بعد موجة العنف ضدهم في تونس – غضب في أوطان المهاجرين الأفارقة
إبراهيم ديالو سعيد بالعودة إلى كوناكري. لم يعد يشعر بالأمان في تونس. ويقول “عندما ألقى الرئيس خطابه العنصري الملئ بالكراهية ضد المهاجرين الأفارقة، بدأ السكان يتدخلون ويهاجمون السود، وبالأخص النساء“. ويدعي إبراهم ديالو أنه كان بنفسه شاهداً على مثل هذه الهجمات ويقول: “اقتحم عرب غرفهن واغتصبوا الفتيات”. وتابع: “سرقوا ممتلكاتهن دون أن تقول السلطات كلمة واحدة”.
لا يمكن تأكيد هذه الادعاءات بشكل مستقل. لكن DW تحدثت إلى العديد من المتضررين الذين أرادوا مغادرة تونس لأنهم تعرضوا للعنف والعنصرية.
غينيا كانت أول دولة أعادت أكثر من 40 شخصا إلى كوناكري على متن طائرة خاصة. وكان في استقبالهم في المطار، رئيس المجلس العسكري، مامادي دومبوي، برفقة وزير خارجيته. ووصف دومبوي الأحداث في تونس بـ”غير المقبولة وغير العادية” وقال: “نحن أفارقة ونقف إلى جانب بعضنا البعض”. وتابع: “أفريقيا قارة لا يمكن تقسيمها”.
في مالي أيضاَ هبطت أول رحلة جوية من تونس، كان على متنها 135 مالياً. ومن بين هؤلاء كوروتومي دياكيتي: “كانت لدينا مشاكل كبيرة مع الشرطة و كذلك مع السكان. تعرض الطلاب للهجوم من دون سبب. وتم إلقاء القبض علينا لمجرد كوننا من السود”.
خطاب الكراهية العنصري يغذي العنف
شكل خطاب الرئيس التونسي، قيس سعيد في21 فيفري الماضي، نقطة بداية اندلاع هذا العنف ضد الأفارقة في تونس. خطاب وصفه الاتحاد الأفريقي بأنه “خطاب كراهية عنصري” وأدانه بأشد العبارات الممكنة. كما أعربت منظمات حقوق الإنسان عن قلقها. وتحدث سعيد عن “جحافل من المهاجرين غير الشرعيين” وأن المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء تسببوا في زيادة معدل الجريمة بالبلاد. بالإضافة إلى اتهامهم بتغيير الهيكل السكاني للبلاد، مما أدى إلى تأجيج المشاعر المعادية للمهاجرين.
ازدادت التقارير عن الهجمات على الأفارقة في تونس وحملات الكراهية على الإنترنت من قبل القوميين اليمينيين منذ أسابيع. كما اعتقلت قوات الأمن عدداً غير مسبوق من المهاجرين منذ بداية فبراير/ شباط، بحسب منظمة “محامون بلا حدود” (ASF).
وبالنسبة لمحمدو دياريسو، كانت إقامته في تونس مجرد محطة توقف، فقد أراد التوجه إلى إيطاليا. يقيم المالي في تونس العاصمة منذ 2021، ويعمل على تحقيق هدفه في الوصول إلى أوروبا. تأثر هو الآخر بالاعتداءات العنيفة على المهاجرين السود واضطر إلى مغادرة شقته. وقال لـ DW في باماكو: “نمت في الشارع في تونس العاصمة لمدة أسبوعين قبل إعادتنا إلى الوطن”.
وقال دياريسو إن الجو كان ماطراً وشديد البرودة في تونس. ولأن صاحب المنزل كان خائفًا من أن يأتي شباب و”يحرقون كل شيء”، فقام بطُردنا. وتابع بمرارة: “سرقوا أغراضنا هناك ووصلنا إلى هنا بحقيبة ظهر بسيطة بها حذاء فقط”.
حشد أمام السفارة
قبل أسبوع تكدس كثيرون أمام سفارة ساحل العاج في تونس. جميعهم لديهم هدف واحد وهو مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن. ووفق تقارير إعلامية، فقد تلقت سفارة ساحل العاج في تونس 1500 طلب للعودة.
