محمد السادس:الصحراء هي النظارة التي نرى منها العالم
لا افق لمصالحة مغربية جزائرية
أثارت تصريحات ملك المغرب، محمد السادس، حول الصحراء الغربية حالة من “الجدل والترقب” ومخاوف من “تصعيد مغربي جزائري متوقع”، بعد وصفه القضية بـ”النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم”.
وفي خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لـ”ثورة الملك والشعب” التي تخلد “النضال ضد الاستعمار”، السبت، ثمن الملك المغربي موقف إسبانيا من قضية الصحراء الغربية، التي قال إنها “تعرف جيدا أصل هذا النزاع وتعرف حقيقته”.
وفي 18 مارس، عدلت إسبانيا بشكل جذري موقفها من قضية الصحراء الغربية الحساسة لتدعم علنا مقترح الحكم الذاتي المغربي.
واعتبر العاهل المغربي ملف الصحراء “النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم والمعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.
ودعا “بعض الدول الشريكة للمغرب التي لا تؤيد بوضوح موقف الرباط بشأن النزاع في الصحراء إلى توضيح مواقفها”، من دون أن يخص بالذكر أي دولة، وفقا لـ”فرانس برس”.
تصعيد كلامي واتهامات متبادلة
يشير المحلل السياسي المغربي، تاج الدين الحسيني، إلى أن تصريحات العاهل المغربي “مرتبطة بمواقف حادة للنظام الجزائري حول قضية الصحراء الغربية”، على حد تعبيره.
وتحدث الحسيني لموقع “الحرة”، عن “مواقف غير مقبولة دبلوماسيا للجزائر” تجاه إسبانيا والدول التي تدعم استقلال الصحراء الغربية، مؤكدا أن “المغرب يعتبر ملف الصحراء معيارا يحدد مستوى العلاقات بين الرباط والدول الأخرى”.
وستكون قضية الصحراء “تيرموميتر” لتحديد طبيعة العلاقات بين المغرب والدول الصديقة التي “لها مواقف مؤيدة في السر ومتحفظة في العلن”، ولذلك تهدف تلك التصريحات “لإنهاء المواقف الرمادية حول قضية الصحراء الغربية”، وفقا لحديث الحسيني.
من جانبه يصف، المحلل السياسي الجزائري، نبيل جمعة، تصريحات العاهل المغربي بـ”المعارضة لقرارات الأمم المتحدة والهادفة لاستفزاز الجزائر والتغطية على المشكلات الاقتصادية في المغرب”.
وكانت دول أوربية قد دعمت مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب لحل مشكلة الصحراء الغربية، منها إسبانيا وألمانيا وصربيا وهولندا والبرتغال والمجر وقبرص ورومانيا، وذكر الملك “قامت ثلاثون دولة، بفتح قنصليات في الأقاليم الجنوبية (الصحراء) تجسيدا لدعمها للوحدة الترابية للمملكة المغربية والصحراء”.
ويعتبر النزاع على إقليم الصحراء الغربية، بين المغرب وجبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر، من أقدم النزاعات في أفريقيا.
ويشير جمعة في حديثه لموقع “الحرة” إلى “تمسك الجزائر بموقف وقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي من قضية الصحراء الغربية”، مؤكدا أنها “تدعم استقلال الصحراء”.
وتصنف “الأمم المتحدة”، الصحراء الغربية التي يدور حولها نزاع بين المغرب وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر، بين “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي”.
ويقترح المغرب، الذي يسيطر على نحو 80 بالمئة من المنطقة المتنازع عليها، منحها حكما ذاتيا تحت سيادته كحل وحيد للنزاع القائم منذ عقود، بينما تطالب جبهة البوليساريو، المدعومة من الجارة الجزائر، باستقلال المنطقة، وفقا لـ”فرانس برس”.
وبدأ هذا النزاع بعد استقلال الصحراء عن الاستعمار الإسباني في عام 1975 ليتم إنشاء جبهة البوليساريو بعد ذلك بعام وحملها السلاح في وجه المغرب مطالبة بانفصال الإقليم الغني بالثروة السمكية والفوسفات، ويعتقد أن به مكامن نفطية، ولم تهدأ الحرب إلا بعد أن تدخلت الأمم المتحدة في عام 1991.
وتحض الأمم المتحدة المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا إلى استئناف المفاوضات المتوقفة منذ 2019 “بدون شروط مسبقة وبحسن نية” للتوصل إلى “حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين”، بهدف “تقرير مصير شعب الصحراء الغربية”.
