يسلط اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، الذي تم برعاية صينية، المزيد من الضوء على الدور المتنامي لبكين في منطقة الشرق الأوسط، لكنه في الوقت ذاته يزيد من فرص تحقيق الأمن والاستقرار للمنطقة التي شهدت خلال السنوات الماضية تأجيجا للصراع بين أبرز قوتين إقليميتين في الخليج، وفقا لمراقبين.
وفي خطوة مفاجئة، أعلنت إيران والسعودية، الجمعة، الاتفاق على استئناف العلاقات بعد قطيعة دبلوماسية استمرت سبع سنوات.
جاء الإعلان عن الاتفاق بعد محادثات غير معلنة مسبقا واستمرت أربعة أيام في بكين بين كبار مسؤولي الأمن من البلدين، على رأسهم علي شمخاني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، ومساعد بن محمد العيبان وزير الدولة عضو مجلس الوزراء ومستشار الأمن الوطني السعودي.
وقطعت السعودية العلاقات مع إيران في 2016 بعد اقتحام سفارتها في طهران في أثناء خلاف بين البلدين بشأن إعدام الرياض رجل دين شيعيا وفي ظل خلاف استمر لسنوات دعم خلالها الجانبان أطرافا متصارعة في حروب بالوكالة في اليمن وسوريا وغيرهما.
أهمية الاتفاق
عن اتفاق اليوم وأهميته وتوقيته، يقول رئيس مركز ديمومة للدراسات والبحوث السعودي تركي القبلان إن “أمن واستقرار الشرق الأوسط يمثل أهمية وأولوية بالنسبة للسعودية”.
ويضيف القبلان في حديث لموقع “الحرة” أن توقيت الاتفاق جاء في “ظل تحديات جيوسياسية واقتصادية كبيرة تستدعي العمل مع جميع دول المنطقة والعالم لإزالة كل مستويات التوتر والاحتقان وتحقيق الاستقرار”.
القبلان أشار إلى أن “الاتفاق قائم على أساس الاحترام المتبادل بين البلدين والالتزام بحسن الجوار واحترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية أو التأثير عليها”.
ويؤكد القبلان أن “الصين هي من بادرت وقدمت رؤيتها للاتفاق للمملكة حول إمكانية بذل جهود إيجابية لحل الإشكال القائم مع إيران، وكذلك رؤيتها للجانب الإيراني، والطرفان رحبا بذلك”.
ويرى أن “رعاية الصين للاتفاق نابع من مصلحتها بالدرجة الأولى المتعلقة بالأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط، وبالتحديد ما يتعلق بأمن الممرات البحرية وأهميتها للاقتصاد العالمي”.
أما بالنسبة لإيران، فقد قال وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان إن تطبيع العلاقات مع السعودية يوفر آفاقا كبيرة لكلا البلدين وللشرق الأوسط، مشيرا إلى إمكانية اتخاذ خطوات أخرى.
وقال أمير عبد اللهيان على تويتر إن “السياسة مع دول الجوار، كونها المحور الرئيسي للسياسة الخارجية للحكومة الإيرانية، تتحرك بقوة في الاتجاه الصحيح والجهاز الدبلوماسي يعمل بنشاط للتحضير لمزيد من الخطوات على الصعيد الإقليمي”.
وفي هذا الإطار يبين مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان أن “زيارة الرئيس الصيني للسعودية قبل عدة أشهر والمبادرة التي قدمها للسعوديين والإيرانيين عجلت من المفاوضات والحوارات وأدت لتوقيع الاتفاق”.
ويؤكد صدقيان لموقع “الحرة” أن “الاتفاق مهم وسيعزز الأمن والاستقرار في المنطقة ويخدم العلاقات الإيرانية السعودية”.
ويقول إن “هناك الكثير من الملفات الإقليمية موجودة على طاولة العلاقات بين البلدين ومنها السوري واللبناني واليمني والفلسطيني والعراقي كذلك”، مشيرا إلى أن “الاتفاق سيعزز هذه الملفات وكذلك ينعكس إيجابيا على العلاقات الثنائية بين البلدين”.
رحبت عدة دول باتفاق، الجمعة، سواء بشكل مباشر أو ضمني.
وقال مسؤول في البيت الأبيض إن “خارطة الطريق المعلنة اليوم لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران تشبه ما دعمته الولايات المتحدة خلال جولات المحادثات بين البلدين في بغداد ومسقط”.
وأضاف المسؤول في تصريح لقناة “الحرة” أن الرئيس الأميركي جو بايدن أوضح خلال زيارته للسعودية وإسرائيل أن خفض التصعيد والدبلوماسية والردع من أهم أركان سياسته تجاه إيران.
