رشيد خشانة يكتب:الجنرال المؤدب والفرخ غير المؤدب
وافانا الصحفي الكبير رشيد خشانة بمقال علق فيه على ما تعرض له الجنرال محمد المؤدب المدير العام السابق للامن العسكري والمدير العام السابق للديوانة في بلاتو التاسعة من تجريح وتقريع وكأنه متهم ثبتت ادانته قبل سماعه
في ما يلي نص المقال :
ساءني أيما إساءة مشهد الجنرال محمد المؤدب، الذي أمضى أربعة عقود في الخدمة العسكرية ذائدا عن حمى الوطن، وهو يتعرض للإهانة من أحد الأوباش، على إحدى القنوات التليفزيونية، مساء الاثنين.
بدا المشهد وكأن القناة المذكورة أتت بالرجل، لكي يقذف في وجهه قليلو التربية كما هائلا من القاذورات، بتعلة “التحليل”، من دون أن يوقفهم أحد.
محمد المؤدب واحد من أبرز العسكريين الذين تفخر بهم تونس. هو من أولئك الذين كانوا يدافعون عنا ويحرسون جبالنا وودياننا، فننام ملء مآقينا، أما هم فلا يُغمض لهم جفن. في قلب الزمهرير شتاء وفي ذروة الحر صيفا، وخاصة في الصحراء، يقفون سدا منيعا أمام من تُسول لهم أنفسهم الاعتداء على الوطن أو على مواطنيه.
لم أتعرف على الجنرال المؤدب بعد تقاعده، ولم أقابله، غير أني أصبحت أتابع كتاباته منذ قرأت له مقالا في الجيوستراتيجيا، عام 2018، بعنوان “الأمن الوطني بعد سبع سنوات من الثورة”. وقد دأب على الكتابة ونشر التحاليل القيمة منذ 2014، وتميزت كتاباته بالعمق والشمول.
قليل هم العسكريون المتقاعدون الذين يعتبرون أن رسالتهم لا تنتهي مع الإحالة إلى التقاعد، فيبدأون مسيرة جديدة، لاستثمار الخبرة المُكتسبة من اجل تنوير الرأي العام، حول القضايا الاستراتيجية. وهذه خدمة وطنية من نوع آخر يستحقون عليها الثناء، وفي الأقل التقدير والاحترام.
محمد المؤدب يملك قلما بليغا بالعربية والفرنسية، وهذا يعني أنه لا يفهم في الحرب والقتال وحسب، وإنما في الثقافة والحضارة واللغات. لذا كان الرجل حريا بالاحترام لمسيرته العسكرية، وحقيقا بالتقدير لعلمه وثقافته العسكرية وغير العسكرية، وجديرا بالتشجيع على ما يُنتجه من كتابات، كان أحرى بأنصاف المثقفين الجالسين أمامه أن يطلعوا عليها (إن استطاعوا إدراكها) قبل أن يتفوهوا بما تفوهوا به من شتائم ومن تقليل احترام للرجل.
لم أسمع تعاليق الناس على تلك الفعلة الشنيعة، لكني مُتيقن من أن كثيرا من التونسيين والتونسيات، الذين شاهدوا البرنامج شعروا بجرح في كرامتهم الوطنية، وهم ينظرون عاجزين إلى أحد أعمدة المؤسسة العسكرية يتعرض للتطاول بكل ذاك الصلف وكل تلك الصفاقة. لم يكن تطاولا على شخص وإنما على المؤسسة بأسرها في شخص أحد بُناتها. إنه اعتداء فج على الجيش التونسي وعلى ضباطه ورجالاته من خلال المس من أحد قادته. وأتمنى من “الهيئة العليا للإعلام السمعي والبصري” أن يكون لها موقف من هذه الحادثة، التي لا ينبغي أن نمُر عليها مرور الكرام، بينما نحن مخدوشون في حُماة الوطن، من خلال رمز من موزهم.