سالي هي الأخرى، لجأت إلى البرد و افتراش أرضية السفارة مع طفلها البالغ من العمر عامين، لأنه تم طردها من شقتها أيضاً. وقالت سالي لـ DW إن “صاحب المنزل قال لهم إن الدولة التونسية منعت بقاء الأفارقة ذوي البشرة السمراء لدى أي شخص تونسي”.
“ظاهرة اجتماعية اشتدّت بخطاب الرئيس”
من وجهة نظر سعدية مصباح، رئيسة جمعية “منامتي”، وهي جمعية تناضل ضد التمييز العنصري، فإن موجة الكراهية هذه ليست بالجديدة كما أن العنصرية التي تصب في هذا الاتجاه موجودة بالفعل، بحسب ما صرحت مصباح لـ DW: “ليس كل التونسيين عنصريين، هذا واضح. لكن الآن اشتدت الموجة لأن الرئيس أعطى الضوء الأخضر بعد تصريحاته”.
وبحسب مصباح يتم استهداف أفارقة جنوب الصحراء لأن هذه الفئة الأكثر ضعفاً بين السكان. بالتأكيد هناك بعض التجاوزات، منها أن العديد من الأشخاص دخلوا البلاد بشكل غير قانوني. بالإضافة إلى مشاكل اقتصادية أخرى.
وأشارت سعدية مصباح إلى المشاكل مع صندوق النقد الدولي والأزمة الداخلية بين النقابات التونسية. “كل هذا جعلنا أمام أزمة لم تشهدها تونس من قبل”. وترى الناشطة الحقوقية أن هناك أشياء كثيرة تداخلت في هذه المشكلة من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن استبعاد محاولة الحكومة التونسية إخفاء إخفاقات الإصلاحات الاقتصادية والسياسية بهذه الطريقة.
تستهدف السياسة القمعية بشكل خاص منتقدي الرئيس سعيد وشخصيات معارضة، والآن يتم بشكل متزايد استهداف المهاجرين وثلثهم تقريبا يأتون من أفريقيا جنوبي الصحراء. وأغلب هؤلاء من كوت ديفوار، تليها جمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا ومالي. وهو ما توصلت إليه دراسة أجرتها المنظمة الدولية للهجرة (IOM) من عام 2021 وشارك فيها المعهد الوطني للإحصاء في تونس. ووفق البيانات، فقد تم تسجيل 21 ألف مهاجر، لكن عدد الحالات التي لم يتم الإبلاغ عنها أعلى بكثير.
احتجاج ضد “مطاردة السود”
لكن هناك أيضًا تضامن مع المهاجرين في تونس، فقد خرج الناس في تونس مرارًا إلى الشوارع ضد نهج كراهية الأجانب، ولكن أيضًا ضد الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد، آخرها في نهاية الأسبوع الماضي.
وفي بلدان المهاجرين، تتزايد الاحتجاجات، على سبيل المثال في السنغال. وقدم غيه ماريوس ساجنا، وهو سياسي معارض ورئيس الحركة المناهضة للإمبريالية (Frapp France Dégage)، خطاب احتجاج ضد “مطاردة السود في تونس” في السفارة التونسية في داكار – لكن تم منع الاعتصام أمام السفارة . وقال ساجنا لـ DW: “إذا كانت هناك مشاكل في تونس، فعليهم أن يبحثوا في مكان آخر عن الأسباب، وليس في وجود الأفارقة السود”.
وذكرت وكالة الانباء الفرنسية (أ.ف. ب) أن السياسي السنغالي و 13 شخصاً آخرين اعتقلوا مؤقتا “لمشاركتهم في مظاهرة غير مصرح بها”.
ومن جهته انتقد ساجنا صمت الجهات الرسمية في السنغال وقال إن الرئيس السنغالي، ماكي سال، من خلال حظر المظاهرة، انحاز إلى “الكراهية ضد السود وإلى العنصرية”.
ويتزايد الاستياء من الوضع الحالي في تونس في الداخل والخارج، كما كانت هناك انتقادات حادة من الأمم المتحدة. وعلى الرغم من استمرار المشاريع الجارية، علق البنك الدولي مفاوضاته بشأن اتفاقية شراكة جديدة مع الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.