احتجاجات مناهضة للرئيس التونسي.. “أولويات شعبية” ومخاوف من التصعيد
تشهد تونس احتجاجات مناهضة لسياسات الرئيس التونسي، قيس سعيد، بعد تنظيم الاتحاد العام للشغل، السبت، احتجاجا شارك فيه الآلاف، وفي ظل دعوة المعارضة لاحتجاج مماثل، الأحد، بينما يتحدث خبراء لموقع “الحرة” عن أسباب تلك التحركات وأهدافها وتداعياتها على البلد الذي يشهد أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة.
اتحاد الشغل يحتشد ضد الرئيس
السبت، حشد الاتحاد العام التونسي للشغل، الآلاف من أنصاره في تظاهرة مناهضة للرئيس قيس سعيد، وفي استعراض لقوته بعد إجراءات اتخذتها السلطات بحق المعارضين في الآونة الأخيرة.
وامتلأ شارع الحبيب بورقيبة بعدة آلاف من المحتجين الذين رفعوا لافتات كُتب عليها “لا للحكم الفردي” ورددوا هتاف “حريات حريات دولة البوليس وفات (انتهت)”.
وقال الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، في خطاب ألقاه خلال التظاهرة “كنا نتمنى أن نستمع إلى خطاب الطمأنينة.. نحن دعاة نضال سلمي ومدني وحوار، سلاحنا الحجة ولسنا دعاة عنف”.
وفي تعليقه على حملة اعتقالات يشنها القضاء التونسي في حق معارضين ونقابيين في الفترة الأخيرة، أكد الطبوبي “لن نقبل بهذه الممارسات والاعتقالات”.
وأضاف “أحيي الحقوقيين والسياسيين في سجن المرناقية” في إشارة للمعتقلين في الآونة الأخيرة، حسب “رويترز”.
وتابع “لا لخطاب العنف والترهيب وتصفية الحسابات، هناك من يشيطن الاتحاد ويزايد عليه، ونحن آخر قلعة بقيت في البلاد من القوى الصامدة من مكونات المجتمع المدني، فلنكن صامدين”.
وجاء مسيرة الاتحاد بعد أسابيع من اعتقالات استهدفت معارضين بارزين لسعيد في أول إجراءات كبيرة منذ انفراده بمعظم السلطات في عام 2021 حيث حل البرلمان وتحول إلى الحكم بإصدار المراسيم.
ووصفت “رويترز”، التظاهرات التي نظمها اتحاد الشغل، بأنها “أكبر احتجاج” مناهض لقيس سعيد حتى الآن.
وينفي الكاتب والمحلل السياسي، باسل ترجمان، كون الاحتجاج “محتشد”، ويقول إن المشاركين لم يتجاوزوا 3 آلاف شخص.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يشير إلى أن قيادات اتحاد الشغل “محبطة” جراء غياب عدد كبير من أنصار الاتحاد عن الاحتجاج، واصفا التظاهرة بـ”الفاشلة”.
ويتحدث الكاتب والمحلل السياسي التونسي، برهان العجلاني، عن “خلافات غير جوهرية”، بين قيادة الاتحاد العام للشغل وبين قيس سعيد، حول “المساحات والمجالات الممكنة للتحرك” فيما يخص الشأن العام في البلاد.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يقول إن الاتحاد يعتبر أن دوره ليس نقابيا فقط وأن من حقه المساهمة في التصورات والرؤى الخاصة بالشأن العام التونسي، بينما يعتبر الرئيس أن “صلاحيات الاتحاد” نقابية وتتعلق بالمشاكل القطاعية دون غيرها.
وعن الخلافات بين الاتحاد والرئيس، يشير إلى أنها تتمحور حول “السياسات الحكومية المتعلقة القطاع العام وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية والتفريط في بعض القطاعات لصالح القطاع الخاص”.
ويعتبر الاتحاد العام للشغل نفسه في معركة “مصيرية” لأن التفريط في القطاعات والمؤسسات العامة يمس “وجود المنظمة”، وفقا لحديث العجلاني.
ودخل الاتحاد في صدام حاد مع الرئيس سعيد منذ أن تم توقيف أحد قياديه والتحقيق معه في يناير إثر إضراب في قطاع الطرقات السريعة اعتبره الرئيس “ذا مآرب سياسية”، وفقا لـ”فرانس برس”.
