اول الكلام
منذر الزنايدي :25 جويلية بين الاعتزاز والشك والأمل
شاءت الأقدار أن تجعل من 25 جويلية يوما ليس كبقية الأيام في وطننا العزيز. هو يوم تزدحم فيه الأحداث السارة والأليمة ويختزل لوحده قصة وطن صنع من ضعفه قوة وللأسف أحيانا من قوته ضعفا…وطن فريد ليس كبقية الأوطان: اليوم الذي يحتفي فيه بإعلان جمهوريته، هو أيضا اليوم الذي يرثي فيه اغتيال أحد رموز هذه الجمهورية ووفاة أحد عناوينها الكبرى.
تمر اليوم 63 سنة عن إلغاء النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري بتونس. يوم غير مجرى التاريخ في وطننا وحول التونسيين من رعايا إلى مواطنين والحكم المطلق السلطوي إلى إرادة شعب تتجسد من خلالها قيم المواطنة والكرامة والحرية والمساواة. هنيئا لنا جميعا عيد الجمهورية، علينا استثمار هذه المناسبة لنستحضر أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا وأن حدة الانقسامات التي تعيشها بلادنا اليوم هي خطر يتهدد مكاسب الجمهورية وعائق يحد من قدرتها على مجابهة الأزمة متعددة الأبعاد التي تعيشها.
وتمر اليوم 7 سنوات منذ الاغتيال الغادر الذي ذهب ضحيته أحد أبناء تونس البررة، الشهيد محمد البراهمي. عمل إرهابي شنيع جاء ليحذر التونسيين من أن جمهوريتهم ليست في منأى عن الانتكاسات وأن هناك من يتربص بها ولا يريد لها أن تكون نموذجا يحتذى به. اغتيال البراهمي حول الانتشاء بحلول الجمهورية الثانية إلى مخاوف من ضياع الجمهورية الأولى وأوقع البلاد في دوامة الخوف والشك.
25 جويلية أيضا يصادف الذكرى الأولى لرحيل الرئيس الباجي قائد السبسي، رجل عاصر نشأة الجمهورية الأولى واقترن اسمه بها حيث كان حاضرا في كل المحطات التي مرت بها وكل الاختبارات التي كادت تقوض أركانها. كان الفقيد ضامنا لاستمرار الجمهورية حيث سهل عملية الانتقال الديمقراطي وأتاح للجمهورية أن تخوض انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة في خريف 2011. قد نختلف مع الفقيد في طريقة إدارة الحكم وإدارة الرجال، إلا أن لا أحد ينكر فضل الرجل في تجنيب البلاد خطر الانقسامات والنرجسيات والمغامرات ونزوع البعض إلى الانتقام والتشفي والاحتراب وتصفية الخصوم واستعدادهم حتى التضحية بركن هام من أركان الجمهورية: السيادة الوطنية. ليس غريبا أن يكون الفقيد أول رئيس منتخب مباشرة من الشعب بعد 2011 (ديسمبر 2014/ جويلية 2019) وأول رئيس للسلطة التنفيذية بعد الثورة (جوان 2011/ ديسمبر 2011)، وليس غريبا أن يكون أكثر المدافعين عن مبادئ المصالحة والوفاق والتجميع والوحدة الوطنية.
اليوم والبلاد تعيش تحت وطأة “حكم الأحزاب” ما أحوجنا إلى استذكار مقولة الفقيد “الوطن قبل الأحزاب” وما أحوجنا إلى العقلاء مثله لتغليب المصلحة العامة على المصالح الفئوية والحزبية.
كانت وفاة الباجي رحمه الله وما استتبعها من انتقال سلمي للسلطة- أبهر العالم- أفضل تكريم لمسيرة رجل المصالحة والوفاق. رحل الباجي وترك للجمهورية أفضل حصن تتحصن به من أعدائها والمتربصين بها : التداول السلمي على السلطة. يوم 25 جويلية هو يوم “اعتزاز وطني” بنشأة الجمهورية وهو أيضا يوم “شك وطني” إثر اغتيال الشهيد محمد البراهمي ولكنه سيبقى يوم “أمل وطني” كما بينته مسيرة الباجي قائد السبسي. ” أمل وطني” أن الجمهورية هو ما نشيده معا كل يوم. كلنا مدينون للباجي قائد السبسي بهذا الأمل وبترسيخ ثقافة التداول السلمي على السلطة وبأن يكون ليوم 25 جويلية “غد مشرق” نصنعه معا بالأمل والعمل ومكافأة الاستحقاق. رحم الله الباجي قائد السبسي ومحمد البراهمي، حفظ الله بلادنا وجمهوريتنا.