مظاهرات جديدة في جرجيس التونسية للمطالبة بمعرفة مصير المهاجرين المفقودين
تظاهر الآلاف في مدينة جرجيس الساحلية، يوم الجمعة الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر، مطالبين السلطات التونسية ببذل المزيد من الجهود لاسترجاع جثث المهاجرين الذين غرقوا قبل نحو شهر ونصف، أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا. مطلعون على الشأن التونسي ربطوا تلك المظاهرات بأخرى تحصل في عدة مناطق تونسية مرتبطة بالغلاء والبطالة وانعدام الآفاق، خاصة للشباب.
عاد المتظاهرون إلى الشارع في مدينة جرجيس جنوب تونس، مطالبين السلطات بالعمل على كشف ملابسات غرق مجموعة من المهاجرين قبل نحو شهر ونصف وانتشال جثثهم.
وكان 18 مهاجرا تونسيا قد استقلوا قاربا ليلة 20 – 21 أيلول/سبتمبر انطلق من سواحل المدينة سعيا للوصول إلى أوروبا. لكن بعيد انطلاقه، اختفى القارب ومعه المهاجرين.
في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عثر صيادون تونسيون على ثماني جثث تعود لمهاجرين كانوا على متن ذلك القارب، في حين لا يزال 12 في عداد المفقودين.
عودة للتظاهر
ويوم الجمعة الماضي الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر، عاد الآلاف إلى الشوارع للمطالبة بمعرفة مصير أبنائهم. المتظاهرون هتفوا “لصوص بلادنا قتلة الأطفال”، في إشارة إلى غضبهم من أداء السلطات في هذه القضية.
ففضلا عن اتهامها بعدم القيام بأي جهد للبحث عن المفقودين، قامت السلطات المحلية بدفن جثث أربعة من المهاجرين، “عن طريق الخطأ”، بمقبرة الغرباء (حديقة أفريقيا) المخصصة لمواراة جثث المهاجرين مجهولي الهوية وغالبيتهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
ذوي بعض المفقودين، ممن اكتشفوا أن أبناءهم دفنوا في تلك المقبرة، اتهموا السلطات بعدم القيام بأي جهد للتأكد من هوياتهم.
وكان منجي سليم، رئيس الهلال الأحمر التونسي في ولاية مدنين، قد انتقد حينها قيام السلطات بدفن رفات الضحايا بذلك الشكل قبل الحصول على عينة حمض نووي مسبقة، تتيح المجال للتعرف على هوياتهم.
وخلال اتصال مع مهاجر نيوز، أورد سليم أن الهلال الأحمر يقوم بدفن الجثث بعد الحصول على أوامر الدفن والأوراق الرسمية من السلطات البحرية والنائب العام. ويوضح أنه “يمكن دفن الجثث بسرعة إذا كانت قد وصلت لدرجة معينة من التحلل، لأسباب تتعلق بالصحة العامة”. ليعود ويستدرك “لكن يمكن إجراء اختبار الحمض النووي على الرغم من ذلك، مجرد عينة صغيرة جدا”.
وتحت الضغط وتنامي الحركات الاحتجاجية، تم انتشال الجثث والتعرف عليها ودفنها في مقابر العائلات.
“غياب التنمية الجهوية وفرص العمل والبطالة وآفاق المشاركة…”
رياض رمضاني، ناشط في المجتمع المدني التونسي، قال لمهاجر نيوز إن “الوضع في البلاد بشكل عام مقلق للغاية. ففي ظل غلاء المعيشة وفقدان المواد الغذائية الأساسية والإحباط الذي يعيشه الشباب بسبب طريقة إدارة البلاد، بات حلم ركوب البحر ملازما للكثير من التونسيين، على الرغم من المخاطر الهائلة التي ترافق هذا القرار”.
بالنسبة للناشط السياسي، الوضع في جرجيس صورة مصغرة عن الوضع العام في تونس. “الناس هناك ضاقوا ذرعا بالصعوبات الحياتية اليومية، لتأتي حادثة القارب وتخرجهم للشارع. كثيرون يرون أن الحكومة تتستر على حقيقة ما جرى، خاصة مع الطريقة التي تم التعاطي فيها مع جثث بعض من أبنائهم الذين انتشلهم الصيادون (الدفن في مقبرة الغرباء)”.
وعلى الرغم من أن الرئيس التونسي قيس سعيد أمر وزارة العدل بفتح تحقيق في الحادث، إلا أنه، وفقا للناشط التونسي، الشعور العام مازال “أن هناك إهمال من قبل السلطات بحق الضحايا وذويهم. ربما حاولوا المساعدة والتحقيق والبحث عن جثث المفقودين، لكن هناك تعتيم على القضية بشكل كبير”.
وختم قائلا “مظاهرات جرجيس مرتبطة بشكل مباشر بالوضع العام في البلاد. قد تكون شرارتها حادثة غرق القارب، لكنها تحمل في طياتها غياب التنمية الجهوية وفرص العمل والبطالة وآفاق المشاركة… الاحتجاجات تكبر بشكل دوري. مثلا في حي التضامن في العاصمة، باتت المظاهرات شبه يومية”.
نقص الموارد
ومع تحسن الظروف المناخية في المتوسط من الربيع إلى الخريف، تتسارع وتيرة مغادرة قوارب المهاجرين للسواحل التونسية والليبية المجاورة إلى إيطاليا، والتي تنتهي في بعض الأحيان بشكل مأساوي.
بالمقابل، تسعى السلطات التونسية لاعتراض المهاجرين أو إنقاذهم على الرغم من نقص الموارد، بحسب تصريحات مسؤولين في الحرس البحري.
بهذا الشأن، كان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قد اعتبر أن “الإمكانيات التي تسخرها السلطات موجهة للمنع (منع القوارب من المغادرة) وليس للبحث والإنقاذ”.
وقال في بيان سابق “ندعو السلطات التونسية للالتزام الفعلي والعملي بإنقاذ أرواح المهاجرين في المياه الإقليمية التونسية عبر إطلاق آلية استباقية للمساعدة والإنقاذ البحري، تستهدف إنقاذ الأرواح وتدمج كل الهياكل والمتدخلين على طول المياه الإقليمية التونسية، والكف عن عمليات الصّد القسري التي تشكل خطرا على حياة المهاجرين”.
وتم اعتراض أكثر من 22,500 مهاجر منذ بداية العام الجاري، وفقا لبيانات رسمية تونسية.
وكانت المنظمة الدولية للهجرة قد أفادت باختفاء 1,765 مهاجرا في البحر المتوسط منذ بداية 2022، الطريق الذي بات من أخطر طرق الهجرة وأكثرها دموية في العالم.