مع سقوط حكومة الوحدة الوطنية التي كان يرأسها رئيس الوزراء السابق ماريو دراغي، اختلطت أوراق الأحزاب السياسية الإيطالية الرئيسية، التي بدت وكأن قرار الاستقالة جاءها على حين غرة، وبدت غير جاهزة لانتخابات مبكرة. معظمها ما عدا حزب “أخوّة إيطاليا” اليميني الذي تقوده السياسية الإيطالية جورجيا ميلوني.
زلزال استقالة الحكومة انعكس إيجابا على هذا الحزب تحديدا، الذي رأى فيها فرصة إضافية لتحقيق مكاسب إضافية وشق طريقه نحو الانتخابات المقبلة لإيصال رئيسته لرئاسة الحكومة. هذا التفاؤل دعمته سلسلة من استطلاعات الرأي أجرتها عدة مؤسسات متخصصة، رأت أن “أخوّة إيطاليا”، ورئيسته تحديدا جورجيا ميلوني، لديه فرصة كبيرة للفوز في الانتخابات المزمع إجراؤها الشهر المقبل.
ولمن لا يعرف “أخوّة إيطاليا”، هو حاليا الحزب السياسي الأبرز على الساحة الإيطالية، والوحيد المستمر منذ حقبة الفاشية (يتبنى سياسات وآراء توصف بانتمائها للفاشية الجديدة) وما لحقها من تبدلات على خطابات وسياسات الأحزاب التي كانت تدين ببرامجها للأيديولوجيا العنصرية (الفاشية).
رئيسة الحزب كانت محور اهتمام الصحافة والمتابعين للشأن الإيطالي على مدار السنوات القليلة الماضية، مع صعودها الصاروخي لسدة رئاسة الحزب وتصدرها للمشهد السياسي “اليميني المتطرف” في البلاد.
تربّعت جيورجيا ميلوني على كرسي رئاسة الحزب اليميني المتطرف قبل ثمان سنوات، وهي اليوم تشق طريقها بثبات نحو رئاسة حكومة البلاد، وهذا أمر إن حصل فسيعني تمكن اليمين المتطرف من تبوء ذلك المنصب الحساس للمرة الأولى منذ 1922، عندما تمكن الديكتاتور الفاشي بينيتو موسوليني من احتلاله. أيضا، ستكون المرأة الأولى في تاريخ إيطاليا لتتمكن من الحصول على ذلك المنصب.
منذ دخولها معترك السياسة، اتخذت ميلوني مواقف مثيرة للجدل، منها عندما أشادت بموسيليني عام 1996 ووصفته بأنه “سياسي جيد، الأفضل في الأعوام الـ50 الماضية”.
الخلفية وبدايات العمل السياسي
ولدت ميلوني في حي غارباتيلا الذي تقطنه الطبقة العاملة في روما عام 1977. انضمت إلى فرع الشباب في “الحركة الاجتماعية الإيطالية” (يمين محافظ) عندما كانت في الـ15 من عمرها فقط.
تناوبت على عدد من المواقع داخل الحركة المحافظة إلى أن تم انتخابها في مجلس مقاطعة روما.
في عام 2006، وعن 29 عاما، أصبحت ميلوني أصغر نائب رئيس لمجلس النواب الإيطالي على الإطلاق. بعد ذلك بعامين، عيّنت وزيرة للشباب في حكومة سيلفيو برليسكوني.
في الـ32 من عمرها، اندمج حزب برليسكوني مع مجموعة يمين الوسط “فورزا إيطاليا” وتم إنشاء مجموعة جديدة باسم “شعب الحرية”، أصبحت ميلوني رئيسة قسم الشباب فيها.
بحلول نوفمبر 2012، أعلنت عن نيتها ترؤس “شعب الحرية”، الأمر الذي حصل في مارس 2014. وعلى مدى السنوات اللاحقة، تبنت مواقف متشددة للغاية من مجتمع الميم والزواج من نفس الجنس والهجرة، ورفعت شعار “الله، الوطن، العائلة” الماثل في أذهان كثيرين ممن عايشوا الحرب العالمية الثانية وتبعاتها.
الحملة الانتخابية 2022
منذ الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة في أعقاب سقوط حكومة دراغي الشهر الماضي، تصدرت ميلوني عناوين الصحف بملاحظاتها المثيرة للجدل.
في حزيران/يونيو الماضي، وخلال مشاركتها في لقاء لحزب “فوكس” اليميني في ماربيا الساحلية الإسبانية، ألقت خطابا حماسيا حذرت فيه من مخاطر الهجرة والمثلية الجنسية، “نعم للعائلة الطبيعية، لا لتجمعات LGBT، نعم للهوية الجنسية، لا للأيديولوجية الجندرية، نعم لثقافة الحياة، لا لثقافة الموت…”.
