بسبب “الاعتراف” بإقليم انفصالي.. هل تقع حرب بتداعيات إقليمية بين الصومال وإثيوبيا؟
ومصر على الخط ...
لا يزال الاتفاق الذي جرى توقيعه مؤخرا بين إثيوبيا وإقليم “أرض الصومال” (صوماليلاند)، يثير الكثير من الجدل والتوترات، خاصة مع إعلان مستشار كبير للرئيس الصومالي، السبت، أن مقديشو “مستعدة لخوض الحرب” لمنع أديس أبابا من الاعتراف بالإقليم الانفصالي.
وكان مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، قد أعلن في الأول من جانفي الجاري، أن أديس أبابا وقعت اتفاقا مبدئيا مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، غير المعترف به دوليا، لاستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الدولة الحبيسة الواقعة في منطقة القرن الأفريقي، تعتمد حاليا على جيبوتي المجاورة في معظم تجارتها البحرية.
وقال آبي أحمد، خلال مراسم التوقيع مع رئيس أرض الصومال، موسى بيهي عبدي، في العاصمة الإثيوبية: “تم الاتفاق على هذا الآن مع أشقائنا في أرض الصومال، وتم التوقيع على مذكرة تفاهم اليوم”.
من جانبه، قال عبدي إنه في إطار هذا الاتفاق، ستكون إثيوبيا أيضا “أول بلد يعترف بأرض الصومال كدولة مستقلة، في الوقت المناسب”.
وبدوره، أوضح رضوان حسين، مستشار الأمن القومي لآبي أحمد، أن مذكرة التفاهم “تمهد الطريق لإثيوبيا للتجارة البحرية في المنطقة، بمنحها إمكانية الوصول إلى قاعدة عسكرية مستأجرة على البحر الأحمر”.
وردا على ذلك الاتفاق، دعا رئيس الصومال، حسن شيخ محمود، الأحد الماضي، أبناء بلاده إلى “الاستعداد للدفاع عن وطنهم”، في حين نظمت مسيرات في العاصمة مقديشو، ضد الاتفاق.
ونقلت صحيفة “غارديان” البريطانية عن مستشار كبير للرئيس الصومالي، دون أن تذكر اسمه، قوله: “نحن نتبع كل الخيارات الدبلوماسية، وأعتقد أن إثيوبيا ستعود إلى رشدها، لكننا مستعدون للحرب إذا أراد آبي أحمد ذلك”.
ومنطقة أرض الصومال (284,899 كيلومترا مربعا) كانت مستعمرة بريطانية سابقة اندمجت بعد أيام من استقلالها في 1960، بالصومال، المستعمرة الإيطالية السابقة التي كانت قد نالت استقلالها للتو أيضا، وشكلتا معا جمهورية الصومال، وذلك قبل أن يدخلا في صراع أدى إلى نشوب حرب أهلية.
وظهرت جماعة الحركة الوطنية الصومالية في أرض الصومال، في الثمانينيات من القرن الماضي.
وفي عام 1991، أعلنت “أرض الصومال” استقلالها من جانب واحد، بعد الإطاحة بالرئيس الصومالي سياد بري، لكنها لم تتمكن من الحصول على اعتراف دولي.
“مذكرة سوء تفاهم”
وفي مقابلة مع صحيفة “أوبزرفر” البريطانية، قال وزير خارجية أرض الصومال، عيسى كايد، إن صفقة الميناء مع إثيوبيا “ستضفي الشرعية على تقرير مصيرنا”، لافتا إلى أنه يمكن أن يكون لها “تأثير الدومينو”، بحيث تدفع دول العالم الأخرى للاعتراف باستقلال الإقليم.
وأضاف: “الاعتراف بدولتنا هو ما كنا نناضل من أجله طوال هذا الوقت، وهو أهم شيء يمكننا تقديمه لشعب أرض الصومال”.