والشهر الماضي، تم اعتقال مسؤول كبير في الاتحاد لأنه نظم إضراب في محطات تحصيل الرسوم على الطرق السريعة، مما دفع صحيفة الاتحاد العام التونسي للشغل إلى القول إن “سعيد أعلن الحرب على الاتحاد وأعضائه البالغ عددهم مليون عضو”، حسب رويترز.
ونظّم الاتحاد إثر ذلك سلسلة تظاهرات داخل محافظات البلاد شارك فيها نقابيون من أوروبا، ومنعت السلطات التونسية ورحلت عددا من هؤلاء.
والأسبوع الماضي، منعت السلطات التونسية قادة النقابات العمالية الأجنبية من دخول تونس للمشاركة في المسيرة تعبيرا عن التضامن مع اتحاد الشغل، وقال سعيد إنه لا يقبل بانضمام الأجانب إلى الاحتجاجات.
ماذا عن جبهة الخلاص؟
دعت جبهة الخلاص الوطني في تونس، وهي ائتلاف معارضة رئيسي يضم نشطاء وأحزاب على رأسها “حزب النهضة”، لتنظم مظاهرة كبرى، الأحد، احتجاجا على حملة اعتقالات شملت سياسيين بارزين من بينهم قيادات من الجبهة.
وأعلنت عن تنظيم التظاهرة “تنديدا بالاعتقالات السياسية والانتهاكات الجسيمة للحريات العامة”.
وسُجن قادة من الجبهة من بين معارضين بارزين للرئيس قيس سعيد الشهر المنصرم بتهم تقول المعارضة إن لها دوافع سياسية، بينما قال قيس سعيد إن هؤلاء متورطون في التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء نقص السلع الغذائية في البلد.
ويلاحق القضاء التونسي نحو عشرين معارضا من الصف الأول للرئيس قيس سعيّد وإعلاميين ورجال أعمال، بينهم القيادي في “جبهة الخلاص الوطني” جوهر بن مبارك ورجل الأعمال كمال اللطيف والوزير السابق لزهر العكرمي والناشط السياسي خيام التركي ومدير الاذاعة الخاصة “موزاييك اف ام” نور الدين بوطار، وفقا لـ”فرانس برس”.
والخميس، ذكرت وسائل إعلام تونسية، أنه تم توقيف عضوين آخرين في حركة النهضة هما الصادق شورو وحبيب اللوز.
وفي بيان، قال والي تونس، إنه سيرفض التصريح بإقامة احتجاج، الأحد، بسبب “شبهات ضد قادة جبهة الخلاص”، لكن الجبهة قالت، الخميس، إنها ستنظم الاحتجاج متحدية رفض السلطات السماح لها بتنظيمه.
ومساء الخميس، قالت حركة النهضة، إن التوقيفات تهدف إلى “بث الرعب” ودعت التونسيين إلى “التظاهر السلمي بقوة”، الأحد.
ويشير القيادي بجبهة الخلاص الوطني، سمير ديلو، إلى أن “السلطة في تونس تستهدف جميع خصومها سواء كانوا سياسيين أو من مكونات للمجتمع المدني أو المكون الرئيسي للحركة العمالية والنقابية المتمثل في الاتحاد العام للشغل”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يرى أن السلطة تستهدف هؤلاء جميعا من خلال “المحاكمات والتضييق على النشاط وعدم السماح بممارسة الحقوق الدستورية في التجمهر والتظاهر والتعبير عن الرأي بعد الانقلاب”، مستشهدا بمنع السلطات لاحتجاجات جبهة الخلاص المزمعة، الأحد.
التقاء بين اتحاد الشغل وجبهة الخلاص؟
في 25 جويلية 2021، أعلن سعيد تجميد أعمال البرلمان وحله لاحقا وتولي السلطات في البلاد.
ويقول معارضو الرئيس التونسي، إن الأمر أصبح أوضح من أي وقت مضى فسعيد فكك الديمقراطية التي جلبتها ثورة 2011 التي أطلقت شرارة الربيع العربي وسيقضي على الحريات التي تحققت بفضلها.
لكن على جانب آخر، يقول سعيد إن تصرفاته قانونية وضرورية لإنقاذ تونس من الفوضى ولا تعد انقلابا.
واتسمت انتقادات الاتحاد العام التونسي للشغل لخطوات سعيد بالبطء في بادئ الأمر، بينما وصفتها الأحزاب السياسية بالانقلاب لكن الاتحاد ذا النفوذ بدأ في معارضة الرئيس بوضوح مع إحكام سعيد قبضته وتجاهله للاتحاد ولاعبين آخرين، حسب “رويترز”.
