هجوم أم حادث عرضي؟.. فرضيات عن انفجار مرفأ بيروت
تفجير قنبلة، انفجار مفرقعات، هجوم، حادث عرضي لمواد شديدة الانفجار: فرضيات حاولت تفكيك لغز مشهد بيروت المنكوبة، في أقل من 24 ساعة.
وخلف الانفجار حوالي 135 قتيلا وخمسة آلاف جريح، وألحق أضرارا بمبان ومنشآت تاغطي نحو نصف مساحة العاصمة اللبنانية.
ووقع التفجير عند الساعة السادسة عصرا بالتوقيت المحلي، وهز العاصمة بالكامل، وطالت أضراره كافة أحيائها حيث تساقط الزجاج في عدد كبير من المباني والمحال والسيارات.
ومن شدة الانفجار، قال أشخاص في جزيرة قبرص المواجهة للبنان إنهم سمعوا صوت دوي الانفجار أيضا، ومساء الثلاثاء، قال المعهد الأميركي للجيوفيزياء إن أجهزة الاستشعار الخاصة به سجلت الانفجار على أنه زلزال بقوة 3.3 درجات على مقياس ريختر.
مرفأ بيروت، بدا الثلاثاء أشبه بساحة حرب بعد وقوع الانفجار الضخم، حيث تحولت مستوعبات الشحن إلى ركام، واشتعلت النيران في باخرة ركاب في البحر، وسيطرت حالة من الهلع والذهول على المواطنين في كل مكان.
حتى الآن الحكومة اللبنانية لا تزال تحاول لملمة جراح بيروت التي أضحت مدينة منكوبة، إذ شكلت لجنة تحقيق يترأسها رئيس الوزراء وعدد من الطاقم الحكومي وقائد الجيش، على أن تصدر تقريرها الرسمي للتحقيق خلال خمسة أيام.
الانفجار.. ما بين المفرقعات والمواد المصادرة
وبعد وقت قصير، تحدثت وسائل إعلام عن انفجار مفرقعات في أحد المستودعات، ونفاها سريعا مدير الأمن العام اللبناني، عباس إبراهيم، مساء الثلاثاء، وكشف أن الانفجار ناجم عن مواد “مصادرة وشديدة الانفجار”.
وقال إبراهيم “يبدو أن هناك مخزنا لمواد مصادرة منذ سنوات وهي شديدة الانفجار”.
وخرج رئيس الوزراء حسان دياب بعدها في كلمة متلفزة وقال إن “ما حصل لن يمر من دون حساب، سيدفع المسؤولون عن هذه الكارثة الثمن”، مضيفا “ستكون هناك حقائق تعلن عن هذا المستودع الخطير الموجود منذ 2014، أي منذ ست سنوات”.
نترات الأمونيوم
وأفاد مصدر أمني، الثلاثاء، لوكالة فرانس برس أن من المرجح أن يكون ما حصل ناجما عن انفجار شحنات قديمة من مادة “نيترات الأمونيوم والتي كانت موضوعة بطريقة عشوائية”، في العنبر رقم 12.
وعاد بعدها رئيس الوزراء اللبناني دياب، وكشف أن التفجير كان سببه 2750 طنا من نيترات الأمونيوم موجودة في مستودع في مرفأ بيروت.
وقال “من غير المقبول أن تكون هناك شحنة من نيترات الأمونيوم منذ ست سنوات في مستودع من دون اتخاذ إجراءات وقائية”، مضيفا “لن نرتاح حتى نجد المسؤول عما حصل ومحاسبته”.
الرئيس اللبناني، ميشال عون، قال في اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع إن “كارثة كبرى حلت بلبنان”، مشددا على أنه سيتم التحقيق في ما حدث وتحديد المسؤوليات، “لا سيما أن تقارير أمنية كانت أشارت إلى وجود مواد قابلة للاشتعال والانفجار في العنبر المذكور”.
وشكلت نيترات الأمونيوم مصدرا للعديد من المآسي، عرضية أو جرمية، في العالم خلال السنوات الماضية.
وأضاف “قابلت جنرالاتنا، ويبدو أنه لم يكن حادثا صناعيا. يبدو، وفقا لهم، أنه كان اعتداء. كان قنبلة ما، نعم”.
وعلق المرشح الديموقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن على انفجار بيروت، من دون أن يصف ما حدث بأنه اعتداء.
وكتب في تغريدة “قلوبنا وصلواتنا مع شعب لبنان وضحايا الانفجار المروع في بيروت.. وحث كلا من إدارة ترامب والمجتمع الدولي على حشد المساعدة فورا لآلاف الذين أصيبوا في الانفجار”.
ضربة إسرائيلية
وإحدى الفرضيات التي ظهرت الثلاثاء، قالت إن إسرائيل استهدفت مستودع سلاح تابع لميليشيات حزب الله المرتبطة بالنظام الإيراني، إلا أن مصدرا إسرائيليا أكد للحرة أن لا “علاقة لإسرائيل بالحادث”.
كيف وصلت نيترات الأمونيوم؟
في العام 2013، توقفت الباخرة “روسوس” التي كانت ترفع علم مولدوفيا في مرفأ بيروت قادمة من جورجيا في طريقها إلى الموزمبيق. كانت محملة بمادة نيترات الأمونيوم الكيميائية.
