بعد “حملة باهتة”.. التونسيون يتوجهون إلى مكاتب التصويت لانتخاب برلمان جديد منزوع الصلاحيات
بدأ التونسيون صباح السبت، التوافد على صناديق الاقتراع، لانتخاب أعضاء البرلمان، في الانتخابات التشريعية الأولى من نوعها في ظل الدستور الجديد.
وبعد حملة انتخابية استمرت ثلاثة أسابيع، فتحت مراكز الاقتراع أبوابها صباح اليوم، حيث يصوت التونسيون، على 1055 مرشح للفوز بمقعد في المجلس النيابي، المكون من 161 مقعدا، بحسب القانون الانتخابي الجديد، الذي اعتمد نمط التصويت الفردي بدل القوائم الحزبية، وأقر تقسيما ترابيا جديدا يقوم على دوائر انتخابية عوض الولايات.
“حملة باهتة”
وبدت الحملة الانتخابية التي استمرت ثلاثة أسابيع” باهتة”، وكان ظهور المرشحين خلالها محدودا ومن دون أن يطغى عليها أي طابع تنافسي، كما غاب عنها السجال الانتخابي في وسائل الاعلام، بحسب فرانس برس.
وتعد الانتخابات التي تتزامن مع الذكرى الـ12 لاندلاع الثورة التونسية، الخطوة الأخيرة، في مسار “خارطة الطريق” التي دشنها الرئيس التونسي، قيس سعيد السنة الماضية، للخروج مما يصفه بـ”مرحلة الاستثناء”.
وأقر سعيد منذ 25 جويلية 2021، مجموعة من التدابير الاستثنائية، بدأها بإقالة حكومة هشام المشيشي، وتعويضها بأخرى وحل مجلسي القضاء والبرلمان ثم وضع دستور جديد، قبل الإعلان عن تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة، ولقيت هذه القرارات انتقادات واسعة طرف المعارضة التي تعتبرها “انقلابا على ثورة الياسمين”.
وتتهم المعارضة ومنظمات حقوقية، الرئيس التونسي بإقرار دستور مفصل على مقاسه وبممارسة تصفية حسابات سياسية ضد معارضيه عبر توظيف مؤسسات الدولة والقضاء، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.
“يوم تاريخي”
وتجري الانتخابات، وسط إجراءات أمنية مشددة بحسب صحف محلية، كما تعرف دعوات واسعة للمقاطعة، احتجاجا على المسار الدستوري الذي تشهده البلاد.
بالمقابل، حث الرئيس التونسي قيس سعيد، التونسيين على التوجه الى صناديق الاقتراع للتصويت في الانتخابات التشريعية .
وقال سعيد بعد الإدلاء بصوته في أحد مكاتب الاقتراع، متوجها بكلامه إلى الناخبين “فرصتكم التاريخية حتى تستردوا حقوقكم المشروعة سنصنع تاريخا جديدا لبلادنا، وليعلم الذين سيتم انتخابهم اليوم أنهم سيبقون تحت رقابة ناخبيهم فإذا تنكروا لهم فوكالتهم ستسحب”.
وأضاف سعيد بحسب مراسل قناة الحرة بتونس: “يجب أن نقطع مع من خربوا البلاد ونصبوا أنفسهم أولياء بطريقة انتخاب بائدة كما أثبت التاريخ ذلك”.
واعتبر الرئيس التونسي، أن “هذا يوم تاريخي بكل المقاييس تمكنا فيه من تنظيم الانتخابات، بالرغم من كل العقبات، محذرا مما وصفهم بـ”المشككين الذي لبسوا أقنعة واندسوا في صفوف التونسيين”.
“مستقلون ومقاطعون”
وينص القانون الانتخابي الجديد على نظام الاقتراع الفردي ويحل محل انتخاب اللوائح، ما يضعف من مشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات، وقد نتج عن ذلك ترشح شخصيات غير معروفة غالبيتها مستقلة دون انتماءات سياسية، بالإضافة إلى أحزاب “لينتصر الشعب” وحركة الشعب وحراك 25 جويلية وحركة “تونس إلى الأمام”.
ووفقا “للمرصد التونسي للانتقال الديمقراطي”، فإن نصف المرشحين أساتذة (نحو 26 في المئة) وموظفون حكوميون ذوو مستوى متوسط (نحو 22 في المئة).
