مهاجر نيوز: عمليات “طرد جماعي” بحق المهاجرين من تونس إلى ليبيا
اورد موقع “مهاجر نيوز” ان مصادر متقاطعة كشفت عن تنفيذ السلطات التونسية عمليات “طرد جماعي” للمهاجرين إلى الحدود مع ليبيا، ازدادت وتيرتها منذ منتصف شهر سبتمبر الماضي. ووفقا للمنظمات غير الحكومية، تعرض مئات الأشخاص إلى الترحيل القسري من تونس إلى ليبيا عبر الحدود البرية بشكل غير رسمي وبعيدا عن الأنظار.
على مدى الأشهر الثلاث الماضية، رصد فريق مهاجرنيوز عمليات طرد جماعي نفذتها السلطات التونسية بحق مئات المهاجرين المتواجدين على أراضيها، أو من الذين اعترضهم الحرس البحري على متن قوارب متجهة إلى القارة الأوروبية، بشكل ينتهك الحقوق الأساسية لهؤلاء المهاجرين.
بناء على شهادات مهاجرين جمعها مهاجرنيوز إضافة إلى مصادر من منظمات غير حكومية، نقلت السلطات التونسية قسريا مئات المهاجرين المتحدرين من دول أفريقية إلى مناطق حدودية، ومن ثم “سلّمتهم” إلى مجموعات ليبية نقلتهم بدورها إلى مراكز احتجاز أو سجون غير رسمية.
وفقا للمعلومات المتقاطعة، تعمل السلطات التونسية على ترحيل المهاجرين إما شمالا، عبر بن قردان ورأس جدير، أو باتجاه الجنوب بين الذهيبة ونالوت.
وعلى الجانب الليبي، تشير بيانات رسمية إلى “العثور” على مئات المهاجرين في مناطق حدودية صحراوية. إلا أن المنظمات غير الحكومية تشكك بهذه الرواية مشيرة إلى “تواطؤ تونسي ليبي” في عمليات الترحيل.
من البحر إلى صفاقس وصولا إلى الذهيبة
الشاب السوداني خالد* نجا من محاولة عبور البحر المتوسط بعد اعتراضه من قبل السلطات التونسية، والتي رحلته لاحقا إلى ليبيا عبر الذهيبة.
مطلع شهر اكتوبر الماضي، أبحر خالد برفقة 42 شخصا آخرين انطلاقا من السواحل القريبة من مدينة صفاقس وسط شرق البلاد آملا ببلوغ الأراضي الإيطالية، لكن بعد دقائق قليلة على إبحارهم اعترضهم الحرس الوطني التونسي، ونقلهم قسريا إلى ميناء صفاقس، ويقول لمهاجرنيوز إن “عناصر مقنعين شرعوا بضربنا وأجبرونا على الالتحاق بمجموعات أخرى من المهاجرين كانت في المكان نفسه، ولم يكن أمامنا خيارا سوى الصعود إلى حافلات، لم نعرف وجهتها”.
الحرس الوطني التونسي المدعوم من الاتحاد الأوروبي، عزز من عمليات المراقبة على حدوده البحرية، وأعلن عن اعتراض حوالي 70 ألف مهاجر منذ بداية العام الجاري، حصل أغلبها قبالة سواحل صفاقس. لكن الحكومة التونسية في الوقت نفسه، تنفي تنفيذ أية عمليات ترحيل إلى الحدود.
“تسليم” إلى السلطات الليبية
يقول الشاب خالد إن السلطات التونسية في ميناء صفاقس أجبرتهم على تسليم وثائقهم الشخصية من هويات وجوازات سفر، وملأت أربع حافلات بمهاجرين أفارقة، “قالوا لنا إننا سنذهب إلى منظمة إنسانية في جرجيس، لكن بعد ساعات من رحلتنا في الحافلة، أدركنا أن وجهة الحافلة هي ليبيا”.