بيد أن إثيوبيا قالت إنها وافقت “فقط على إجراء تقييم متعمق تجاه اتخاذ موقف بشأن جهود أرض الصومال للحصول على الاعتراف”. وهنا يصف دبلوماسي غربي، في تصريحات لصحيفة “غارديان”، الاتفاق بأنه “مذكرة سوء تفاهم”.
وأردف ذلك الدبلوماسي، الذي لم يكشف عن هويته: “تصر إثيوبيا على أنها لم توافق على الاعتراف بأرض الصومال”.
“فوائد متبادلة”
لكن الناشط السياسي المؤيد لاستقلال “أرض الصومال”، أحمد دغالي، يصر في حديثه إلى موقع “الحرة”، أن “الاتفاق يجب أن يضمن اعتراف أديس أبابا ببلادنا”.
وتابع: “تلك الاتفاقية مع إثيوبيا ستمنح أرض الصومال العديد من المكاسب، حيث يشمل الاتفاق الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة، وذلك بعد استقلالها من جانب واحد عام 1991، مما قد يشكل نجاحًا بالنسبة لها على الصعيد الإقليمي، ويضمن لها الحماية من أي تهديدات إقليمية قد تتعرض لها من جانب الحكومة الصومالية”.
ونوه دغالي إلى أن الاتفاقية” تتضمن مكاسب اقتصادية للإقليم، تتمثل في حصة من الخطوط الجوية الإثيوبية، والاستثمار في البنية التحتية، وتطوير الطرق والموانئ البحرية، فضلاً عن تعزيز السياحة”.
وعن دوافع إثيوبيا لتوقيع هذا الاتفاق، رأى الباحث والمختص في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، بتصريحات لموقع الحرة، أن “أول دافع لدى آبي أحمد هو رغبته في توحيد شعبه حول قضية قومية جديدة، خاصة بعد الانتهاء من مرحلة كبيرة من أعمال إنشاءات سد النهضة”.
وأضاف: “إثيوبيا تعاني الآن من اضطرابات كثيرة، فلديها مشاكل في إقليم تيغراي مع (جبهة تحرير شعب تيغراي)، بالإضافة إلى أن قوات الحكومة المركزية تخوض معارك شرسة مع ميليشيات جيش تحرير أورومو، كما أن آبي أحمد يعاني إشكاليات كبيرة مع قومية الأمهرة، التي تعد من القوميات الكبيرة في البلاد والمتهمة بأنها تسيطر على مقاليد الدولة العميقة”.
وزاد: “إذا نظرنا إلى تلك العوامل، نجد البلاد تعاني اضطرابات خطيرة بسبب خلافات الحكومة مع 3 أكبر قوميات في البلاد، بما تشكله من ثقل سياسي واقتصادي وديموغرافي، ناهيك عن أن علاقات أديس أبابا غير جيدة مع إقليم أوغادين، الذي تسكنه قبائل تمتد جذورها إلى الصومال، لذا فإن آبي أحمد محتاج داخليا إلى مثل هذا الاتفاق، على أمل إعادة اللحمة الوطنية للالتفاف حوله”.
في المقابل، قال المحلل الإثيوبي أنور أحمد لموقع “الحرة”، عن الدوافع الأساسية للاتفاق: “استخدام أديس أبابا لموانئ أرض الصومال، خاصة ميناء بربرة، سيسمح لإثيوبيا باستيراد وتصدير البضائع، مما يقلل اعتمادها على منفذ بحري واحد هو ميناء جيبوتي”.
“مآرب جيو-استراتيجية”
من جهة أخرى، رأى تورشين أن هناك “مآرب جيو-استراتيجية لدى حكومة آبي أحمد، حيث تريد إثيوبيا أن يكون لها تأثير على أمن البحر الأحمر، خاصة أنه عندما دعت السعودية إلى اجتماع للدول المتشاطئة على ذلك البحر، فإن إديس أبابا لم تكن مدعوة، لذا فإن حصول إثيوبيا على منفذ على البحر الأحمر يمكن أن يمنحها التأثير والنفوذ”.
