اول الكلام
العميد ناجي البكوش: مصالح البلاد التي أصبحت رهينة بين أيدي يصعب عليك تصديق أنها أمينة.
لست من الساعين لنقد أو انتقاد المؤسسات والمشرّع عن طريق وسائل الإعلام التي أُجلّ دورها أو عن طريق التواصل الاجتماعي خاصة في هذا الظرف الصعب الذي نحتاج فيه للتآزر.
ولكن اطلاعي على مشروع القنون الذي أقرّته لجنة النطام الداخلي والمتعلق بالتفويض لرئيس الحكومة باتخاذ مراسيم عملا بالفصل 70 من الدستور يدفعني للتنديد الشديد بما عمدت إليه اللجنة من تقويض لمشروع قانون كان بالإمكان أن يكون أفضل من حيث صيغته المقدمة . وقد كان من الأجدر أن يقتصر المشروع الحكومي على تحديد “الغرض المعين” لا غير دون سرد قائمة مجالات فتحت المجال للمناورات من قبل النواب في الوقت الذي تجابه البلاد مخاطر الوباء وتبعاته الاقتصادية والاجتماعية.
وأدخلت اللجنة البرلمانية تعديلات جوهرية وكأنها لا تعرف مآل التغييرات الجوهرية المدخلة على مشاريع القوانين وفقا لفقه القضاء الدستوري عندنا منذ سنة 2015.
وسمحت اللجنة لنفسها صياغة إجراءات وشروط لتقييد صلاحية سن المراسيم (الفصل 2) وهو ليس من متعلقاتها. فهذه من قبيل الأحكام الدستورية إذ كان بإمكان الدستور أن يضع أحكاما من هذا القبيل. وأما البرلمان فمن حقه أن يمنح أو لا يمنح ولكن ليس له أن يعمد لصياغة إجراءات التشريع ضمن قانون تفويض. له حق تدقيق غرض التفويض لا غير.
كما سمحت اللجنة لنفسها صلب نص ظرفي بسن قواعد لا يمكن أن تكون إلا صلب النظام الدخلي للمجلس (الفقرة الثالثة من الفصل الثاني) في خرق للفصل 52 من الدستور. خرق من طرف “لجنة النظام الداخلي” ….
وأكثر من ذلك سمحت اللجنة البرلمانية لنفسها أن تضيف فصلا يقر بإخضاع المراسيم لمراقبة الهيئة الوقتية لمراقبة مشاريع القوانين وذلك في خرق فضيع للفصل 148 الفقرة 7 من الدستور الذي يحصر دور الهيئة- وكما يدل عليها اسمها- في مراقبة مشاريع القوانين لا غير. عندما تأتي المراسيم للمجلس قصد المصادقة عليها أو رفضها أو تعديلها، عندها يتدخل القاضي الدستوري المؤقت قبل ختم مشاريع القوانين.
ولا فائدة في التأكيد على خلط في المفاهيم عند الاشارة للموظفين وتغافل النص عن أعوان المنشآت العمومية وعدم حرفية في كتابة النص.
ولكن ما تضمنته وثيقة اللجنة تقويض للمشروع وليس تفويض لا مبرر له لأن الكلمة ستعود للمجلس الذي سيحاسب الحكومة إن انحرفت بالتفويض عن هدفه. ثم لننظر ماذا يحدث في بلدان ديمقراطية التي لا تتحرّج في التفويض للتشريع بمراسيم.
أنا أعلم أن الحسابات السياسية تدفع بأصحابها لارتكاب سلوكيات غريبة بالنسبة لغير ممتهني السياسة. لكن ما أقدمت عليه اللجنة البرلمانية يعتبر من قبيل المغامرة التي تتجاهل مصلحة البلاد خاصة وأن تونس تواجه خطر الوباء وخطر التوتر الاجتماعي بسبب الأحوال المعيشية لشرائح عريضة من الناس. أقولها صراحة – وأنا مستقر داخل البلاد وبعيد عن الحكومة التي ليس لي أي علاقة بها : أنه تلاعب بمصالح البلاد التي أصبحت رهينة بين أيدي يصعب عليك تصديق أنها أمينة.
شيء إنطّق ….”
-ناجي البكوش، عميد سابق لكلية الحقوق بصفاقس