قضية إيمان البحر درويش.. من فيديو “النهضة” إلى صورة المرض
فبين حين وآخر تظهر حالة لأحد الفنانين وقد تدهور وضعه الصحي طالبا الدعم أو المساندة أو العلاج على نفقة الدولة وهو ما يحدث في أغلب الأحوال، لكن يبقى السؤال قائما، كيف يتجنب النجوم المصريون هذا المصير بعد عقود من الشهرة والنجومية وتقديم الأعمال الفنية أو الأدبية التي ارتبط بها وُجدان كثيرين من المصريين والعرب.
المخرج عمر عبدالعزيز، رئيس اتحاد النقابات الفنية المصري، قال لموقع “الحرة” إن ” الموارد الخاصة بالنقابات الفنية الثلاث في مصر قليلة ولذلك فإن الدعم المادي الذي يقدم لأعضائها من الفنانين، مهما بلغ، فهو قليل بالنظر لارتفاع تكاليف العلاج والرعاية الصحية”.
ويضم اتحاد النقابات الفنية ثلاث نقابات، الموسيقيين والممثلين والسينمائيين، ووفقا لرئيس الاتحاد فإن “كل نقابة منها لها نظامها الخاص في الاشتراكات والرعاية الطبية، وفق النسب المقررة بتحمل النقابة وتحمل الأعضاء من خلال الاشتراكات السنوية والطبية، لكن الحالات الحرجة تحتاج تدخل الدولة لذلك تقوم النقابات والاتحاد بمخاطبة الدولة لتتحمل الحكومة نفقات العلاج أو تصدر قرارا بالعلاج على نفقتها”.
وأوضح أن “اتحاد النقابات الفنية يتلقى دعما وفقا لقانون منذ سبعينيات القرن الماضي، يبلغ 41 ألف جنيه، بينما تبلغ رواتب الموظفين ومصروفات الإيجار وخلافه قرابة نصف هذا المبلغ في شهر واحد ما يعطي تصورا للموارد المتاحة للاتحاد الذي يضم قرابة 20 ألف عضو من النقابات الفنية الثلاث”.
عامان من الغياب بعد فيديو أثار ضجة
الصدمة التي أثارتها صورة إيمان البحر درويش، الذي شغل منصب نقيب الموسيقيين المصريين قبل عدة سنوات، أعادت إلى الأذهان قصة ظهوره المصور قبل نحو عامين والذي توارى عن الأنظار بعده تماما، حين نشر مقطعا مصورا عبر حسابه بمواقع التواصل الاجتماعي، في يوليو من عام 2021، وجه فيه انتقادات حادة للدولة والحكومة بشأن إدارة ملف سد النهضة ومياه النيل ظهرت بعده أنباء عن القبض عليه أو إخفائه قسريا.
وظهر إيمان بعد ذلك بعدة أيام على حسابه في موقع فيسبوك مؤكدا أنه لم يلق القبض عليه وأنه في حالة التعرض له أو لأحد من أسرته أو “مس شعرة منه أو من أولاده”، على حد قوله، فسيعلم العالم كله عن الظلم الواقع عليه.
وفي سبتمبر من عام 2022، نشر إيمان فيديو جديد مع دكتور العلاج الطبيعي الخاص به وهو يضحك ويستمع لبعض الألحان الموسيقية وسبقه بنحو شهرين نجله إسلام في بث مباشر عبر صفحته بموقع فيسبوك قال فيه إن ما يثار عن تعرض والده للاختفاء القسري غير صحيح وأنه يتلقى علاجه في المنزل حيث يقوم بجلسات علاج طبيعي وأن ما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي غير صحيح طالبا من الجميع تحري الدقة فيما يخص والده.
وقبل نشر ابنة إيمان البحر درويش صورته، التي أثارت الجدل، كان آخر ما كتبه هو عبر صفحته في فيسبوك، في مارس الماضي، جملة قصيرة، قال فيها : “يا مصر، لو على الموت أنا مت 100 مرة”.
أمنية البحر، ابنة إيمان، قالت في تصريحات تليفزيونية مقتضبة بعد نشر صورة والدها الأخيرة إن والدها،” تعبان بقاله سنة ونص أو سنتين، بسبب أزمة حدثت له”، وذكرت أنه ليس في المستشفى مطالبة جمهوره ومحبيه بالدعاء له بالشفاء.
وأعلنت “الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية” المملوكة للدولة في مصر والتي تمتلك أغلب وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، أنها تكفلت بعلاج إيمان البحر درويش تقديرا لموهبته ومشواره الفني المميز، وتتواصل مع أسرته لبحث موقفه الصحي على وجه الدقة تمهيدا لتقديم أفضل السبل العلاجية.