وفي هذا السياق، أكد الكاتب الإثيوبي، أحمد: “من خلال الاتفاقية ستعمد إثيوبيا إلى تطوير التعاون الأمني والعمل تحقيق الاستقرار وضمان أمن البحر الأحمر، لتصبح بذلك شريكة للدول التي لها مصالح في ساحل خليج عدن والبحر الأحمر، وهي منطقة تكثر فيها عمليات قرصنة من حين إلى آخر”.
وزاد: “قد تلعب أديس أبابا في المستقبل عدة أدوار محورية، من خلال توقيع اتفاقيات مع دول أخرى للمساهمة في فرض الاستقرار في تلك المنطقة، وذلك بالرغم من أن بعض الأطراف قد ترى أن التحرك الإثيوبي قد يضر بمصلحتها”.
أما بشأن التناقض بين تصريحات قادة إقليم أرض الصومال ومسؤولين من إثيوبيا بشأن الاعتراف باستقلال الإقليم، أجاب غالي: “بالنسبة لي لا أرى وجود أي تناقضات. خلال الأسابيع المقبلة سنشهد صدور بيانات رسمية من الطرفين بشأن بنود الاتفاقية”.
هل تندلع الحرب؟
وبشأن وقوع حرب بين أديس أبابا ومقديشو، أجاب تورشين: “لا أتوقع حدوث ذلك، فالصومال لا تزال دولة ضعيفة وأجزاء كبيرة من أراضيها لا تزال خاضعة لسيطرة مسلحي حركة الشباب الإرهابية”.
وتابع: “وفي حال اندلاع حرب، فإن إثيوبيا قد لا تدخلها بشكل مباشر، وإنما تكتفي بدعم الفصائل المسلحة المناوئة للحكومة الصومالية”.
ورأى تورشين أن حدوث مثل هذا السيناريو، سيكون له تأثيرات وتداعيات كبيرة جدا على منطقة القرن الأفريقي، موضحا: “دول تلك المنطقة تشهد اضطرابات حقيقية، فهناك حرب في السودان، ونظام مأزوم في إرتيريا، وحكومة هشة في الصومال، بالإضافة لتعقيدات أمنية وسياسية كبيرة في دولة جنوب السودان”.
وتابع: “مصر أيضا ستتأثر بشدة من تلك الحرب، لأن اضطراب الأوضاع في البحر الأحمر سيضر بأمنها القومي واقتصادها (في ظل تأثر الملاحة عبر قناة السويس)”.
من جانبه، توقع دغالي عدم وقوع حرب، مضيفا: “بالأساس توجد قوات إثيوبية في الصومال لمحاربة الجماعات الإرهابية، وبالتالي لن يكون من المنطق أن تحارب مقديشو دولة تكافح التطرف المسلح على أراضيها”.
وكان قد تم نشر قوات إثيوبية من قبل أديس أبابا، كقوات حفظ سلام غير تابعة للاتحاد الأفريقي، لدعم الحكومة الصومالية في قتالها ضد حركة “الشباب”، ولحراسة الحدود لمنع الإرهابيين من العبور إلى إثيوبيا.
وتخوض الحكومة الصومالية منذ سنوات حربا ضد حركة “الشباب” الإرهابية، التي تأسست مطلع عام 2004، وتبنّت عدة تفجيرات داخل البلاد.
واتفقت جيبوتي وإثيوبيا وكينيا، في فيفري من العام الماضي، على بدء ما وصفته بعمليات “بحث وتدمير” لحركة الشباب، بالتعاون مع قوة حفظ السلام التابعة لـ”الاتحاد الأفريقي”، التي من المتوقع أن تغادر الصومال بحلول نهاية العام الجاري.
و أشار خبراء إلى أن هذا الاتفاق سيتحول إلى “ملف خلافي جديد” مع مصر، يضاف إلى أزمة سد النهضة، الذي فشلت المفاوضات، حتى الآن في تحقيق تقدم بشأنه، وذلك وسط توقعات بتزايد وتيرة التوترات في القرن الإفريقي بشكل عام.