خطاب الرئيس، أمنيات..أمنيات
في خطبة رأس السنة ظهر قيس سعيد كما هو دائما مفرط الجدّية، متيبّس الملامح، شديد التوتّر. وجاء صوته كما هو دائما: حربيّا، وعظيّا. وجاءت كلماته كما عهدناها: محفوظة، خشبيّة، محايدة، لا روح فيها.
خطاب الرئيس قائم عموما على ما يقوم عليه الخطاب السياسي الديني المحافظ، حيث تبقى السلطة في جوهرها تكليفا إلهيّا، وحيث يعتقد قيس سعيد أنّ “صدقه” في تحمّل مسؤولية الرئاسة يكون أمام الله ثم أمام الشعب، وحيث تكون الرئاسة تكليفا ربّانيا لا فعلا انتخابيا دنيويّا محضا، وهو ما يعني أن السيد الرئيس يتحدّث عن “الحساب” لا عن “المحاسبة”!
وخطاب الرئيس مملوء بالتكرار، تكرار الشعارات “الشغل” و”الحرّية” و”الكرامة”، وهي شعارات يرفعها الجميع، لا فضل فيها لأحد على آخر، ولا جديد فيه، بل أصبح أقرب إلى السخرية من الناس الذين لم تحمهم هذه الشعارات من الخصاصة والمرض والإحباط خاصة. وتكرار الشعارات المفرغة من أيّ قيمة سياسية “سنحقّق النصر تلو النصر”، و”الشعب التونسي يضرب المواعيد مع التاريخ”.. وتكرار أنّ “حقوق المرأة محفوظة” و”لا مجال للتّراجع عنها” في مناسبة لا تتطلّب الحديث عن حقوق المرأة تحديدا.
وخطاب الرئيس متورّم بالبديهيات التي لا تضيف شيئا وغيابها أفضل من حضورها مثل قوله في مفتتح كلمته “مرّت سنة وستمرّ سنوات”، أو سنمضي إلى الأمام” أو “عقارب الساعة لن تتوقّف حتى يرث الله الأرض ومن عليها”، أو “ينساب الزمن كما دائما”، كلام يطبع الخطاب ببلاغة تقليدية مجانية.
ولكن خطاب الرئيس حاول أن يكون خطابا سياسيا في أكثر من وجه:
ـ هو خطاب التّبرير، ولا مجال لنجاح الخطاب السياسي دون أن يلجأ إلى التبرير، أي إلى الدّفاع عن نفسه أمام أتباعه وأمام خصومه خاصة، وقد انتهج قيس سعيد التبرير حين دافع عن مواقفه في السياسة الخارجية وعن “مبادرته” في ليبيا. وبرّر كذلك وإن ضمنا استقباله لأردوغان وما دار من كلام حول “تحالف” تونس مع تركيا أو “اصطفافها” مع محور ضدّ آخر. والتبرير في الخطاب السياسي من دلالاته وجود السياسي في مأزق أو في أزمة وهو يحاول الخروج منها أو الإنقاص من تبعاتها.
ـ يبدو أنّ السيد الرئيس لم يتخلّص بعد من حلاوة الحملة الانتخابية وما أدّت إليه من نجاح ساحق لم يتوقّعه هو نفسه فقد بقي قيس سعيد شديد الوفاء لوعوده الانتخابية كضرورة التشغيل والعناية بالشباب العاطل والعناية بالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي وحقوق الإنسان كأن يقول “لا بدّ من التوجّه إلى الشباب” أو “أملنا الاستجابة لمطالب التونسيين” أو “نريد أن نعبّد الطريق ونحدّد معالمها”.. خطاب يخفي الوعي اللازم بمحدودية القدرة على تنفيذ الشعارات التي حملت قيس سعيد إلى قصر قرطاج.
خطبة الرئيس ليلة رأس السنة تبدو حماسية في معاجمها وبلاغتها وخاصة في تنغيمها الصوتي ولكنّها خطبة ضعيفة المحتوى السياسي محدودة الجانب التنفيذي. خطبة صورة لمؤسسة الرئاسة في تونس ما بعد الثورة
*منقول عن صفحة الدكتور آمنة الرميلي