مناشدة للنجوم لدعم نقاباتهم
وناشد رئيس اتحاد النقابات الفنية في حديثه مع موقع “الحرة”، الفنانين النجوم الذي يعملون حاليا بأن يقدموا الدعم والمساندة المادية لنقاباتهم دعما لزملائهم الذين يتعرضون لأزمات صحية، وقال إن القانون يفرض نسبة 2 في المئة من قيمة أجور الفنانين للنقابات، لكن هذه النسبة لا تفعل شيئا وتكون القيمة المادية لها قليلة جدا، كما أن كثيرين منهم لا يقومون بسدادها، لذلك فإنه يتمنى أن يقدم الفنانون نسبا أكبر من ذلك حتى تستطيع النقابات تقديم الدعم لأعضائها.
وضرب المثل بالسيناريست الشهير الراحل، وحيد حامد، حين فاز بإحدى الجوائز اتصل به وأخبره أنه سيتبرع بجزء من القيمة المادية للجائزة لنقابة السينمائيين لعلاج الحالات المتعلقة بأمراض القلب من الأعضاء.
وأعلنت نقابة الممثلين في مصر عن تدشين وافتتاح دار للمسنين وأصحاب الحالات الحرجة من أعضائها وأنها متاحة لأي عضو من أعضاء النقابات الفنية وليس الممثلين فقط، لكن رئيس اتحاد النقابات الفنية قال إن الدار مهما بلغت قدرتها الاستيعابية فلن تكفي لكل الأعداد التي تحتاج إلى الدعم والمساندة والعلاج.
ظاهرة متكررة وستبقى
ويرى الناقد الفني، طارق الشناوي، أن “ظاهرة ظهور أحد النجوم الكبار في حاجة للمساعدة أو الدعم بعد تردي أحواله الصحية أو المادية ليست حديثه على الواقع المصري، فهي متكررة منذ عقود، كما حدث من قبل من فنانين كبار، مثل عبدالفتاح القصري ورياض القصبجي وزينات صدقي وغيرهم”.
ووصف الشناوي لموقع “الحرة”، ما حدث بالنسبة لإيمان البحر درويش هو أن “اتخضينا (صدمنا) من الصورة بسبب صعوبتها وقسوتها، لكن هذا الأمر متكرر وسيحدث، لأن هذه طبائع الأمور بالنسبة لكل الفئات في مصر وليس الفنانين فقط لكن يثار حولهم الجدل نظرا لشهرتهم وارتباط الجمهور بأعمالهم عبر سنوات طويلة سواء كانوا مطربين أو ممثلين”.
وأوضح أن “النقابات الفنية في الدول الأوروبية لا تترك أحدا من أعضائها الفنانين، لكن الموارد القليلة للنقابات الفنية في مصر تجعل الأمر صعبا، ولذلك فإن بعض النجوم حاليا أوصوا أبناءهم في حالة تعرضهم لأزمات صحية أو دعم ومساندة ألا يطلبوا العلاج على نفقة الدولة، كما يحدث بسبب الضجة التي تثار في مثل هذه الأحوال”.
ويعد إيمان البحر درويش واحدا من أشهر نجوم الغناء في مصر فهو أحد الأصوات التي يحبها الجمهور وله العديد من الألبومات الغنائية التي قدمت خلال نصف قرن وكذلك أعمال تليفزيونية ومسرحية وسينمائية بالإضافة لارتباطه بجده سيد درويش أحد أبرز المجددين في الموسيقى المصرية مع بدايات القرن الماضي والذي قدم إيمان بعض أعماله الكلاسيكية بتوزيعات جديدة خلال العقود الماضية.
وسيد درويش الذي توفي، عام 1923 يوصف بأنه “مجدد الموسيقى وباعث النهضة الموسيقية في مصر”، وكان يلقب باسم “فنان الشعب”، خاصة بمساهماته في إدخال ما يعرف بـ”الغناء البوليفوني” في أكثر من معزوفة أوبريت.
اشتهر اسم درويش في تلحين الأغاني والموشحات وحتى المعزوفات المرافقة للروايات المسرحية، ناهيك عن الأغاني الوطنية، والتي يعتقد أنها كانت سببا في مقتله، إذ توفي بعمر 31 عاما، بسبب ما قيل إنها جرعة مخدرات زائدة، فيما رجح البعض أن البريطانيين أو ملك مصر حينها من دبروا تسميمه بسبب أغانيه الحماسية.