ويرى الترجمان أن قيادات اتحاد الشغل “وضعت نفسها في صف مجموعة ما قبل 25 جويلية ” المعارضة لقيس سعيد، مستشهدا بتصريحات الأمين العام لاتحاد حول “تحية الموقوفين”.
ويشير إلى أن اتحاد الشغل كان “شريكا” لحكومة حركة النهضة، معتبرا أن الاتحاد يتحالف حاليا مع جبهة الخلاص ضد قيس سعيد.
لكن على جانب آخر، يؤكد برهان العجلاني عدم وجود “خلاف جوهري” بين الاتحاد وبين السلطة في تونس حول مسار التغيير وإعادة بناء الدولة، ويتوقع “تسوية نقاط الاختلاف” بين الجانبين خلال المرحلة القادمة.
ويرى العجلاني أن اتحاد الشغل مؤيد لمسار 25 جويلية 2021، نافيا وجود “تحالف بين الاتحاد وجبهة الخلاص”.
من جانبه يؤكد ديلو عدم وجود “تنسيق بين جبهة الخلاص واتحاد الشغل” حول التحركات في الشارع، ويقول “لا يوجد التقاء في الموقع لكن هناك تقارب في الموقف” بعدما طال القمع “الجميع”، على حد تعبيره.
هل يحدث تصعيد في الشارع؟
يرى ديلو أن الوضع في تونس يتدحرج نحو الصدام بين المتظاهرين في الشارع والسلطة، ويقول “نتمنى أن يكون صداما سياسيا مدنيا سلميا لا يوجد به عنف”.
ويتوقع أن تلجأ السلطات التونسية لاستخدام العنف ضد “تظاهرة جبهة الخلاص”، متحدثا عن إمكانية وقوع “عمليات توقيف جديدة تجاه المتظاهرين وأعضاء من الجبهة”.
لكن الترجمان يستعبد إمكانية حدوث “تصعيد في الشارع”، ويشير إلى أن “جبهة الخلاص” غير قادرة على حشد المتظاهرين بعدما فقد الشارع التونسي الثقة بقياداتها، مرجعا ذلك إلى مسؤولية حركة النهضة عن “الكوارث” التي لحقت بتونس خلال السنوات الماضية، على حد قوله.
ويرى أن حديث جبهة الخلاص واتحاد الشغل عن “حشد المتظاهرين” مجرد “استعراض إعلامي”، مشيرا إلى أن “الشارع التونسي” غير متهم بتلك التحركات.
ويقول إن “قيس سعيد يتمتع بشعبية مطلقة في الشارع التونسي لأنه يتصدى للفساد والفاسدين في البلاد ومحاسبة من تورط في ذلك”.
من جانبه يشير العجلاني إلى أن “الشارع التونسي” غير متهم بالتحركات السياسية لأنه يبحث عن “تحسين أوضاعه الاقتصادية” قبل أي شيئا آخر.
أولويات شعبية؟
تعاني تونس أزمة مالية وتجد صعوبة في توفير السلع الأساسية مثل الطاقة والغذاء وسط أزمة اجتماعية وسياسية متنامية في البلاد.
وارتفعت مديونية تونس بنسبة أكثر من 80 بالمئة من إجمالي ناتجها الداخلي.
وتوصلت تونس إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي في منتصف أكتوبر على قرض جديد بقيمة حوالي ملياري دولار لمساعدتها في مواجهة الأزمة الاقتصادية، لكن القرض الذي كان من المقرر صرفه على أقساط اعتبارا من ديسمبر، لم يحظ بعد بموافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي.
ويستشهد العجلاني بالوقائع السابقة، ويؤكد أن الأولوية بالنسبة للمواطن التونسي “اقتصادية” أكثر من كونها “سياسية”.
ويتفق ديلو مع الطرح السابق، ويؤكد أن الأولوية بالنسبة للمواطن التونسي البسيط هي “رغيف الخبز “، لكن يري أن الرفض الشعبي للطبقة السياسية “مؤقت”.
ويشير إلى أن الشعب الذي يغلب الاهتمام بـ”قوت يومه على الحرية، سوف يسخرهما معا”.
ويقول “طاقة تحمل الشعب التونسي قد تكون كبيرة لكنها في الأخير تبقى محدودة، والصامت اليوم قد يتكلم غدا”، على حد تعبيره.