أثار قرار منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” والدول المنتجة للنفط المتحالفة معها “أوبك بلس” خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا، حالة غير مسبوقة من الهلع والغضب في واشنطن، نظرا لما له من تداعيات سياسية واقتصادية سلبية على الولايات المتحدة وحلفائها والدول المستهلكة للنفط على حد سواء.
خفض الإنتاج! لماذا؟
وعكس هذا القرار مدى قلق أعضاء المنظمة من انخفاض الطلب. ورأوا أن هناك ضرورة للحد من تقلب السوق واستعادة السيطرة عليها والإبقاء على الأسعار مرتفعة ومستقرة في حدود 100 دولار للبرميل. ومن المتوقع أن تتحمل أربع دول عربية وهي العراق والكويت والإمارات والسعودية الجزء الأكبر من حجم الخفض في المقابل ستستفيد من زيادة السعر.
وخلال الأيام السابقة لاجتماع دول المنظمة في فيينا يوم 5 أكتوبر أجرت وزارتا الخارجية والطاقة الامريكيتان اتصالات مكثفة مع مسؤولين، في الدول الصديقة لواشنطن الأعضاء في منظمة «أوبك» لحثهم على التصويت ضد خفض إنتاج النفط، إلا أن اجتماع فيينا جاء عكس متمنيات حكومة الرئيس الامريكي جو بايدن.
وقد اعتبر القرار ازدراء للرئيس جو بايدن، الذي زار المملكة العربية السعودية في جويلية الماضي في محاولة لإقناعها بضخ المزيد من النفط في الأسواق العالمية. وبالفعل وجدت مناشدة بايدن آنذاك تجاوبا من المسؤولين السعوديين، وأعلنت الرياض حينها زيادة الإنتاج وإن كان حجمها أقل بكثير مما طلبته الولايات المتحدة.
يأتي قرار خفض الإنتاج في توقيت حرج بالنسبة لإدارة الرئيس بايدن قبل شهر تقريبا من موعد إجراء انتخابات التجديد النصفي للكونغرس. وثمة خطر في أن هذا الخفض الذي سيدخل سريان المفعول في الأول من نوفمبر من شأنه أن يتسبب في ارتفاع أسعار البنزين والغاز. وإذا حدث وارتفعت الأسعار في أمريكا فإن ذلك سيكون بمثابة كارثة سياسية كاملة الأركان على إدارة الرئيس الديمقراطي بايدن. إذ سيستغلها خصومه الجمهوريون كإثبات على فشل سياساته الاقتصادية، ومن ثم التأثير على توجهات الناخب الأميركي يوم الاقتراع.
وهذا بالذات ما كان الرئيس وفريقه يحاولان تفاديه. ففي الأسابيع القليلة الماضية دأبت وزارة الطاقة الامريكية على خفض أسعار البنزين والغاز تدريجيا من المستويات العليا التي بلغتها في الصيف الماضي.
غضب في واشنطن
وجاء الرد الأمريكي في بيان صيغ بلهجة غاضبة على لسان جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، وبراين ديس، مدير المجلس الاقتصادي بالبيت الأبيض. وعبر البيان عن خيبة أمل الرئيس بايدن من القرار ، واصفا إياه بأنه “قصير النظر”، خصوصا وأن الاقتصاد العالمي يعاني في هذه الاثناء من تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا.
وعلى الفور، وفي خطوة تهدف الى حماية المستهلكين الأميركيين، أمر الرئيس الامريكي وزارة الطاقة بالإفراج عن 10 ملايين برميل من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي الأميركي في الأسواق مع دخول خفض الإنتاج حيز التنفيذ في الأول من نوفمبر والاستمرار في اللجوء الى احتياطي البترول الاستراتيجي كلما اقتضت الحاجة.
مشاورات قبل الرد
ومن المتوقع أن يجري الرئيس بايدن مشاورات مع أعضاء الكونغرس للبحث عن أدوات وآليات إضافية لتقليص تحكم أوبك في أسعار الطاقة وتقليص اعتماد الولايات المتحدة على المصادر الأجنبية للوقود الأحفوري وتسريع ضخ الاستثمارات في الطاقة النظيفة.
ويرى العديد من السياسيين الأمريكيين أن قرار المنظمة هذا يضعها في تحالف غير معلن مع روسيا. وجاء في تقرير نشرته شبكة “سي إن إن” أن واشنطن قد تعتبر قرار “أوبك بلس” خفض إنتاجها النفطي “عملا عدائيا” ضد الولايات المتحدة وقد تتخذ إجراءات غير مسبوقة ضد حليفتها السعودية لتقليص نفوذها في السوق النفطية.
ففي رأي واشنطن ستكون روسيا أكبر المستفيدين من خطوة خفض حجم الإنتاج لأن الخفض سيؤدي الى رفع سعر البرميل. وارتفاع السعر سيساعد الخزينة الروسية في تمويل مجهود الحرب الروسية على أوكرانيا. ثم إن هذا الارتفاع أيضا سيبطئ نسبة النمو الاقتصادي عبر العالم وسيؤثر في حجم الدعم المالي والعسكري الغربي لأوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي.
أصوات ضد السعودية
وقد بدأت أصوات في الكونغرس الأمريكي تدعو لإعادة النظر في العلاقة مع الرياض. وقد طرح النائب الأمريكي الديمقراطي توم مالينوفسكي مشروع قانون في مجلس النواب يطالب إدارة الرئيس بايدن بسحب أنظمة الدفاع ضد الصواريخ و3000 جندي، وهم قوام القوات الامريكية من السعودية والامارات. وقال مالينوفسكي في بيان صادر عنه: “لقد حان الوقت لكي تستأنف الولايات المتحدة دورها كدولة عظمى في علاقتها بزبائنها في الخليج.”
وفي تصريحات لقناة سي إن بي سي قال السيناتور الديمقراطي كريس مورفي “إن تقليص حجم الإنتاج يفرض علينا إعادة النظر بشكل شامل لتحالف الولايات المتحدة مع السعودية. هكذا في وقت الأزمة يختار السعوديون التحالف مع الروس بدل الأمريكيين”.
من المؤكد أن تثير التحديات الجديدة التي تفرضها سوق الطاقة العالمية توترات بين إدارة الرئيس بايدن والدول الكبرى المنتجة للنفط وعلى رأسها الدول الخليجية التي ظلت، في رأي الأمريكيين، تحصد أرباحا قياسية في وقت يواجه فيه المستهلكون عبر العالم صعوبات معيشية كبرى.