الرئيسية
أخر الأخبار

الماء هو الحياة

(هذا النص مقتطف من كتاب مع بعضنا ننجحو، لمحمد لطفي المرايحي، الكتاب الذي نشره بنية تقديم برنامجه الانتخابي، قبل أن يقع إلقاء القبض عليه والظج به في السجن مع حكم بمنع الترشح مدى الحياة، وهذا النص يعكس من جدية البرنامج الرئاسي المقترح من قبله والاختلاف البين في معالجة النص الانتخابي مقارنة بنصوص أخرى)

محمد لطفي المرايحي
محمد لطفي المرايحي

لو تمت ترجمة مخاوفنا من ندرة المياه إلى إجراءات ملموسة وأفعال لكنا قد تداركنا اليوم أمرنا وطردنا شبح المخاطر المحدقة بنا، فالخبراء لم يكفوا عن تحذيرنا من المخاطر ودق نواقيس الخطر دون أن يجدوا آذانا صاغية ولا عزائم صادقة، ومن بين ما أستحضر في هذا الصدد تحديدا دراسة أعدها بعناية مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية منذ ثلاثين سنة وقد ضمنها حلولا وأهدافا مع رزنامة تحدد أجال تنفيذها، إلا أن جميع التحذيرات والدراسات لم تعرها السلطات اهتماما ولم تجد طريقا للتجسيد وظلت حبرا على ورق.

وفي سنوات شبابي الأولى، كثيرا ما استمعت لبورقيبة يقتبس عن المؤرخ شارل أندريه جوليان مقولة مفادها أن المغرب بلد به كثير من الجبال والمياه والجزائر بلد به جبال ومياه أقل، وتونس بلد قليل الجبال والمياه، إلا أن التغيرات المناخية ألقت بظلالها على هذه البلدان وأصبح جميعها يشكو ندرة المياه وتراجع منسوب التساقطات.

وبعد تجاهلها لردهة من الزمن وبعد سنوات متتالية من انحباس التساقطات عادت مشكلة المياه لتطرح نفسها بشكل ملح وقد أصبحنا نواجه حالة طوارئ مائية، وفي غياب الحزم والقدرة على المبادرة والإبداع ظل الكلام طاغيا على الأفعال. وأصبح التونسيون يكابدون الانقطاع المتكرر للتزود بالمياه، وقاد استنزاف احتياطي المياه إلى فرض قيود صارمة على المزارعين أعاقت نشاطهم. وكان من تبعاته أن ارتفعت أسعار المنتجات الفلاحية بشكل غير مسبوق.

فحالة الطوارئ أمر حاصل والبدائل محدّدة والهدف مرسوم وما علينا إلا العمل بها للترفيع من مستوى الموارد المائية المتاحة من 385 م للفرد في السنة إلى عتبة 500م” والتي دونها نتردى في حالة الفقر المائي. ولا يمكن أن نخلص إلى الحل باعتماد خيار واحد، بل علينا تبني مزيج من الخيارات المتعددة يوفر كل واحد منها نصيبا، وتحديد الحصة العائدة لكل خيار يتم عبر تحكيم بين الموارد المالية المستوجبة لتحقيقه من جهة ومردوديته ونجاعته من جهة أخرى.

وأولى الخطوات تكمن في معالجة معضلة ضياع المياه أثناء نقلها، وتقدر الكميات المهدرة حسب تقرير محكمة المحاسبات بنسبة 60% من مياه الشمال و40% في ما يخص شبكة التوزيع الراجعة للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، وتعكس هذه الأرقام المذهلة مدى تدهور الشبكة الحالية التي لم تتم صيانتها أو تجديدها بشكل كاف بسبب نقص الاعتمادات المرصودة للغرض. إن الاستبدال التدريجي السنوي للشبكة بمعدل 3.31% مقابل أقل من 0.5% حالياً سيوفر حوالي 455 مليون م3 سنويًا بما يقابل 38 م لكل مواطن.