في منطقة الذهيبة على الحدود الليبية، نزل المهاجرون من الحافلات، حيث كانت مجموعة ليبية بانتظارهم، وزعتهم في مجموعات صغيرة، ويضيف خالد “أمرونا بالصعود إلى شاحنة مبردة، كنا نشعر بأن الأوكسجين نفد وسنموت خنقا وبردا، بدأنا بالصراخ وطلب النجدة، عشنا حالة هلع خاصة بعد أن فقد شابان مصريان وعيهما”.
بعد حوالي 10 دقائق، حسب إفادة الشاب السوداني، نقلت المجموعة الليبية المهاجرين في سيارات رباعية الدفع ‘لاند كروزر’ إلى هنغار كبير مهجور، “كنا حوالي 250 شخصا هناك، ورأينا عناصر وسيارات جهاز دعم الاستقرار في المكان. كانوا مسلحين برشاشات ويجوبون في المكان”.
بحسب تقرير نشرته منظمة “العفو الدولية” العام الماضي، جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي، ارتكب انتهاكات بحق طالبي اللجوء ومارس عمليات “قتل واحتجاز تعسفي وتعذيب وعمل قسري وغير ذلك من الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان وجرائم مشمولة في القانون الدولي”.
فريق مهاجرنيوز تواصل مع المكتب الإعلامي لجهاز دعم الاستقرار لكنه لم يحصل على أي رد.
عمليات طرد من الأراضي التونسية عبر بن قردان
كريم*، شاب سوداني يبلغ من العمر 25 عاما، تعرض للترحيل عبر طريق بن قردان ورأس جدير، يقول إن الشرطة التونسية أوقفته في مدينة جرجيس خلال حملة أمنية كانت تستهدف المهاجرين في نهاية شهر أكتوبر الماضي، “كنا حوالي سبعة أشخاص حينما أوقفنا الحرس الوطني التونسي، وتعاملوا بشكل مهين مجرّد من الإنسانية رغم أنه كانت برفقتنا امرأة نيجيرية حامل في حالة صحية صعبة وتعرضت لنزيف”.
بحسب الشاب، نقلتهم السلطات التونسية إلى مدينة بن قردان، “وضعونا في مقر غير رسمي حيث كانت تأتي دوريات تونسية بمجموعات متفرقة من مهاجرين، وكان بعض العناصر ينهالون بالضرب علينا دون أي سبب”. وبعد أن أمضى المهاجرون ليلة هناك، نقلهم الحرس إلى منطقة بالقرب من رأس جدير حيث، “تركونا قرب مصب مائي، وعلى مرأى الحرس الليبي”. يضيف الشاب بأن الحرس الليبي أخذهم لاحقا إلى مركز في أبو كماش، حيث تمكن لاحقا من الهرب.
وفي منتصف شهر /نوفمبر الماضي، يروي شاب ثلاثيني يدعى موسى* ويتحدر من غينيا تفاصيل عملية ترحيل مماثلة، مشيرا إلى أن السلطات في بن قردان، عمدت إلى سلك طرقا فرعية “تبعد عن الطريق الرسمي. بل كانت الشرطة تقود سيارتها في طريق غير معبدة تؤدي إلى الصحراء”.
طرد مئات المهاجرين خلال ثلاثة أشهر
بحسب ناشطة في منظمة غير حكومية، تتحفظ عن ذكر اسمها، “طردت السلطات التونسية 800 مهاجر في نهاية/سبتمبر”، موضحة أنها أجرت لقاءات مع عشرات من هؤلاء الأشخاص الذين تعرضوا لعمليات الطرد.
اللجنة الوطنية الليبية لحقوق الإنسان تؤكد أنه خلال شهر أكتوبر، نقلت السلطات الليبية عبر الحدود مع تونس 650 مهاجرا بينهم نساء وأطفال “كانوا تائهين”، قرب منطقة العسة، التي تبعد كيلومترات قليلة عن رأس جدير.
ويوم الأربعاء الماضي 6 ديسمبر، نشر جهاز دعم الاستقرار بيانا قال فيه إن فرع نالوت المجاور لمدينة الذهيبة ضبط حوالي 190 مهاجرا من “جنسيات أفريقية مختلفة قادمين عبر الحدود الليبية التونسية”، مضيفا أنه نقل “المهاجرين غير القانونيين إلى جهاز الهجرة غير الشرعية بالعاصمة طرابلس، لاستكمال الإجراءات القانونية حيالهم”.
