محاولة الإنقلاب في تونس؟ خفايا وثيقة “سري مُطلق”
نشر موقع “ميدل إيست آي” في نسخته الإنقليزية مقالاً تحت عنوان: “وثيقة رئاسية تونسية سرية للغاية تكشف عن خطة لـ “الديكتاتورية الدستورية” بقلم الصحافيّين “ديفيد هيرست” و”أريب الله”. وبحسب الموقع الإخباري الذي يتخذ من لندن مقراً له، والمعروف كذلك بقربه من الأوساط القطرية، فإن هذه “الوثيقة المسربة ، التي شارك في صياغتها مستشارون لقيس سعيد، تدعو الرئيس للسيطرة الكاملة على البلاد”. وقد أثار الموضوع عددا من النقاشات على وسائل التواصل الإجتماعي خلال الليلة الفاصلة بين يومي الأحد والإثنين، حيث أعرب العديد من الناشطين السياسيين والمدنيين عن شكوكهم في صحة ما تحمله هذه الوثيقة. غير أنّ بعض الناشطين السياسيّين المقرّبين من التيار الإسلامي أو المنتمين إليه قد بادروا لتوظيف هذا المقال كدليل على التوجّسات التي أعربوا عنها مرارا في ما يتعلق بالهوس الاستبدادي لدى “قيس سعيد”، الذي دائما ما تتم مقارنته بانقلاب الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي في جويلية 2013.
هنا ينبغي التأكيد بأننا لسنا بصدد مناقشة إنطباعات بعضنا البعض، بل قمنا واقعيّا بتحليل الوثيقة الواردة في المقال.
من أين أتت هذه “الوثيقة”؟
تمت إتاحة الوثيقة على موقع “غوغل درايف” ضمن وضعية “الاستشارة” وعرضها على أي شخص يمتلك رابطا للنفاذ.العنوان الذي جاءت به الوثيقة هو “article_80.pdf”. ومالك حساب ال”درايف” الذي نشرها هو السيد محمود بندق(1)، الصحفي من موقع “ميدل إيست آي”. وبعد أن قمنا بتنزيل الوثيقة وتحليل البيانات الوصفية ، لاحظنا أنّ الوثيقة تمّ إنشاؤها بصيغة “الوورد” والأهمّ من ذلك أنّ كاتب الوثيقة قد عرّف نفسه باسم Beta methods B(m. من المهم أن نذكّر هنا أن مقالنا هذا ينبني على فرضيّة أن البيانات الوصفية للوثيقة لم يتم تعديلها.
تعرّف الشركة نفسها كالتالي: ” Beta methods B(m هي شركة استشارات وهندسة مالية ، أسسها مجموعة من المختصّين ذوي الخبرة والمدرّبون دوليًا.
“Beta methods B(m). Beta methods is a Financial engineering and consulting firm, which was founded by experienced and internationally trained professionals (2).”
أين تقع هذه الشركة؟
عنوان تأسيس هذه الشركة يقع في “برج البكوش” بمدينة أريانة كما ورد في السجل التجاري الذي قُمنا بتنزيله إلكترونيّا من السجل الوطني للمؤسسات (RNE).
من هو الممثل القانونيّ لهذه الشركة؟
بعد أن تمّ تحديد صفحة الشركة على شبكة فايسبوك (3)، تمكنّا من العثور على اسم المجال الخاصّ بها. وهذا المجال مسجّل بإسم “وليد البلطي”(4). وقد اعترضنا هذا الإسم أيضًا في بطاقة المؤسسة ضمن السجل الوطني للمؤسسات.
