المغرب وألمانيا: خطوة أولى لطيّ أزمة استمرت 9 أشهر
أعلن المغرب، اليوم الأربعاء، استئناف التعاون الثنائي مع ألمانيا، وعودة عمل التمثيليات الدبلوماسية للبلدين في الرباط وبرلين إلى شكلها الطبيعي، وذلك بعد أزمة دبلوماسية استمرت 9 أشهر.
ورحبت الخارجية المغربية، اليوم، بما وصفته بـ”الإعلان الإيجابي والمواقف البناءة التي عُبِّر عنها أخيراً من قبل الحكومة الفدرالية الجديدة لألمانيا”، في مؤشر على بداية دفن ماضي الأزمة التي عاشتها العلاقات بين الرباط وبرلين منذ ماي الماضي، بعد قرار السلطات المغربية تعليق جميع الاتصالات بالسفارة الألمانية في الرباط، ومع كل المؤسسات الألمانية التابعة لها.
وبينما أكدت السفارة الألمانية أن “من مصلحة كلا البلدين (ألمانيا والمغرب)، عودة العلاقات الدبلوماسية، الجيدة والموسعة تقليدياً”، اعتبرت وزارة الخارجية المغربية، في بيانها الصادر مساء الأربعاء، أن تعبير برلين “عن هذه المواقف يتيح استئناف التعاون الثنائي وعودة عمل التمثيليات الدبلوماسية للبلدين في الرباط وبرلين إلى شكله الطبيعي”، لافتة إلى أن المملكة المغربية تأمل أن تقترن هذه التصريحات بالأفعال، بما يعكس روحاً جديدة ويعطي انطلاقة جديدة للعلاقة على أساس الوضوح والاحترام المتبادل.
ويؤشر بيان الخارجية المغربية على بداية طيّ صفحة الخلافات مع برلين، خاصة في ظل المواقف التي عبّر عنها مقال نشرته وزارة الخارجية الألمانية على موقعها الإلكتروني، الأسبوع الفائت، أعطى مؤشرات على حدوث تغيير في سياسة برلين بعد رحيل المستشارة أنجيلا ميركل، بداية من إشادتها بدور المغرب في الأزمة الليبية، إلى موقفها من قضية الصحراء بدعمها جهود المغرب لإيجاد حل عادل ودائم للنزاع.
وكان المغرب قد قرّر، في الأول من مارس الماضي، تعليق جميع الاتصالات مع السفارة الألمانية في الرباط، ومع كل المؤسسات الألمانية التابعة لها، في خطوة مفاجئة أثارت أكثر من علامة استفهام عن توقيتها ودواعيها.
وبحسب وثيقة صدرت عن وزارة الخارجية المغربية، فإن قرار تعليق جميع الاتصالات وعلاقات التعاون مرده إلى “خلافات عميقة” بين المغرب وجمهورية ألمانيا الاتحادية حول عدد من القضايا المصيرية بالنسبة إلى المملكة.
وطالب وزير الخارجية المغربية ناصر بوريطة، في الوثيقة، مختلف القطاعات الوزارية وجميع الهيئات التي تعمل تحت وصايتها، بوقف أي اتصال أو تفاعل أو تعاون، سواء مع السفارة الألمانية في المغرب، أو مع منظمات التعاون الألماني والمؤسسات المرتبطة بها.
كذلك قررت الخارجية المغربية، وفق الوثيقة التي وجهها بوريطة إلى رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني، وباقي أعضاء حكومته، وقف أي اتصال بالسفارة الألمانية في الرباط.
وفي 6 ماي الماضي، استدعى المغرب سفيرته في برلين زهور العلوي، من أجل التشاور، بعدما كان قد قرر في وقت سابق وقف جميع الاتصالات مع السفارة الألمانية في الرباط، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام تصعيد جديد في التوتر بين البلدين. فيما لم تُخفِ الخارجية الألمانية دهشتها الشديدة من قرار الاستدعاء، لقيامها “بجهود بنّاءة مع الجانب المغربي لحل الأزمة”.
