بين هاجس “الانهيار” والاستعداد للإنقاذ.. ماذا تريد أوروبا من تونس؟
تباينت المواقف الأوروبية إزاء الأوضاع في تونس في الآونة الأخيرة إذ حذر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من “انهيار الدولة” في تونس قبل أن يتحدث مسؤولون أوروبيون آخرون خاصة من إيطاليا عن استعداد الاتحاد لإنقاذ تونس بحكم الجوار الجغرافي وتداعيات ملف الهجرة غير النظامية.
هذا الاهتمام الأوروبي المتزايد بالأوضاع في تونس، دفع بعديد الخبراء والمحللين للتحذير مما أسموه “ابتزازا أوروبيا” لبلادهم التي تعاني من أوضاع اقتصادية خانقة، فيما فسر آخرون المواقف الأوروبية على أنها “طبيعية ومتوقعة” بالنظر إلى علاقة الجوار و الشراكة بين الجانبين.
وقبل نحو أسبوعين، قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد جوزيب بوريل “إن التكتل يشعر بالقلق إزاء تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في تونس ويخشى انهيارها”، محذرا مما وصفه بـ”الوضع الخطير للغاية”.
وفي وقت لاحق، أعرب مسؤلون أوروبيون استعدادهم لانقاذ تونس، إذ أكد وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تياني على استعداد أوروبا لانقاذ تونس، داعيا المجتمع الدولي إلى تقديم مساعدات عاجلة لهذا البلد المغاربي.
هذه المواقف الأوروبية المتواترة، يرى فيها المحلل السياسي التونسي طارق شندول أنها تخفي رغبة أوروبية جامحة من ورائها فرنسا وألمانيا وإيطاليا لفرض وجهة نظر موحدة تجاه تونس مستغلين تأزم الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، مشيرا إلى أن هذا الضغط الأوروبي تنامى بشكل لافت بعد تنامي ظاهرة الهجرة الغير النظامية في البحر الأبيض المتوسط والتقارب الروسي والصيني مع تونس في الآونة الأخيرة.
وأضاف شندول في تصريحات لـ”أصوات مغاربية” أن سوء الوضع الاقتصادي يدفع الاتحاد الأوروبي لتقديم تلميحات ووعود بمساعدات، لكنه في المقابل يضع بعض الشروط من بينها إبعاد تونس عن المحور الروسي الصيني وتحويلها لشرطي يحرس حدودها البحرية لمنع قوارب الهجرة الغير شرعية من الوصول إليها.
وتابع المتحدث أن الحديث عن إنقاذ تونس من الانهيار يأتي في سياق رغبة أوروبية للمحافظة على موازين القوى إذ تضع أوروبا نصب أعينها على تونس كموقع استراتيجي لضمان مراقبة كل التحركات في المتوسط كما تسعى لتحويلها إلى منصة مستقبلية لا بديل عنها للتجارة الأوروبية الأفريقية لمواجهة النزعة التوسعية للصين في أفريقيا.
وتعمل أوروبا حسب المتحدث على احتواء تونس بصفة كلية مع شروط تبدو بغرض المساعدة مقابل تقديم خدمات للاتحاد الأوروبي خاصة مكافحة الهجرة غير النظامية و استغلالها كبوابة لإفريقيا في المبادلات التجارية.
وأضاف المحلل أن الاتحاد الأوروبي استعمل أيضا ورقة الضغط الحقوقي من خلال المنظمات الحقوقية الدولية من أجل ابتزاز السلطات التونسية ودفعها للقبول بشروطها.
حماية الحدود
في المقابل، يرى الكاتب الصحفي و المحلل السياسي زياد الهاني أنه من الطبيعي أن تسعى أوروبا إلى تأمين حدودها وأن تجد شريكا يساعدها على حماية حدودها من تدفق المهاجرين غير النظاميين عبر المتوسط، مبرزا الموقع الاستراتيجي الذي تقع فيه تونس.
وأضاف الهاني في تصريحات لـ”أصوات مغاربية” أن تحقيق هذا الهدف بالنسبة للاتحاد مرتبط بوجود دولة قوية في تونس وهو ما يتطلب استقرارا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا لإيقاف نزيف الهجرة مشيرا إلى أن حماية الحدود بين الجانبين فيه مصلحة مشترك لهما.
وفي رده على ما اعتبره البعض “ابتزازا” لتونس من قبل الاتحاد الأوروبي، قال الهاني إن أوروبا تريد إيقاف دوامة المساعدات التي لا تذهب للإصلاح الاقتصادي بقدر ما تذهب إلى معالجة أزمات آنية لا تؤدي لاستدامة الوضع وهو ما يضعف الدولة ويجعلها غير قادرة على مواجهة الهجرة غير النظامية.
وحسب رأي المتحدث، فإن المانحين الدوليين بما في ذلك أوروبا تشترط وجود ضمانات حقيقية للقيام بإصلاحات اقتصادية حتى لا تتكرر التجارب مع الحكومات السابقة التي لم تلتزم بالشروط التي تعهدت بها مقابل حصولها على قروض عديدة.
المصدر : أصوات مغاربية