وإذ ننوّه هنا بأنّنا لا ندّعي أنّ هذا الشخص هو من كتب الرسالة ولسنا في معرض الإتهام للشخص المعنويّ الذي يمثلّه أو لشخصه الطبيعي. إلاّ أنّنا عايننا أنّ وثيقة الPDF التي تمّ نشرها في موقع “ميدل إيست آي” هي تحوير لوثيقة تمّ تأليفها أوّلا بصيغة الوورد عن طريق مستخدم ظهر بإسم“Beta methods (m)”
من هو “وليد البلطي”؟
لم نجد حسابا لوليد البلطي على شبكة الفايسبوك. غير أنّنا وجدنا حسابا له على موقع “لينكد إين”، مع صورة للملف الشخصي تذكّرنا بقاعة المؤتمرات الصحفية في القصبة، المقرّ الرّسمي للحكومة التونسية.
وبالعودة إلى مسيرته الاحترافية في الموقع ، نجد أن “وليد البلطي” كان مستشارًا لوزير الشباب و الرياضة:
“مستشار وزير الشباب والرياضة
وزارة الشباب والرياضة التونسية
من مارس 2012 – مارس 2014
مدة التوظيف: سنتان وشهر واحد ”
“Adviser of Minister of Youth and Sports
Ministry of youth and sports of Tunisia
Dates Employed Mar 2012 – Mar 2014
Employment Duration 2 yrs 1 mo”
بلطي، “المتحدّث الرّسمي” باسم شركة مختصّة في الرّهان الرّياضي:
لا نجد الكثير عن “وليد البلطي” على شبكة الفايسبوك، باستثناء مقطع فيديو يتضمّن حوارا معه في إذاعة “كاب أف أم”(6). وقد ظهر فيه كممثّل لموقع الرهان الرياضي www.bountou1x2.com. وفي الإشعارات القانونية لهذه الشركة ، نجد أنّ Beta Methods” هي واحدة من ضمن “شركتين متخصصتين في المحاسبة والتفقّد والاستشارات والهندسة المالية “.(7)
وعلى الرغم من عدم الإشارة إلى منصب المتحدث الرسمي، إلا أن هناك دليلا إضافيًا على العلاقة بين موقع”bountou1x2” و “Beta Methods”. وبالفعل، فإن عنوان القسم التجاري “bountou1x2″ يقع في المكتب عدد 2 في الطابق الثالث ، العمارة د-دار المغاربية ضفاف البحيرة -1053- تونس ، أي نفس المقر الرئيسي لشركة Beta Methods.
إضافة إلى ذلك ، يُعدّ الظهور الإعلاميّ ل”وليد البلطي” نادرا نسبيًا. ومن أبرز ما تمّ رصده في هذا المجال منشور يعود إلى سنة 2018 ، والذي يبدو وكأنه حق للرد، نُشر على موقع “إم تونيزيا”(8) (المتوسط سابقًا ،وهي قناة ذات توجّه محافظ ومقربة من حزب حركة النهضة). وفي ذلك المنشور، يدافع “وليد البلطي” عن نشاط شركة bountou1x2 كمساند للرياضة والأندية ، في تعليق على تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة “البروموسبور” التي كان وليد نفسه عضوا فيها قبل سنوات قليلة.
وليد البلطي، ناشط في مجال الشفافية ومكافحة الفساد:
ما لاحظناه في هذه الرسالة المفتوحة الموجهة إلى الرئيس التنفيذي لشركة “بروموسبور” في سنة 2018 أن السيد “بلطي” يقدّم نفسه فيها بصفته عضوًا سابقًا في مجلس إدارة الشركة و كمستشارسابق لوزير الشّباب والرياضة. ومع ذلك، فإن خطابه كان متوافقا عموما مع دوره كمتحدث رسمي باسم Bountou1x2.
وبالرغم من عدم وجود تعارض قانونيّ لممارسة الفرد لأيّ نشاط اقتصاديّ في مجال شغل فيه سابقا وظيفة استشاريّة للدولة ،إلا أنّ سياسة “التدوير” هذه تحمل تبعات مُخيفة نوعا ما. فمن خلال تقديم الإستشارات والمقترحات القانونّية بين سنتي 2012 و 2014 كمستشار للوزير، يجد السيد “البلطي” نفسه في وضع أفضليّ بعد بضع سنوات كمستشار في نفس المجال.