وينبغي أن يقع الاعتماد على المواد الاسمنتية المنتجة محلياً لصناعة الأنابيب البديلة، وينبع هذا الاختيار من توجهنا للحد من استيراد المواد الخام وبالتالي من نزيف العملات الأجنبي، وعليه فمن الضروري إنشاء معامل تصنع هذه الأنابيب. وتبلغ الكلفة الاستثمارية لإنشاء مصنع لإنتاج الأنابيب 100 مليون دينار تونسي، وهو قادر على إنتاج 700 كلم من الأنابيب سنويا مع توفير 3000 موطن شغل.

أما الخيار الثاني فيقوم على إعادة تدوير واستخدام مياه 3 الصرف الصحي التي يمكن أن نوفر منها 150 مليون م سنويا بمعدل 12.5 م لكل مواطن توجه هذه المياه لري المناطق الخضراء، وتنظيف الطرق والمركبات وغيرها، علماً أن هذه الأرقام لا تخص سوى 25% من المياه المستعملة المتوفرة، مما يشير إلى إمكانية مواصلة تطوير استغلال هذا المصدر عند استيفاء الشروط المطلوبة، وتبلغ الكلفة الاستثمارية للمشاريع 104 مليون دينار تونسي وهو قادر على توفير 434 موطن شغل.

أما تحلية مياه البحر، فإن اعتمادها لازال محصورا في عدد قليل من المشاريع المتواضعة التي لابد من تطويرها، إلا أن التوسع فيها يظل محكوما بسعر كلفتها الباهظة نظرا لاحتياجاتها من الطاقة، والهدف الذي رسمناه هو البدء بتوفير 10% من الاحتياجات الوطنية اعتمادا على المياه المحلية أي 550 مليون م

سنويا بما يعادل 46 م لكل مواطن. وسيتم ضخ المياه المحلات مباشرة في الشبكة الحالية للتوزيع وفوترتها للمصنعين وأصحاب الفنادق بسعر كلفة الإنتاج وهي في حدود 3 دنانير / م” أي بزيادة قدرها دينار واحد مقارنة بالفوترة الحالية، وتجدر الإشارة إلى أن استخدام أي نوع من الطاقات البديلة في عمليات تحلية مياه البحر لن يؤدي إلا إلى زيادة تكاليف الإنتاج ويفقدها كل مردودية.

كل هذه الخيارات لا تعفينا بأي حال من الأحوال من الجهد اللازم لترشيد استخدام المياه، وليس فقط للمخصصة للاستخدام المنزلي، ولكن وقبل كل شيء لتلك المستعملة في الأنشطة الزراعية، إذ يجب أن يصبح الري المرشد والمحكم جزءا من ثقافة المزارع وضمانة لاستدامة نشاطه.

ويقع على عاتق الدولة مسؤولية تقديم المساعدة للفلاحين وتيسير سبل تمويلهم حتى يعمم استعمال أنظمة الري المقتصد، وهذا الإجراء قادر على توفير 5% من نسبة المياه المتاحة وحمايتها من الإهدار، وبذلك ستبلغ كمية المياه التي سيتم توفيرها حوالي250 مليون م سنويا : 21 م لكل بما يعادل مواطن.

واعتمادا على مزيج الخيارات الذكورة وطبقا لحصص التدخل المشار إليها فإنه باستطاعتنا توفير 117.5 م للفرد في السنة وبذلك نبلغ عتبة 500م للفرد وننجو من خطر الفقر المائي، حيث نكون قد وفرنا 38 م من تجديد وصيانة شبكات النقل والتوزيع و 12.5م من إعادة تدوير واستغلال المياه المستعملة و 46 م من تحلية مياه البحر و 21 م من ترشيد الاستهلاك في الاستعمالات الخاصة وأساليب الري، وتبقى هذه الخيارات مفتوحة على تدابير إضافية من شأنها أن تجنبنا الشح المائي وتضمن أمننا المائي ومنه أمننا الغذائي والزراعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.