وحصل كل المرشحين على أكثر من 400 ألف توقيع تأييد، لكن أرقام المشاركة في الاستفتاء السابق حول التعديل الدستوري، تشي بتراجع اهتمام التونسيين بالانتخابات ولا سيما بعد ما يصفه الرئيس سعيد بـ “الإصلاحات”.
وكان البرلمان السابق معززا بصلاحيات حكم فعلية وواسعة، بينما سيكون البرلمان المقبل مجردا منها، بموجب الدستور الجديد الذي أقره الرئيس وتم إقراره إثر استفتاء شعبي لم يحظ بمشاركة واسعة، في 25 جويلية الماضي
وأعلن 12 حزبا عن مقاطعة الانتخابات، وهي أحزاب النهضة وقلب تونس، وائتلاف الكرامة، وحراك تونس الإرادة، والأمل، والجمهوري، والعمال، والقطب، والتيار الديمقراطي، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والدستوري الحر، وآفاق تونس.
وجددت حركة النهضة التونسية، موقفها بمقاطعة الانتخابات، مشيرة إلى أن هذه “الانتخابات التشريعية تشكل خطرا على مؤسسات الدولة، في ظل برلمان منزوع الصلاحيات وفاقد للشرعية”، بحسب موقع “بلادي ميديا“.
من جانبها، قررت منظمة “بوصلة” التي تراقب النشاط البرلماني في البلاد منذ 2011، عدم مواصلة عملها الرقابي على البرلمان مبررة قرارها برفضها، أن تكون “شاهد زور على برلمان كرتوني”.
وقالت هذه المنظمة غير الحكومية، إنها لا تريد “إضفاء الشرعية على هيئة وهمية يتم إنشاؤها فقط لدعم توجيهات الرئيس”، بحسب فرانس برس.
وتبدو هذه الانتخابات مفصلية بالنظر إلى الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي في تونس، حيث تعاني البلاد من صعوبات اقتصادية منذ ثورة 2011، تفاقمت بسبب جائحة كوفيد مع تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة.
وأعلنت تونس، التي تتجاوز ديونها 100 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مؤخرا توصلها إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد الأسبوع المقبل، غير أن المؤسسة المالية الدولية، أرجأت منح هذا القرض إلى مطلع العام القادم ، بطلب من الحكومة التونسية، على ما أفادت مصادر وكالة فرانس برس.
ويتوقع أن يعلن عن النتائج الأولية للانتخابات، خلال اليومين القادمين، على أن تصدر النتائج النهائية في 19 جانفي من العام المقبل، بعد البت في الطعون.
9 ملايين ناخب
وسيتوجّه نحو 9 ملايين و200 ألف ناخب تونسي داخل البلاد لاختيار نوابهم في 11 ألفاً و485 مكتب اقتراع.
جاء ذلك في كلمة رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر، خلال افتتاح المركز الإعلامي الخاص بالانتخابات التشريعية في قصر المؤتمرات بالعاصمة التونسية، قال فيها إن “حوالي ربع الناخبين تم تسجيلهم بصفة آلية”.
وقال بوعسكر إن “الناخبين ينقسمون إلى 50.8% من النساء و49.2% من الرجال”، وذكر أن “الشباب (بين 18 و45 سنة) يمثلون 55% من الجسم الانتخابي”.
وبخصوص مكاتب الاقتراع، قال بوعسكر، إن “هناك 11 ألفاً و485 مكتب اقتراع داخل تونس وخارجها على ذمة الناخبين، في 4 آلاف و692 مركز اقتراع داخل تونس وخارجها”.
وبالنسبة للخارج، أوضح أن الانتخابات تُجرى في دوائر إيطاليا و”فرنسا2″ و”فرنسا3″ في 175 مكتباً بـ141 مركز اقتراع.
البرلمان الأوروبي يقاطع مراقبة الانتخابات
على جانب آخر، قرر البرلمان الأوروبي مقاطعة مراقبة الانتخابات التونسية، فيما وصل وفد روسيّ إلى البلاد للمشاركة في مراقبة الانتخابات.
وقال البرلمان الأوروبي في بيان: “لن نراقب هذه العملية الانتخابية، ومن ثم لن نعلق عليها، ولا على نتائجها”، وأوضح البرلمان أنه لم يفوض أياً من أعضائه لمراقبة هذه العملية الانتخابية أو التعليق عليها نيابة عنه.
وسبق للبرلمان الأوروبي أن قاطع الاستفتاء الشعبي الذي دعا له الرئيس التونسي قيس سعيّد، في جويلية الماضي، للتصويت على دستور جديد.