لاحقا، بدأت حملة على مواقع التواصل التابعة لها للترويج لسياساتها الداخلية والأوروبية، حيث نشرت قبل نحو أسبوعين رسائل فيديو باللغات الإنكليزية والفرنسية والإسبانية تقول إن حزبها لن يهدد الاستقرار المالي لإيطاليا وإنهم سيلتزمون بتحالفات روما التقليدية، “إيطاليا بحاجة إلى حكومة موحدة وواضحة… تعزز الاستثمارات والنمو في بلدنا”. وفي إطار دفع الشبهات السلطوية عن حزبها قالت “نحن نعارض بشدة أي انحراف مناهض للديمقراطية بكلمات حازمة لا نجدها بشكل دائم في اليسار الإيطالي والأوروبي”.
القيم المسيحية وتجنب الصدام مع البابا.. الهجرة تأتي في المرتبة الثانية
في الانتخابات العامة السابقة التي جرت في 2018، حصل “أخوّة إيطاليا” على 4% فقط من الأصوات، وشاركوا في ائتلاف محافظ مع حزب ماتيو سالفيني، الذي كان يملك قاعدة شعبية أكبر، و”فورزا إيطاليا” الأكثر اعتدالًا بزعامة سيلفيو برليسكوني.
اليوم، ومع اختلاف عدد من العناصر والعوامل الفاعلة على المشهد السياسي الإيطالي، تشير استطلاعات الرأي إلى أن لدى نفس تحالف “الأخوّة – الرابطة – فورزا إيطاليا” فرصة جيدة للحصول على عدد كاف من الأصوات لتشكيل حكومة يمينية، لكن هذه المرة لم تعد ميلوني شريكة صغيرة الحجم والتمثيل، بل باتت زعيمة التحالف.
ولكن لماذا تحولت ميلوني إلى اللاعب الأبرز الآن وعلى حساب من؟
حصد حزب “أخوّة إيطاليا” الكثير من أصوات ناخبي “الرابطة” (سالفيني)، الذين ضاقوا ذرعا بسياساته والهزائم السياسية المتكررة التي مني بها، فضلا عن تبني الحزبين لبرامج متشابهة للغاية تستهدف نفس الناخبين.
قال دافيد ماريا دي لوكا، المراسل السياسي في صحيفة “دوماني” التقدمية “إنهم يتفقون على كل شيء تقريبا: وقف الهجرة، تجنب دفع الضرائب، مساعدة كبار السن… لذلك من الطبيعي أنه عندما تنخفض شعبية سالفيني، ترتفع أسهم ميلوني” لدى الناخبين.
وفي حين تتداخل بنود برنامج ميلوني مع برنامج “الرابطة” إلى حد كبير، خاصة عندما يتعلق الأمر بالهجرة، “الحدود المغلقة والحصار البحري لمنع طالبي اللجوء من الوصول إلى البلاد”، إلا أن ميلوني لم تبرز تلك القضية على أنها الأساسية ببرنامجها كما فعل سالفيني، بل راحت إلى اعتماد مفهوم “القيم المسيحية” كمحور أساسي يقوم عليه برنامجها.
أيضا، لم تخض ميلوني جدالات مع البابا ولم تهاجمه، كما فعل سالفيني، كونه أحد أكثر الشخصيات احتراما وحبا في البلاد، ولما يمثله بالنسبة للغالبية العظمى من الكاثوليكيين الإيطاليين.
هل ستتمكن ميلوني من الحفاظ على شعبيتها؟
وفقا لماتيو كافالارو، الباحث بشؤون اليمين المتطرف بجامعة لوزان، “حتى لو كانت ميلوني من حزب مقترن بالمرحلة الفاشية، ودخلت معترك السياسة من بوابة الحركة الاجتماعية الإيطالية التي أسسها أناس يحنون علانية إلى عهد بينيتو موسوليني، إلا أنه لا يبدو أن الإيطاليين قلقون بشكل خاص من هذا”.
ويورد الباحث في نص نشره مطلع العام الماضي أن الفضل بظهور ميلوني يعود لحقبة برليسكوني، الذي سعى لتطبيع علاقات اليمين المتطرف الإيطالي مع العمل السياسي في البلاد. “لقد قام برليسكوني بتطبيع اليمين المتطرف. الآن هذه العملية قد اكتملت، وظهور زعيمة مثل ميلوني يشير إلى أن إيطاليا فقدت أجسامها المضادة”، مشبها اليمين المتطرف بالفيروس.
لكن للمتابع للشأن الإيطالي، عملية البقاء على رأس هرم الاستطلاعات ليست بالأمر السهل، وسيكون على ميلوني في حال فوزها إثبات قدرتها على التحكم بمقاليد الحكم بشكل سريع، وإلا قد ينتهي الأمر بها كسلفها.