تونس في القائمة الأوروبية السوداء الامتناع الإعلامي.. أو فنّ أن تعرف أقلّ، و تتحدّث أكثر
صرتُ أميل الى الاعتقاد أن التناول الإعلامي البسيط والمحدود أو المتلعثمَ في وسائل الإعلام التونسية لقضايا فائقة الأهميّة ليس نقيصةً مهنيّة، و أن غياب التفسير والشرح والإضافة هو فنّ، بل هو قدرة خلاقة لدى البعض على الخروج بلا أي شيئ من سنوات الدراسة ومن سنوات التجارب الجرّارة و دورات التدريب.
نعم علمنا “بوضع تونس في القائمة السوداء”، ثمّ مررنا من الخبر الخام إلى ردود الفعل الرسمية والتراشق السياسيّ والتأرجح بين اللطم والتأويل وعدم الدقة، مستعينين بخبراء العادة، كل ذلك دون أن نتساءل عمّا حدث فعلاً وكيف حدث ولماذا، بالتفصيل والتوضيح المطلوبين.
– لم يقل لنا أحدٌ بتفسير واضح لماذا ومتى وضعت تونس في هذه القائمة؟ مالذي أخلّت به تحديدًا؟ ولماذا صدرت الآن التوصية من المفوضية؟
– لم يتساءل أحدٌ عن دور البرلمان الأوروبي هنا وعن آلية إصدار القرار ولم نحظى بتفسير لماذا يكون قرارٌ أوروبي كهذا -يفترضُ أنه بصبغةٍ تقنيّة ويتعلق بإجراءات ومراقبة وتصنيفات- يكون المضي فيه أو التخلي عنه خاضعًا للتصويت، أي لاعتبارات المصوتين وتوازنات البرلمان الأوروبي، وهل إذا كان عدد الرافضين للقرار أكثر كنّا سنصبح أكثر التزاما بمكافحة غسيل الأموال ؟
-ماذا يترتب بالملموس وتقنيّا على الإدراج في هذه القائمة وكيف ستنعكس على وضع تونس وتعاملاتها مع الدول والمؤسسات الأوروبية وكيف يتم الخروج منها؟ أتحدث عن جهد تفسيري في معالجة صحفية وليس عن تصريحات عامّة وتأويلات “المحلّلين” .
-هل تمت استضافة أي نائب أوروبيّ من المصوتين مع أو ضدّ أو مسؤول من الجهة المعنية بالمفوضية الاروبية، ليشرح منطق الإدراج وعمل الآلية الأوروبية؟
– هل تم إيفاد أي صحفي إلى سترازبورغ أو بروكسل ليجري عملا صحفيا من داخل الأجهزة الاتحادية الأوروبية في مسألة فائقة الأهمية كهذه؟
بعد نحو 24 ساعة على هذا الخبر، وما عدا محاولات قليلة من وسائل الإعلام التونسية – من بينها مثلا ما قامت به موزاييك أف أم مشكورةً بالاتصال بمسؤول الاتصال بالبرلمان الأوروبي- فلا شيئ يستحق الذكر .
ستُعدّ طبعًا بلاتوهات و ملفات للكلام المكرّر بكليشيهات معادةٍ وستُترك للسياسيين والتراشق بالحسابات، أو لتحليلات الكرونيكور ، وسيُقدّم ذلك على أنه معالجة إعلاميةٌ و بديل عن كل أساليب العمل الصحفي الحقيقي.
وعمومًا، فلاداعي أحيانا للعمل الصحفي الحقيقيّ فهو مُجهد، الأفضل هو فنّ الامتناع المهنيّ والصمت حيث يجب الكلام.
في الأثناء قد يكون الأفضل هو تخصيص الجهد هنا وهناك لامتداح الذات والتنظير في وظيفة الإعلام -ومنه الإعلام العمومي مثلاً وكونه مدرسةً-.
وإذا بقي جهدٌ فليصرف في الرد على المنتقدين والمشككين ومن لا يفهمون في الفن، فن أن تعرف أقل و تتحدث أكثر.
*نصر الدين اللواتي(صحافي تونسي)