سجون ومراكز احتجاز ليبية
تمكن خالد* من إخفاء هاتفه المحمول واستطاع تصوير مقطع فيديو مختصر قال إنه في مركز احتجاز يقع في نالوت، على بعد حوالي 60 كيلومترا من الذهيبة على الحدود التونسية الليبية.
تتقاطع رواية خالد مع موسى وكريم، حول تفاصيل عمليات الترحيل واحتجازهم في مستودعات كبيرة أو في مراكز احتجاز وتركهم في مناطق صحراوية تحت تهديد السلاح. بحسب الشهادات المختلفة، كان ينقل عناصر ليبيون بزي رسمي مجموعات من المهاجرين إلى سجون في بئر الغنم وعين زارة.
يقول خالد إنه بعد أن أمضى 15 يوما في عين زارة، أجبرته دورية ليبية على العمل بشكل قسري في ورشة بناء قريبة، “كان هناك شباب من مصر يعملون دون تلقي أي أجر بالطبع، وعندما رأوا حالتي المنهكة ساعدوني كي أهرب”. ويقول الشاب إنه يقيم اليوم في شقة يعيش بها مجموعة من السودانيين في تاجوراء.
هذه الممارسات الأخيرة تُعتبر استمرارا لأزمة الصيف الماضي، حينما وثق مهاجرنيوز ومنظمات حقوقية عمليات طرد “ممنهجة” بحق المهاجرين من تونس، وتركهم في مناطق نائية قرب الحدود الليبية والجزائرية. وذلك أسفر عن مقتل حوالي 100 مهاجر، بينهم أطفال ونساء، بحسب جمعيات إنسانية.
عمليات الطرد إلى الحدود الليبية ازدادت بعد أن شهدت جزيرة لامبيدوزا الإيطالية توافد حوالي 10 آلاف مهاجر إليها قادمين من تونس خلال أسبوع 11 سبتمبر الماضي.
ممارسات مخالفة للقانون
السلطات التونسية تنكر هذه الادعاءات، وقال المتحدث التونسي باسم الحرس الوطني حسام الدين الجبالي، لمهاجرنيوز “لا شيء يحدث على الحدود مع ليبيا (من طرف السلطات التونسية)، ولا توجد عمليات طرد. نحن نحاول مساعدة المهاجرين وتنفيذ عمليات الإنقاذ في البحر”.
ولم تنف المنظمة الدولية للهجرة، التي اتصل بها مهاجرنيوز، عمليات الطرد، لكنها لم تؤكدها، مشيرة إلى أنها تدين “أي شكل من أشكال الاعتقال التعسفي أو طرد المهاجرين” مشددة على ضرورة احترام القوانين واللوائح الدولية التي تنص على احترام حقوق طالبي اللجوء.جريمة التواطؤ مع الجانب التونسي
رغم عدم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق رسمي جديد بين البلدين حول وضع المهاجرين، التقى وزير الداخلية التونسية مع وزير الداخلية الليبي المكلف بحكومة الوحدة عماد الطرابلسي الثلاثاء 12 ديسمبر، وقال الطرابلسي في مؤتمر صحفي إن هناك “خطة لتأمين الحدود بين البلدين”، وكشف عن تشكيل وحدات رسمية للتأمين وتركيب أبراج للمراقبة إلى جانب كاميرات مراقبة على طول الشريط الحدودي خلال الأسبوعين المقبلين.
استنكرت اللجنة الوطنية الليبية لحقوق الإنسان الوضع على الحدود التونسية الليبية، مشيرة إلى أن جهاز حرس الحدود التابع لوزارة الداخلية “يصوّر الأمر على أنه عملا إنساني، بينما في حقيقته ما هو إلا استغلال للجانب الإنساني للتغطية على جريمة التواطؤ مع الجانب التونسي في استمرار الطرد الجماعي والقسري لهؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء المتواجدين في الأراضي التونسية إلى ليبيا”.