بيك نعيش لمهدي البرصاوي : يطلعش ولد حرام حتى هو؟
مهرجان القاهرة السينمائي- محمد بوغلاب
وأنا أرتشف قهوة امريكية في الفضاء المستحدث هذا العام لمطاعم الاكلة الخفيفة لرواد جمهور مهرجان القاهرة السينمائي في الردهة الرئيسية بدار الاوبرا، وجدت نفسي قبالة سيدة تونسية تظهر عليها علامات الصورة النمطية لمن لازم مقاعد الدراسة سنين طويلة
بعد ان قدمها لي صديق مصري بانها تونسية، لم نجد ما نقوله، بادرت بكسر الجليد سالتها، هل ستحضرين فيلم”بيك نعيش” بعد قليل؟
ردت بشيء من الاشمئزاز”آش باش نعمل وإن شاء الله ما يطلعش كي الافلام التونسية الكل”
بصراحة ولاني ما نهنيش روحي، لم استلطف ردها، يقول قائل”آش يهمك و من حرق شعيرك، لست مسؤولا عن السينما التونسية، هو وزير الثقافة بجلالة قدره لا يرد على هاتف منتج استنجد به ليتدخل لتقديم التسهيلات الضرورية والقانونية لفيلم اجنبي يصور في تونس، اما كتابته فلا تملك سوى”السيد الوزير في اجتماع” والوزير بين اجتماع و اجتماع في حفل تكريم ، كان الله في عونه وسهل عليه مغادرة الوزارة خفيف الظل
اعود الى السيدة صاحبة النظارات السميكة، قلت لها” شبيها الافلام التونسية الاخرى؟ شنوة مشكلها؟
قالت : يزينا من حكايات كل وحدة عندها ولد حرام
قاومت رغبتي في ان اصرخ في وجهها؟ هل هذا ما خرجت به من الجامعة التي درست فيها؟
ولد حرام؟
كنت اود ان اقول لها:حرام عليك ان تستعملي هذه العبارة
انت امراة ويفترض ان تكوني اكثر لطفا وحنانا ورفقا برضيع جيء به في سياق لا يقبله المجتمع
غالبت نفسي وسكرت فمي، مسكت اعصابي وسألتها مع ابتسامة صفراء: هل تشاهدين افلاما تونسية باستمرار؟
اجابت بعد زفرة عميقة : من عام 2002 لم اشاهد اي فيلم
تخيلت نفسي اقف وامسكها من شعرها او ادفعها من فوق الكرسي الخشبي الذي وضعت مؤخرتها العريضة عليه
من عام 2002 لم تشاهد ي اي فيلم تونسي وتسمحين لنفسك بتقييم السينما التونسية
يا بنت الايه…
وضعت الفنجان البلاستيكي جانبا وجمعت اغراضي مسرعا ولعنت ابليس مرتين وغادرت مسرعا نحو المسرح الكبير لمشاهدة “بيك نعيش” لمهدي البرصاوي الذي اختارته ادارة مهرجان القاهرة السينمائي لافتتاح قسم آفاق السينما العربية
والحقيقة ان مهرجان القاهرة تصالح مع السينما التونسية خلال الخمس سنوات الاخيرة، احتاج الى ذاكرة المنتج حسن دلدول ليحدثنا عن معاناته لتوزيع فيلم شيشخان في بلاد المعز ، فقد اضطر لدبلجته الى اللهجة المصرية ومع ذلك لم يعرض الفيلم يوما في مصر مع ان بطله هو جميل راتب
وحتى افلامنا التي كانت تدعى لمهرجان القاهرة فهي كمالة عدد، وعشان تطلع الصورة حلوة
الحق الحق، شيء ما تغير منذ عاد سمير فريد رحمه الله الى مهرجان القاهرة ليضع المهرجان على سكة النجاح، وبعد رحيله، لعلي لا ابالغ إن قلت أن من تسلم الامانة هو المدير الفني الشاب للمهرجان احمد شوقي، سينمائي التكوين، مصري الضحكة ، ولكن عقليته اوروبية، لا يكل من متابعة الافلام ولو كانت مشروعا جنينيا، وليس غريبا ان يقترن حضور السينما التونسية في السنوات الاخيرة بافاق السينما العربية القسم الذي يديره مباشرة احمد شوقي
