نتائج صادمة.. تقرير يوثق تصاعد مؤشرات الهجرة لدى الشباب في الدول العربية
أصدرت شبكة “البارومتر العربي” البحثية تقريرا حول نوايا ودوافع الهجرة في البلدان العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. شمل البحث عينة من أكثر من 33 ألفا، توزعوا على 14 دولة. نتائج البحث أفضت إلى أن نحو 30% من سكان هذه الدول يسعون للهجرة لأسباب تنوعت بين اقتصادية وسياسية وأمنية وتعليمية
. البحث أظهر أن مؤشرات الهجرة، خاصة لدى الشباب في الدول العربية، تسير في منحى تصاعدي، مقارنة بالسنوات السابقة.
على مدى السنوات الماضية، تحولت البلدان العربية، من المحيط إلى بعض الخليج، إلى معامل تصدير مهاجرين، خاصة من أوساط الشباب الباحثين عن الأمن أو المستقبل الأفضل أو المساحة الأرحب للتعبير بشيء من الحرية.
لا تمييز محدد هنا بين هجرة “العرب” وغيرهم من الشعوب والأمم الأخرى، لكن بعض أنماط الهجرة يمكن أن تحظى ببعض التمايز عن غيرها، خاصة إذا تشاركت بالأسباب والنتائج نوعا ما.
نسب الأشخاص الراغبين في الهجرة عالية جدا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتحتل كل من الأردن والسودان وتونس رأس القائمة، حيث يرغب ما يقرب من نصف السكان في المغادرة، وفقا لمسح أجراه “الباروميتر العربي” في جوان العام الماضي.
وتبلغ النسبة الأعلى في الأردن، حيث أشارت نتائج المسح المنشورة على موقع الشبكة البحثية إلى أن ما يقرب من نصف من تم استجوابهم (48%) يريدون مغادرة المملكة. في حين جاءت مصر في المرتبة الأدنى من تلك الناحية حيث عبر 13% فقط عن رغبتهم في الهجرة.
وتأتي العوامل الاقتصادية على رأس قائمة الأسباب التي تدفع السكان للسعي للهجرة. وكشف استطلاع “الباروميتر العربي” أن 97% من الذين استطلعت آراؤهم في مصر ذكروا أن الصعوبات الاقتصادية تقف وراء اختيارهم الهجرة، في حين بلغت تلك النسبة 93% في الأردن، لكنها انخفضت في ليبيا إلى 53%.
قد لا تشكل “الحجة الاقتصادية” سببا كافيا يدفع الناس إلى اتخاذ القرار بالهجرة بعيدا عن أوطانهم، لكن بالنظر إلى استخلاصات منظمة العمل الدولية حول تأثير جائحة كورونا على دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نجد أن معدلات البطالة ارتفعت بنسبة 50% في مصر و33% في تونس و23% في المغرب، مما يستدعي النظر إلى نقاط الضعف الهيكلية في أسواق العمل وقدرتها على استيعاب الأفواج المتجددة من الأيدي العاملة، خاصة من فئة الشباب.
الأمن والتعليم
في المقابل، تحدثت فئات متعددة في المسح الذي أجراه “البارومتر العربي” عن أسباب أخرى دفعتها لاتخاذ هذا الخيار، تعليمية وسياسية وأمنية، كل وفقا للبلد الذي جاء منه والظروف المحيطة به.
في العراق مثلا، اعتبر أكثر من الثلث (37%) أن الدافع الرئيسي وراء سعيهم للهجرة هو الأوضاع الأمنية، في حين أن أقل من 10% يقولون الشيء نفسه في فلسطين والأردن والسودان والدول العربية الأخرى شمال أفريقيا.
في المقابل، اعتبر ما يقرب من خُمس (19%) المهاجرين المحتملين في المغرب أن التحصيل العلمي هو سبب سعيهم للهجرة، في حين تدنت نسبة متبنّي ذلك السبب في كل من مصر وتونس إلى 4% و3% تباعا.