وتابع المسؤول: “لطالما شجعنا على الحوار المباشر والدبلوماسية للمساعدة على خفض التوتر وتقليص أخطار النزاع”.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة ترحب “بشكل عام بأي جهود من شأنها إنهاء الحرب في اليمن وخفض التصعيد في منطقة الشرق الأوسط”.
وذكر المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي أن السعودية أبقت واشنطن على اطلاع بشأن محادثاتها مع إيران لاستئناف العلاقات الدبلوماسية لكن الولايات المتحدة لم تشارك فيها بصورة مباشرة.
وقال كيربي للصحفيين “السعوديون أبقونا بالفعل على اطلاع بشأن هذه المحادثات التي كانوا يجرونها، تماما مثلما نبلغهم بأنشطتنا، لكننا لم نشارك بصورة مباشرة”.
كذلك أثنت كل من مصر والعراق ولبنان والإمارات وعمان بعودة العلاقات الجبلوماسية بين السعودية وإيران.
تنامي دور الصين
وترى الزميلة في مركز ستيمسون باربرا سالفين أن “توقيع الاتفاق أمر جيد للغاية، لأنه جرى في وقت كان هناك قلق من تصاعد التوترات بين البلدين”.
وتضيف سالفين، وهي خبيرة في الشأن الإيراني، أن إيران اتهمت السعوديين بالترويج لتغيير النظام، من خلال دعمها لمحطة تلفزيون إيران الدولية، بالمقابل كان السعوديون قلقين من التقدم النووي الإيراني واستمرار دعمهم للحوثيين”.
وتتابع سالفين في حديثها لموقع “الحرة” أنه “سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت هذه الأنشطة ستتأثر بالصفقة”.
وتعتقد سالفين أن “الولايات المتحدة يجب أن تدعم الاتفاقية وتحث الصين على استخدام نفوذها مع إيران لإقناعها بإحياء الاتفاق النووي الإيراني”.
لكن الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والخليج حسين عبد الحسين له رأي مغاير، إذ يصف الاتفاق بـ”التاريخي” وغير المسبوق والذي سيمثل “بداية للعهد الصيني في الشرق الأوسط وربما العالم”.
يقول عبد الحسين لموقع “الحرة” إن “الاتفاق يعني أن أي اعتداء إيراني على السعودية سيسبب مشكلة لطهران مع الصين، التي أصبحت تكفل لحد ما أمن الرياض وهذا أمر غير مسبوق”.
ويضيف حسين أن “الاتفاق يشمل بالتأكيد حتى الميليشيات الموالية لطهران، سواء الحوثيين أو الميليشيات العراقية الولائية”.
ويرى حسين أن “الأمن الخليجي والسعودي كان في السابق من حصة الأميركيين، لكنه تحول اليوم للصينيين”.
ويشير إلى أن “واشنطن محرجة مما جرى، وستكون هناك تداعيات داخلية سواء من قبل الجمهوريين وحتى بعض الديموقراطيين الذين سيتهمون البيت الأبيض بالتسبب في توسع دور الصين في المنطقة والعالم”.
يعتقد عبد الحسين أن “المشكلة تتعلق بالأساس بسياسة الولايات المتحدة التي لم تحاول خلال إدارة الرئيس جو بايدن اتخاذ خطوات حقيقية للانخراط في المنطقة”.
ويضيف أن “الصين لا تمتلك قوة الولايات المتحدة العسكرية أو الاقتصادية، ولا تستطيع منافسة واشنطن في هذين المجالين، لكن الولايات المتحدة هي من نأت بنفسها وبالتالي وجدت بكين مكانا لها من أجل ملء الفراغ”.
وكرد فعل وحيد يمكن أن تلجأ اليه واشنطن من أجل إثبات وجودها في المنطقة يمكن أن تعمل على توسيع اتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل لتشمل السعودية، وفقا لعبد الحسين.
ويرى أن “هذا الأمر ممكن، لأن الرياض بعد اتفاق اليوم لم تعد تخشى ردود فعل إيران وحلفائها، خاصة وأن الاتفاق نص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”.
لكن سالفين تختلف مع هذا الطرح وتعتقد أن “للولايات المتحدة مصلحة في خفض التصعيد الإقليمي ولم تكن في وضع يسمح لها بالوساطة لأنها لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إيران”.
ومع ذلك تشير إلى أن الاتفاق يؤكد بالتأكيد التصور القائل بأن نفوذ الولايات المتحدة قد تقلص إلى حد ما في المنطقة، لكنها تعتقد أن الولايات المتحدة لا تزال مرتبطة ارتباطا وثيقا بإسرائيل والعديد من دول مجلس التعاون الخليجي على الصعيد العسكري وهو أمر لا تقدر الصين على مجاراته بعد”.