ففي الدورة 39 عرض فيلم الجايدة لسلمى بكار، وفي العام الماضي توج فيلم فتوى لمحمود بن محمود بجائزة سعد الدين وهبة لافضل فيلم عربي، وهذا العام يتم اختيار “بيك نعيش” لمهدي البرصاوي لافتتاح قسم افاق السينما العربية
هو الفيلم الاول لمخرجه مهدي البرصاوي، ولكن سمعة الفيلم سبقته الى القاهرة، فقد فاز نجمه سامي بوعجيلة بجائزة افضل ممثل في قسم آفاق بمهرجان البندقية السينمائي كما عرض الفيلم في لندن وانطاليا ولقي ترحابا واسعا جماهيريا ونقديا
وسامي بوعجيلة موش اي حد فقد فاز بجائزة افضل ممثل في مهرجان كان عام 2006 عن فيلم الاهالي لرشيد بوشارب وهو ممثل ذو صيت عالمي
ومهدي البرصاوي رغم صغر سنه سبق له التتويج في مهرجان دبي السينمائي قبل ان ينتقل المهرجان الى الرفيق الاعلى، اذ فاز مهدي بجائزة افضل فيلم عربي عن شريطه القصير”خلينا هكة خير” عام 2016
قصة الفيلم متاحة لمن اراد مشاهدة الفيلم، فارس (سامي بوعجيلة) رجل اعمال تونسي استقر في وطنه بعد سنوات من الاقامة بفرنسا، يدير مشروعا يواجه صعوبات بسبب اضرابات عمالية شهورا قليلة يعد سقوط نظام بن علي الثورة-14 جانفي 2011
ترافقه زوجته مريم-نجلاء بن عبد الله- وابنهما الوحيد-عزيز- الى تطاوين اقصى البلاد
كانت الاجواء داخل عالم السيارة الفارهة المغلق مبهجة، عالم الاغاني الراقصة والفرحة ، والحديث عن سفر الزوجة القريب الى دولة خليجية حيث ينتظرها عملها الجديد
تتغير الاحداث بإطلاق رصاص متبادل بين دورية امنية وجماعة ارهابية في أحد المنعرجات الجبلية، يصاب الطفل إصابة خطيرة في كبده وينقل ألى مستشفى الجهة، حيث كل شيء فيه يدل على بؤس الحال وضيقه
يمر الفيلم الى نسق اسرع في مواجهة الوضعية الجديدة ، كيف يمكن انقاذ الطفل عزيز ؟ هل تجرى عليه عملية جراحية في المستشفى المحلي او ينقل ألى تونس العاصمة البعيدة ؟
يستقر الراي على الابقاء عليه حيث هو، تغيرت وجهة الاحداث، لا بد من متبرع بجزء من كبده، تجرى التحاليل الضرورية وهنا المفاجأة الصدمة، فارس ليس الاب البيولوجي لعزيز
آه،هل كانت تلك السيدة صاحبة النظارات السميكة على حق؟ باش يطلع الفيلم يتحدث مثل سائر الافلام التونسية عن ولد حرام؟
خوفي أن تطلع السينما التونسية نفسها بنت حرام؟
علينا أن نسأل وزير الثقافة أن وجدنا فرصة الحديث إليه وهو يدشن ويفتتح ويختتم ويكرم ويضغ حجر الاساس …أعانه الله
ربما لم تعن لي تفريعات الفيلم شيئا كثيرا، الحرب في ليبيا، تجارة الأعضاء، بحث مريم عن صديقها الاب الطبيعي لعزيز …لم يكن ذلك مهما بالنسبة إلي،
ما شدني هو الاداء المذهل لسامي بوعجيلة، نظراته، غضبه، ملامح وجهه الحزين المتألم، يرفض فارس أالقبول بفكرة انه ليس الاب، لا يتصور نفسه دون عزيز
ليس اباه البيولوجي؟ طز؟ واين المشكل؟ هو من رباه، هو من وضعه في عينيه ونزله في قلبه ، كيف يقول الطبيب أن عزيز لا يمكن ان يكون إبنه؟ كيف يجرؤ على ذلك
ابدا، لا يمكن لعزيز ان يكون ولد حرام
اما نجلاء بن عبد الله المدينة لسامي الفهري بمسيرتها كممثلة فقد علق الكاتب الروائي المصري الكبير سعد القرش على أدائها”كيف تخبئون هذه القطة عندكم وترسلون الينا درة ؟