً كاملاً عنه بعد 5 سنوات فقط في السجن، وذلك وفقاً لموقع Bayou Brief.
ومنذ ذلك الوقت أصبح مارسيلو، يدير نشاطات المافيا في المئات من ماكينات قمار كوستيلو في المدينة. وأقام مارسيلو علاقات ونفوذاً سياسياً من خلال دفع الرشى للسياسيين ورجال الشرطة في أنحاء الولاية.
وخلال عقد من إدارة صالات القمار وجمع الأرباح بطرق كثيرة، توجه مارسيلو لبناء إمبراطورية من العقارات والشركات وأسطول من قوارب الصيد، وفي سن 37 عاماً كان كارلوس مارسيلو زعيم المافيا بلا منازع في نيو أورليانز.
العداء بين كارلوس مارسيلو وجون كينيدي وشقيقه
في عام 1959 كان جون كينيدي عضواً في لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي التي تحقق في نشاطات الجريمة المنظمة وكان وشقيقه روبرت كينيدي مستشاراً قانونياً، تم استدعاء كارلوس مارسيلو للإدلاء بشهادته أمام اللجنة، لكنه استغل الدستور الأمريكي الذي يمنحه الحق بعدم التحدث خوفاً من إدانة نفسه، ورفض الإدلاء بشهادته.
وبمجرد أن أصبح جون كينيدي رئيساً لأمريكا، في عام 1961 عين شقيقه روبرت في منصب المدعي العام، ومعاً شنا حملة ضد الجريمة المنظمة في أمريكا، ولأن كارلوس مارسيلو طوال فترة إقامته في أمريكا، لم يقدم طلب الحصول على الجنسية، تم ترحيله إلى غواتيمالا باعتباره أجنبياً غير مرغوب فيه.
لكنه تسلل لأمريكا مرة أخرى على متن أحد قوارب الصيد التي يمتلكها، وأُلقي القبض عليه مرة أخرى، وهذه المرة وجهت له تهم متعددة، مثل الدخول غير الشرعي لأمريكا والتهرب الضريبي والحنث باليمين، ما جعل مارسيلو يغتاظ من جون كينيدي وشقيقه، وبحسب بعض الشهود أطلق عدة تهديدات ضدهما.
علاقة كارلوس مارسيلو والمافيا في عملية اغتيال جون كينيدي
أفاد المخبرون السريون بأن مارسيلو وجه عدة تهديدات ضد جون إف كينيدي، وأنه قال: “إن الكلب سيستمر في عضك إذا قطعت ذيله، بينما إذا قطعت رأس الكلب، فسوف يتوقف ذلك عن التسبب في المتاعب لك”.
وقصد بالذيل روبرت كينيدي ورأس الكلب الرئيس الأمريكي جون كينيدي، وذكر الشهود أيضاً أن مارسيلو “صرح بوضوح بأنه سيرتب لقتل الرئيس كينيدي بطريقة ما”، وقال مارسيلو لمخبر آخر إنه سيحتاج إلى الحصول على “تأمين” على الاغتيال من خلال “إعداد جوزة لتحمل اللوم”.
كما أن “جاك روبي” الشخص الذي قتل لي “هارفي أوزوالد” الشخص المتهم بقتل جون كينيدي بعد 3 أيام من القبض عليه وقبل اعترافه بأي شيء، كان عضواً في مافيا مارسيلو. كما أن عم “هارفي أوزوالد”، كان يعيش في نيو أورليانز، وكان شريكاً معروفاً في مافيا مارسيلو.
كان هناك الكثير من الأدلة الظرفية التي تربط كارلوس مارسيلو باغتيال الرئيس جون كينيدي؛ إذ أدرج تقرير اللجنة المختارة من مجلس النواب الأمريكي بشأن الاغتيالات محادثة تعود لعام 1962 بين مارسيلو وشريكه في الأعمال إدوارد بيكر قال مارسيلو خلالها: “لا تقلق بشأن ابن العاهرة الصغير ذلك بوبي.. سيتم الاعتناء به”.
لكن بعد تحقيقات مكثفة وجدت اللجنة أن كارلوس مارسيلو كان مرتبطاً بشكل عَرَضي بدالاس، ولا دليل قوي على علاقته بعملية اغتيال جون كينيدي.
وخلص التقرير إلى نتيجة “أنَّ مارسيلو كان لديه الدافع والأدوات والفرصة لاغتيال الرئيس جون كينيدي، ولو أنَّها لم تتمكن من إثبات وجود دليل مباشر على تواطؤ مارسيلو”.
طاردت الحكومة مارسيلو لمدة 40 عاماً. وفي عام 1982، وهو بسن 72 عاماً، وبمساعدة مخبر متعاون، حُكِمَ على مارسيلو بالسجن 7 سنوات لمحاولته رشوة مسؤولين للحصول على عقود تأمين حكومية. وتلقَّى حكماً بالسجن عشر سنوات أخرى في قضية رشوة بكاليفورنيا، على أن يُنفَّذ الحكمان على التوالي.
ووفقاً لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية، أُلغيَت إدانة مارسيلو في عام 1989 وجرى إطلاق سراحه لحسن السير والسلوك. وتوفي مارسيلو في نيو أورليانز عام 1993، ولم يجرِ ترحيله من البلاد مجدداً قط.
ونشر المحامي فرانك راغانو كتاباً بعنوان “Mob Lawyer” (محامي العصابات) يتحدث فيه عن الفترة التي قضاها في تمثيل مارسيلو وصديقه، زعيم إحدى العصابات في فلوريدا سانتو ترافيكانتي، لمدة 30 عاماً. ووفقاً للكتاب، قدَّم ترافيكانتي اعترافاً واضحاً على فراش الموت قبل أربعة أيام فقط من وفاته عام 1987، قال فيه: “لقد أفسد كارلوس الأمر.. ما كان يجب أن نقتل جون.. كان يجب أن نقتل بوبي”.