مهرجان كان، نصف شهر المخرجين: ميلاد مخرج تونسي كبير
بقلم محمد بوغلاب
عرض يوم الأحد 13 ماي فيلم”ولدي” لمحمد بن عطية في “نصف شهر المخرجين” ، صحيح أن هذه التظاهرة ليست من البرنامج الرسمي لمهرجان كان ولكن السينمائيين وأحباء الفن السابع يعلمون أنها منصة لاطلاق المخرجين طيلة خمسين عاما
إثر عرض الفيلم صعد صناعه على الركح في لقاء مفتوح مع الجمهور ، مثل هذه الأمور تحدث ببساطة وبتنظيم ودون تعقيدات عند الاخرين ، وحين نريد تنظيمها في تونس “تطلع ألف حكاية وحكاية ” حتى لا يتم التواصل بين الفنان والجمهور مباشرة اثر العرض …
تكلم المخرج محمد بن عطية بثقة وذكاء قال أن ايسر شيء في فيلم”ولدي” هو الكاستينغ، لم ينسب لنفسه الفضل في كل ما هو إيجابي ، مساعده سالم دلدول هو من نصحه بمحمد الظريف ليكون بطل الفيلم ، من يذكر هذا الممثل ؟
[metaslider id=2149]
محمد الظريف من طينة الممثلين الذين يطلق عليهم في مصر الممثل السنيد، أي لا هو بالنجم ولكن لا يمكن للنجم ان يكون نجما في غيابه، تميز قبل سنوات طويلة في دور المحقق في سلسلة ابحث معنا على ما اذكر ، ثم تابعته في إذاعة المنستير في اعمال إذاعية متنوعة وربما اختار الرجل البعد عن العاصمة ، اما عن السينما فتحتفظ له الذاكرة بدور ثانوي في “ريح السد” للنوري بوزيد قبل اكثر من ثلاثين عاما …
هو من طينة محمد السياري، يقول عنه الجميع طيلة سنوات انه ممثل كبير ولكن لا تجده في أي مسلسل ثم حين منحه سامي الفهري دورا أساسيا في احد اعماله ارتفعت اسهم السياري وان بشكل متأخر ، وسال الجمهور غير الوفي(الدنيا مع الواقف) أين كان هذا الممثل العبقري؟ والرجل مرابط في لافيات (حيث مقر الإذاعة والتلفزيون) طيلة عقود
محمد الظريف ممثل لا تجد مثله كثيرين، بسيط، يعيش حياته دون تعقيد، التمثيل ليس مجرد حرفة بل هو تجربة حياة ، هو من جيل منح حياته للمسرح والإذاعة والتلفزة حين كان الممثلون ينتظرون في الطابور امام”الكاسة” ليتقاضوا مكافاتهم …
اعترف محمد بن عطية بانه لم يكن مرتاحا لاختيار ايمان الشريف لدور سماح، كان ينتظر اول فرصة ليثبت لمنتجته درة بوشوشة ان اختيارها غالط من الأساس ولكن ايمان افتكت مكانتها في الفيلم
اما “نازلي” فهي ام بطل فيلمه الروائي الأول “نحبك هادي” مجد مستورة واقتراحه ، امراة لم تجرب التمثيل يوما ولكنها أدت ما هو مطلوب منها في”ولدي”
“رياض” و”نازلي” يعيشان حياة مغلقة محورها ابنهما الوحيد سامي الذي يستعد لاجتياز امتحان الباكالوريا الذي يعد في تونس اختبارا للعائلة والجيران والأصدقاء
حياة بطيئة دون مفاجأت ، الام تتنقل باستمرار الى الشمال الغربي(مكثر) اين تعمل مدرسة، الاب يعمل سائقا في ميناء رادس ، لا حياة سوى ما يتعلق بسامي، مرافقته الى الطبيب لعلاج الشقيقة ، زيارة الطبيب النفسي لمساعدته على تجاوز الضغط النفسي للباكالوريا، نقل سامي الى المعهد والى حفل أصدقائه وانتظاره للعودة الى المنزل
تتغير حياة العائلة قليلا بإحالة الاب على التقاعد، ولكنه يملأ حياته بالحديث عن ابنه والاهتمام بكل شؤونه
دون مقدمات ودون أي مؤشرات يقدمها بناء الشخصيات يغادر سامي البيت تاركا رسالة وجيزة لقد سافر الى سوريا
هل سيتغير الفيلم ويبدل قشرته ليصبح بوليسيا في مطاردة الابن والبحث عنه بعد ان قرر الاب بيع سيارته للسفر الى تركيا ومنها الى سوريا ؟
لا ، لا شيء تغير، من الواضح ان محمد بن عطية لم ينجز فيلما عن الشباب الذي اختار السفر الى سويا “للجهاد ” وحسنا فعل
اختار المخرج في”ولدي” ان يصور حكاية عادية يحدث مثلها كل يوم ولكننا لا نعيرها أي اهتمام، قصص طبعت اجمل أفلام الاخوين داردان الذين يساهمان للمرة الثانية في انتاج أفلام محمد بن عطية
لا بطولات خارقة ولا منعرجات في سير الاحداث، اشخاص عاديون يشبهوننا،
احداث الفيلم اشبه باللوحات المتكررة او اليوميات الرتيبة ،صورت بأسلوب اللقطة المشهد Plan sequence حتى انك لا تكاد تشعر بتغير في نسق الفيلم ، مثل ماء النهر يجري بهدوء
فيلم عن الاب الذي يمنح حياته بأكملها للزوجة وللابن وللعمل وللاخرين ، وينسى وجوده كشخص، وحين يشعر بالم عليه ان يدفن وجهه ، حتى هذه لا يمكنه ان يفعلها فلا صدر يدفن فيه راسه ، كل ما بوسعه فعله ان يبكي خلسة في بيت الحمام
زوجة نسيت انها انثى حتى انها استغربت من وجود وردة في سيارة زوجها، وابن اناني لم يفكر سوى في نفسه، كيف يكون مختلفا عن ابيه، ….
سماح(ايمان الشريف) وحدها كانت تشارك “أبو الري” ( تربيجة تونسية بمن اسمه رياض) همه وتقتلع منه الضحكة
ب”ولدي” يؤكد محمد بن عطية ان المخرج لا يولد كبيرا، هو ابن سياقه، يحتاج منتجا مجتهدا( يتعامل مع درة بوشوشة منذ عشرين عاما) ويحتاج شراكات تدفعه الى الامام وتفتح امامه أبواب المهرجانات العالمية وتوزيع أفلامه دوليا ، ومثلما صنع عبد العزيز بن ملوكة جيلا من المخرجين في حقبة التسعينات ومطلع الالفية الثالثة وساهم في صنع أفلام باتت من كلاسيكيات مدونة السينما التونسية ، علينا الاعتراف بأن درة بوشوشة اليوم هي العنوان الأبرز في الإنتاج السينمائي التونسي ، وهو موفع لم تصله درة ببساط الريح بل عرفت كيف تنحت مسيرتها منذ أشرفت على ورشة المشاريع في أيام قرطاج السينمائية عام 1992 حين كان احمد بهاء الدين عطية يصول ويجول منتجا لا يشق له غبار ….