وكان يفترض أن تمر هذه الشحنة على شكل ترانزيت في بيروت، لكن خلال توقفها، ادعت شركة لبنانية لدى قاضي الأمور المستعجلة على الشركة المالكة لها، فتمّ الحجز عليها من القضاء، ثم إفراغ حمولتها، لأنها كانت تعاني من أضرار واهتراء. وغرقت السفينة لاحقا أمام مرفأ بيروت.
وأودعت شحنات نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 المخصص لتخزين البضائع العالقة والمصادرة.
العنبر رقم 12 وحزب الله
رغم عدم إلقاء مسؤولية ما حصل على أي جهة كانت، إلا أن خبراء استخبارات قالوا إنه قد يكون حادثا عرضيا، لكن تحركات حزب الله تثير الشبهات.
وأشاروا إلى أن مادة نيترات الأمونيوم، هي عبارة عن ملح أبيض عديم الرائحة يستخدم كأساس للعديد من الأسمدة النيتروجينية على شكل حبيبات، وعادة يشتريها المزارعون في أكياس كبيرة أو بالوزن، وهي منتجات غير قابلة للاشتعال ولكنها مؤكسدات، أي أنها تسمح باحتراق مادة أخرى مشتعلة.
مصدر أمني، قال لوكالة فرانس برس إن “القدرة التدميرية” للشحنات التي كانت موجودة في المستودع تعادل “بين 1200 و1300 طن من مادة تي أن تي”.
وبالتالي، فإن ما كان في هذا العنبر منتجات غير قابلة للاشتعال لوحدها، ولكن لها قدرة تدميرية هائلة، وهو ما لفت اهتمام خبراء الأمن، الذين بدأوا في تحليل مشاهد الفيديو، وأعمدة الدخان التي تحولت إلى اللون الأحمر فجأة. حيث قالت مصادر استخباراتية لشبكة فوكس نيوز الأميركية إن الانفجارات “ربما تكون عرضية على الأرجح”، لكن أنشطة حزب الله في الميناء تخضع للتدقيق.
ونقلت الشبكة عن مصادر متعددة القول إن معظم العمليات في الميناء كانت تحت سيطرة “غير رسمية” لحزب الله، فيما ظهرت مؤشرات على اندلاع حريق في مستودع متفجرات داخل المنشأة.
ويأتي ذلك في وقت يؤكد فيه كبار المسؤولين اللبنانيين أن الإهمال هو السبب وراء الحادث متعهدين بمحاسبة المتسببين.
وأشارت مصادر إلى عمليات الجريمة المنظمة التي كانت قد نفذت سابقا خارج الميناء، وهي مناطق يسيطر عليها حزب الله في المقام الأول، مضيفة أن الانفجار يحتمل أن يشمل “حاويات متعددة” ولكن ليس له صلة بالإرهاب.
وأشار مصدر استخباراتي آخر إلى أن “هناك احتمالا بشأن تخزين ألعاب نارية وبنزين وأسلحة معا”. وأضاف: “رسميا وقع الانفجار في مستودع للألعاب النارية والبنزين”.
وأكد المصدر أيضا أنه بناء على تحليل لمقاطع فيديو، فقد وقعت انفجارات صغيرة قبل ثوان مباشرة من حصول الانفجار الأكبر.
وتابع أن “الاختلاف في لون الدخان المتصاعد، يشير إلى وجود ألعاب نارية، ولكن أيضا لا يستبعد وجود أسلحة ومواد محتملة أخرى في المنطقة المجاورة”.
وأكد إرنست كريستيان كوخ، الخبير في المواد المتفجرة، أن الانفجار الذي وقع الثلاثاء (4/8/2020) في بيروت لا يمكن أن يكون قد حدث نتيجة لارتفاع حرارة الجو، وقال الخبير في لقاء حصري مع DW إن طبيعة الانفجار سمحت بمعرفة المواد المتفجرة.
DW: هل يمكن معرفة ماهية المواد المتفجرة، اعتماداً على دراسة لون الدخان وحجم الدمار وتسارع موجة الضغط الخاصة بالانفجار في مرفأ بيروت؟
إرنست كريستيان كوخ: تظهر مقاطع الفيديو المتداولة للانفجار وجود حلقة سحابة حمراء اللون، بالإضافة إلى النيران. وجود سحابة الفطر الأحمر. هذا اللون يأتي من ثاني أكسيد النيتروجين الأحمر، وهو غاز ينشأ عند تفكك نترات الأمونيوم، ,بالتأكيد يمكن أن يختلط الحطام الناتج عن الانفجار بالسحابة، لكن وجود اللون الأحمر هو علامة معروفة لوجود مادة نترات الأمونيوم.
وهل من الممكن أن يتولد هذا الانفجار من مواد مستخدمة في أمور الزراعة؟ وهل يمكن التفريق بين المواد المستخدمة زراعيا وغيرها المستخدمة عسكريا من خلال قوة الانفجار الحاصل؟
إرنست كريستيان كوخ: تظهر الصور الجوية الواردة من موقع الحدث، وجود حفرة عميقة، أقدر طول هذه الحفرة بحوالي 150 مترا وعمقها بـ 90 مترا. وهذه الاحداثيات تتطابق
*** إرنست كريستيان كوخ هو كيميائي وخبير في شؤون المواد المتفجرة، كما أنه عضو هيئة التدريس في جامعة كايزرسلاوترن التقنية بألمانيا.