ويبقى ملف الصحراء على رأس الملفات التي دفعت في اتجاه تأزيم العلاقات بين البلدين. إذ اتهمت الرباط برلين بـ”تسجيل موقف سلبي” بشأن قضية الصحراء، واتخاذ “موقف عدائي في أعقاب الإعلان الرئاسي الأميركي، الذي اعترف بسيادة المغرب على صحرائه”، وذلك بحسب بيان لوزارة الخارجية المغربية، التي اعتبرت أن الموقف الألماني “خطير ولم يُفسَّر لحد الآن”.
وعلى الرغم من إشادة ألمانيا بالاتفاق المغربي الإسرائيلي لاستئناف العلاقات بين الطرفين، إلا أنها لم تتردّد من خلال خارجيتها في التشكيك علانية في شرعية اعتراف الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بسيادة المغرب على الصحراء في 10 ديسمبر من العام الماضي، معتبرة أن مضمونه “يخالف الشرعية الدولية”.
أكثر من ذلك، سارعت برلين في 22 من الشهر نفسه، للمطالبة باجتماع مغلق لمجلس الأمن، بهدف مناقشة قضية الصحراء. واستفزّ المندوب الألماني في الأمم المتحدة، كريستوف هيوسغن، المملكة المغربية، حين أبدى تعاطفه مع جبهة “البوليساريو” الانفصالية بحديثه عن “الطرف الضعيف الذي يعيش الإحباط”.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل بعد تلك الجلسة، رفع ممثل ألمانيا في الأمم المتحدة رسالة إلى رئاسة مجلس الأمن يتبنى فيها رواية “البوليساريو” والجزائر بخصوص انهيار وقف إطلاق النار، وهو ما لم يصدر عن أي بلد آخر.
كذلك، مثّل ملف الإرهاب إحدى أبرز القضايا التي ساهمت في زيادة التوتر بين البلدين، وكان آخر ردود الفعل في هذا الشأن، اتهام الخارجية المغربية السلطات الألمانية بـ”التواطؤ مع مدان سابق بارتكاب أعمال إرهابية، ولا سيما مع الكشف عن معلومات حساسة قدمتها أجهزة الأمن المغربية إلى نظيرتها الألمانية بشأنه”.
واشتكت الرباط من صمت برلين عما اعتبرته خطاباً تحريضياً يروجه انطلاقاً من الأراضي الألمانية، محمد حاجب، الذي قضى 7 سنوات في السجون المغربية إثر اعتقاله عام 2010، بعد عودته إلى المغرب قادماً من ألمانيا، إذ كان متورطاً في أعمال إرهابية بدولة باكستان، بحسب السلطات.
وزاد من انتقادات الرباط للموقف الألماني، عدم تحريك ألمانيا الإجراءات القانونية والقضائية إزاء “استهداف حاجب للمغرب وصورة رموزه ومؤسساته الأمنية”، و”تحريضه الشباب المغاربة على الإرهاب، من خلال قناته على موقع يوتيوب، مستغلاً وجوده في ألمانيا التي يحمل جنسيتها”.
وفتحت الأزمة الليبية صفحة إضافية في ملف الأزمة بين البلدين، إذ كان لافتاً إقصاء ألمانيا للمغرب من المشاركة في مؤتمر برلين في جانفي 2020. وقد أعربت المملكة المغربية، حينها، عن استغرابها العميق لإقصائها عن المؤتمر، على الرغم من أنها “كانت دائماً في طليعة الجهود الدولية الرامية إلى تسوية الأزمة الليبية، وقد اضطلعت بدور حاسم في إبرام اتفاق الصخيرات، الذي يشكل حتى الآن الإطار السياسي الوحيد الذي يحظى بدعم مجلس الأمن وقبول جميع الفرقاء الليبيين”.