في ذكرى وفاة المنجي الكعلي: خفايا تأسيس حمام بورقيبة
مرت يوم الاربعاء 14جوان ذكرى وفاة المنجي الكعلي أحد رجال الدولة الوطنية من الذين خدموا البلاد بإخلاص، مرت ذكرى وفاة الرجل دون ادنى اهتمام رسمي وكأن منجي الكعلي لم يكن من بناة دولة الاستقلال ، وهو ما يؤكد أن زمن العلو الشاهق ليس سوى زمن المحق والسحق وإلغاء تاريخ البلاد برمّته لكتابة تاريخ جديد على المقاس، ومنجي الكعلي هو والد علي الكعلي وزير المالية السابق وأحد مؤسسي آفاق تونس في نسخته الاولى بعد 14جانفي 2011 ولعله من افضل من تولوا وزارة المالية بعد الثورة غير ان السياق الذي عمل فيه لم يسمح له بفعل الكثير مما أراده لهذه البلاد وشعبها
وقد تولى منجي الكعلي عدة مسؤوليات واليا على جندوبة ثم بنزرت وسفيرا في اسبانيا ووزيرا ممثلا شخصيا لرئيس الدولة ووزيرا للصحة العمومية وكاتب دولة للخارجية ، ولكنه عرف أكثر بصفته مديرا للحزب،
وقد اختار الراحل النأي بنفسه عن السياسة منذ صعود بن علي إلى رئاسة الجمهورية ولم يشارك يوما في أي مناسبة لا مصفقا ولا مزكيا،
ويذكر بعض من عرفه انه هاتف مرة الرئيس بن علي بعد اعتراض البنك المركزي على تعيين ابنه” علي” على رأس أحد البنوك ABC BANK مستفسرا هل هناك تعليمات من بن علي بمنع أبن المنجي الكعلسي من العمل في بلاده ، فكان رد بن علي ” لا يا سي المنجي، ”
ومما يروى عن المنجي الكعلي في علاقته ببورقيبة أنه قال للرئيبس خلال إحدى زياراته الميدانية وهو يشاهد جموع المستقبلين الهاتفين بحياة الرئيس: “الشعب يحيد سيدي الرئيس” فكان رد بورقيبة” يا سي المنجي حين عدت الى تونس في غرة جوان 1955 استقبلني نصف الشعب التونسي – قرابة مليون ونصف هبوا لاستقبال الزعيم- ولكن بعد ثلاث سنوات انقلبوا ضدي وساندوا صالح بن يوسف” واضاف بورقيبة حسب هذه الرواية المتداولة” شعب زلاق ، صبعين وتلحق الطين”
ومهما كانت صحة الرواية من عدمها فهي تكشف تقييما فيه ما يستحق النظر لعلاقة التونسيين بحكامهم، يهتفون لهم اليوم وينقلبون عليهم من الغد… حدث ذلك مع “سيدي الامين باي” ثم مع بورقيبة وبن علي، فبعد سنين الهتاف بحياة بن علي ، صار الشعار”خبز وماء وبن علي لا” وهو ما حدث بالتمام والكمال، فقد ذهب بن علي وانقطع الماء وصار الخبز المدعوم مادة صعبة المنال
وربما لا يعلم كثيرون ان منجي الكعلي ترك شهادة عن عمله مع بورقيبة نشرت قبل وفاته، وقد اخترنا ان ننشر لكم جزءا بسيطا منها يتحدث فيه المنجي الكعلي عن خفايا انشاء “حمام بورقيبة” حين كان واليا على جندوبة غداة الاستقلال
يقول المنجي الكعلي في مذكراته المنشورة بعنوان” في خدمة الجمهورية بقيادة بورقيبة” ” في بداية ولايتي على جندوبة كان معتمد عين دراهم المرحوم أحمد المنوبي وهو من الدستوريين القدامى وكان مغرما بعين ماء ساخنة تنبع من مكان قرب الحدود التونسية الجزائرية، وكثيرا ما كان يحدثني عن مزايا هذه العين ويروي لي قصصا عديدة على فوائدها الطبية ، فذهبت معه ذات يوم إلى هذه العين وأخذنا من مائها لترا أرسلناه إلى معهد باستور بتونس للتحليل، وصادف أن كان مدير هذا المعهد الأستاذ عمر الشاذلي الطبيب الخاص للرئيس بورقيبة، الذي استنتج بعد كل التحاليل ودرسها أن ماء هذه العين صالح لمعالجة حنجرة الرئيس. وقد اعتاد الرئيس أن يذهب سنويا إلى Salsomaggiore في ايطاليا لهذا الغرض ، وعندما علم الرئيس بذلك قرر التداوي في المستقبل في ذلك المكان. فالتأمت مجهودات وزارة الأشغال العامة ، وديوان السياحة ، والولاية لتجسيم رغبة الرئيس. وانطلقت الأشغال لتعبيد الطريق المؤدية للعين وهي تبتدئ (بعد مركز الديوانة ) في ببوش، وكان هذا الطريق يسمى وادي الظلمة لكثافة أشجاره وصعوبة سلوكه، وتضافرت جهود ديوان السياحة والولاية لتحضير مكان للمداواة ومكان لسكنى الرئيس. وبعد مجهودات كبيرة تمت كل هذه الأشغال وعبدت الطريق ، وجهز “شاليه” صغير للمداواة، ومنزل صغير أيضا للسكنى في عين دراهم . وبدأ الرئيس مداواته في هذا المركز ، ويوم تدشينه سماه “حمام بورقيبة” وأمر بفتحه للعموم، فكنا نذهب مع الرئيس في الصباح الباكر على الساعة الخامسة صباحا ونغادر المكان على الساعة الثامنة ، قبل أن يقع فتحه للعموم على الساعة التاسعة صباحا. وكان المكان في بادئ الأمر خاليا لا يوجد فيه إلا العين ، فأمرني الرئيس أولا بتشجيره ثم بناء قرية صغيرة بها خمسون مسكنا ، ثم بناء مدرسة ومستوصف إلى أن أصبح مكانا يطيب فيه العيش ، وبعد ذلك بسنوات وقع بناء نزل وفيه مصحة للعلاج ، أدخلت عليها عدة تحسينات فيما بعد – نزل المرادي الذي أنشأه ناجي المهيري رحمه الله، وهو يعد اليوم لؤلؤه فنادق سلسلة المرادي الموزعة على كامل البلاد ، ويعد فندق المرادي حمام بورقيبة وجهة عالمية لطالبي الاستشفاء بالمياه المعدنية ، وليس من الصجدفة ان البطلة العالمية أنس جابر أختارت هذا الفندق قبل سنتين للقيام بتحضيراتها للمسابقات العالمية التي تنتظرها .
ويضيف المنجي الكعلي في شهادته” ومن المشاريع الأخرى التي قمت بها في الولاية هو تحويل طبرقة إلى منطقة سياحية، وذلك رغم تحفظات ديوان السياحة الذي كان يولي الأولوية المطلقة، في ذلك الوقت، إلى الحمامات، وسوسة وجربة فيما يخص التنمية السياحية. فشرعت في توسعة وتجديد نزل الميموزا وتأسيس شركة سياحية التي قامت ببناء نزل المرجان، أوّل نزل عصري على شواطئ طبرقة. وقد ساهم مهرجان طبرقة من تنمية الأنشطة الثقافية والشبابية، وبسرعة تحوّل هذا المهرجان من مهرجان قومي إلى مهرجان دولي. وفي نفس الفترة، وقع إقامة معرض تجاري لتنشيط الحركة الاقتصادية.”