رد السيد البلطي أثناء الإتصال به من مؤسسة بر الأمان للأبحاث الإعلامية
اتصلنا برقم الهاتف القارّ لشركة “Beta Methods”، حيث تحصّلنا على السيّد “وليد البلطي” الذي عرّف نفسه كمدير الشركة، وصرّح لنا بالآتي:
“ليست لدي أيّة فكرة عن سبب ذكراسم شركتي في البيانات الوصفية لهذه الوثيقة، كما أنّه لاتجمعُني أيّة علاقة بالسيد “محمّد بندق”. أشكركم على إعلامنا بهذا الأمر خاصة وأنّ المسألة خطيرة للغاية. وحقيقة أني كنت مستشارا لوزارة الرياضة لا علاقة لها بذلك. سأطلب من موظفي تكنولوجيا المعلومات لدينا التحقق من الموضوع، فقد يكون الأمر متعلّقا بشركة أخرى تحمل الإسم نفسه “.
ما لا نعلمه حتى تاريخ نشر المقال:
لم نعثر إلى لحظة نشر المقال على أيّ انتماء حزبيّ علني للسيّد وليد البلطي الذي أعلمنا بأنه”لا علاقة تربطه بطرف معيّن”.
وبعض المنشورات المتعلقة بالسيد البلطي صادرة عن وسائل إعلاميّة غير معروفة بنزاهتها، على غرار “الثورة نيوز” التي تتهم السيد بلطي بتزوير وثائق تتعلق برئيس نادي التنس التونسي ورئيسه السابق طارق ذياب. (9)
ينبغي التنويه أنّ مقالنا لا يدين السيّد “وليد البلطي” أو شركة “Beta Methods” بل يطرح الأسئلة حول الموضوع. وفي الواقع، ليس السيد “البلطي” الشخص الوحيد في هذه الشركة. بل تمكنّا من التعرف على موظّفين آخرين في شركة Beta Methods”. هما السيدة “الصالحي”(10) و “السيد عبد العظيم”(11).
“شركة قد تُخفي أخرى”:
أتاح بحثنا عن الموظفين في الشركة إلى التعرّف على السيّد “عبد العظيم” كصلة “ربط ” بين الشركة الأولى التي يسيّرها السيد “البلطي” وشركة ثانية، ذات اسم شبيه بالشركة الأولى والأهمّ من ذلك أنّ مقرّها موجود في نفس العنوان وهي شركة Beta-systemes (13)(12) التي تضم عشرات الموظفين والمتعاونين من بينهم بعض الأجانب.
تمتلك الشركة الثانية عديد العناصر المشتركة مع سابقتها بخلاف العنوان. فموقع Bountou1x2 هو حريف مشترك لكلتا الشركتين. كما يعمل أحد الموظفين في الشركتين معا وفقًا لملفه الشخصي على موقع “لينكد إين”. إضافة إلى ذلك يُعدّ راديو “كاب إف إم” ،أحد حرفاء للشركة الثانية ولكنه دعا السيّد وليد البلطي للتحدّث باعتباره مدير الشركة الأولى. كما أن الموظّف “المشترك” بين الشركتين قد سبق له العمل أيضًا في “كاب أف أم” ونشر مقالات كصحفي تحت هذا الاسم(14). ومع ذلك ، فإن الشركة التي وجدناها تحت هذا الاسم في السجل الوطني للمؤسّسات لا تتوافق مسبقًا مع نفس الشركة.
وبسؤال السيد البلطي عن الموضوع أعلمنا بأنها شركة “موجودة” في ذلك العنوان.
لا يُظهر السجل التجاري لشركة Beta Systemes الذي وجدناه ضمن السجلّ الوطني للمؤسسات ارتباطًا واضحًا بالشركة الأخرى المعنيّة هنا:
المصدر: بر الامان، محمد الحداد