وتحدث جمعة عن “ضغوط مغربية على دول أوروبية وأفريقية لتأييد موقف الرباط من الصحراء الغربية”، مشيرا إلى أن “موقف الجزائر تجاه القضية ثابت ويهدف للصلح بين المغرب والصحراء”.
ماذا ستفعل الرباط؟
جاءت تلك المعطيات لتثير سؤالا جديدا، عن خيارات الرباط مع الدول التي تتبنى “مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء”؟
يرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط، فادي عيد، أن المغرب وضع قضية الصحراء الغربية كـ”أولوية” في علاقاته الدولية، مشيرا إلى أن “ملفات التعاون المشترك والمصالح الاقتصادية لم تعد وحدها التي سترسم مستقبل العلاقات بين المغرب وباقي دول العالم”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يستبعد فادي عيد اتجاه المغرب للتصعيد ضد الدول التي تعارض رؤيتها لقضية الصحراء، مرجحا “استمرار الرباط في التعامل المقتصر مع تلك الدول كما فعلت دوما”، وفقا لتعبيره.
ويؤكد الحسيني أن المغرب “لن يتخذ مواقف تشابه التي اتخذتها الجزائر من الدول التي عارضت موقفها من قضية الصحراء الغربية عبر قطع للعلاقات أو سحب السفراء”.
وتحدث الحسيني عن إمكانية اتجاه الرباط لـ” تقييد الاستثمار في المغرب، وتقليص حجم التبادل التجاري، وتقليل مستوى دعم المغرب لتلك الدول داخل المجتمع الدولي”.
ولذلك ستكون مواقف المغرب المستقبلية مقيدة بسلبية أو إيجابية مواقف الدول الأخرى تجاه قضية الصحراء الغربية، وفقا لحديث الحسيني.
كيف سترد الجزائر؟
حسب فادي عيد فسوف تعتبر الجزائر تلك الخطوات المغربية “تصعيدا صريحا ضدها وتتخذ خطوات مضادة للرد على المغرب”.
ويتوقع فادي عيد أن “تعيد الجزائر رؤيتها لبعض مناطق النفوذ المغربي وتفرض قوتها الناعمة في غرب أفريقيا لضمان سطوتها على حساب المغرب هناك”، ردا على تصريحات الرباط.
ويشير في الوقت ذاته إلى إمكانية لجوء الجزائر لـ”خيارات عسكرية”، خاصة بعد زيارة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي للمغرب ومناورات الأسد الأفريقي التي تعتبرها “الجزائر رسائل سياسية بصبغة عسكرية”، وفقا لحديث عيد.
وللمرة الأولى، شارك مراقبون عسكريون إسرائيليون أواخر يونيو في تدريبات “الأسد الأفريقي 2022″، والتي تعد أكبر تدريبات عسكرية في القارة الأفريقية، وقد نظمها المغرب والولايات المتحدة، وفقا لـ”فرانس برس”.
ويؤكد نبيل جمعة أن الجزائر مستمرة في دعم الصحراء معتمدة مبدأ “حسن الجوار” ومستندة على “قرارات الأمم المتحدة”، مشددا على “استحالة عودة العلاقات بين المغرب والجزائر” في ظل تلك الخطوات التصعيدية المغربية، على حد تعبيره.
في 24 اوت 2021، أعلنت الجزائر عبر وزير خارجيتها، رمطان لعمامرة، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، متهما الرباط بالقيام بـ”أعمال عدائية”.
وتعتبر الجزائر نفسها “طرفا محايدا” بين الصحراء والرباط لكنها لا تقبل “العدوان المغربي على الصحراء الغربية وسوف تستمر في دعم مساعي استقلال الصحراء”، وفقا لحديث جمعة.
وتطالب جبهة بوليساريو بإجراء استفتاء لتقرير المصير بإشراف الأمم المتحدة، كان تقرر عند توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين المغرب والجبهة في سبتمبر 1991، وفقا لـ”فرانس برس”.
من جانبه يتحدث تاج الدين الحسيني عن “سباق تسلح جزائري غير مسبوق على حساب الاحتياجات الأساسية للشعب ما يدفع المغرب للتسلح حفاظا على توازن القوى الإقليمي”، محذرا من “خراب ودمار للمنطقة بأكملها على غرار ما حدث في سوريا والعراق”، على حد قوله.
- المصدر: موقع “الحرة”