من هي الفئات المعنية بالهجرة؟
على مدار السنوات الماضية، تغيرت تلك النسب بين بلد وآخر، فبينما ارتفعت نسبة الراغبين بالهجرة في بلد انخفضت في آخر، وفقا للظروف والتحديات التي تمر بها كل دولة على حدة. على سبيل المثال، شهد كل من لبنان وتونس، خلال 2018 – 2019 ارتفاعا بأعداد الراغبين بالهجرة بلغت 12% من السكان، بشكل مرتبط بالتحديات الاقتصادية التي تواجهها البلدان.
ففي لبنان، أدى الانهيار المالي في عام 2019 إلى رغبة العديد من المواطنين في المغادرة. وفي تونس، انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة أدنى بكثير مما كان عليه قبيل ثورة الياسمين (2011)، ما يفسر على الأرجح سبب ميل الكثيرين للبحث عن مستقبل أفضل في الخارج.
نتائج المسح أفضت أيضا إلى أن الأغلبية العظمى من الراغبين في الهجرة في الدول العربية هم من فئة الشباب (بين 18 و29عاما).
في تونس والأردن، يقول ما يقرب من ثلثي الشباب (65% و63% على التوالي) إنهم يفكرون في الهجرة، في حين تضاعفت تلك الاحتمالية لدى الشباب في لبنان مرتين مقارنة بمن يبلغ عمرهم 30 عاما أو أكثر (60% مقابل 28%).
أما من الناحية الجندرية، يذكر أن النسب المتعلقة بالراغبين بالهجرة في البلدان العربية تميل بشكل واضح للذكور منها للإناث. فما لا يقل عن نصف الرجال المستطلعين في المسح في الأردن (56%) وتونس (52%) والسودان (50%) يقولون إنهم يريدون مغادرة بلدانهم.
وتبلغ تلك الفجوة أقصاها في موريتانيا، حيث يرغب حوالي ثلاثة من كل 10 (29%) من الرجال في الهجرة، مقارنة بنسبة سبعة في المائة فقط من النساء.
في غضون ذلك، تكاد تلك الفجوة تنعدم في لبنان، حيث تكاد نسب الذكور والإناث الراغبين بالهجرة تتساوى.
من الناحية الاجتماعية، قد تشكل الطبقات المعدومة أو الفقيرة الأغلبية الساحقة ضمن الفئات الساعية للهجرة في البلدان المعنية، بحثا عن المستقبل وظروف العمل والضمان، لكنها ليست الفئة الوحيدة. يعمد الأغنياء أيضا إلى البحث عن وجهات للهجرة، إما هربا من أنظمة اقتصادية يعتبرونها جائرة، أو بحثا عن مكان يمكنهم من متابعة أنشطتهم التجارية والمالية بهدوء، ويتمكنون لاحقا من تحصيل جنسيته.
خيار الهجرة غير النظامية
نسبة كبيرة من الساعين للهجرة في الدول العربية أعربت عن استعدادها للقيام بذلك حتى لو كانوا يفتقدون للوثائق اللازمة. وجاء المغرب على رأس القائمة، يفكر أكثر من نصف الساعين للمغادرة (53%) في القيام بذلك دون الأوراق اللازمة. وكانت هذه النسبة تبلغ 38% في 2018.
أما في كل من تونس والسودان وليبيا والعراق، فقد أعرب كل أربعة من 10 من الراغبين بالهجرة عن استعدادهم باعتماد ذلك الخيار (الهجرة غي النظامية).
وتنخفض تلك النسبة في كل من فلسطين (29%) والأردن (26%) وموريتانيا (22%) ولبنان (19%) ومصر (13%)، ممن يقولون إنهم قد يقدمون على الهجرة دون الوثائق المطلوبة.
وعلى مدار الأشهر الماضية، شهدت طرقات الهجرة المتنوعة (المتوسط، إيجه، البلقان…) ارتفاعا كبيرا بأعداد المهاجرين التونسيين، الذين وفقا لما قال بعضهم لمهاجر نيوز، آثروا المغادرة بحثا عن فرص اقتصادية أفضل وحياة أكثر استقرارا. أما بالنسبة للعراقيين والسوريين، فقد شهدت طريق البلقان ارتفاعا ملحوظا بأعدادهم مؤخرا، حيث اعتمد بعضهم طريق بيلاروسيا للعبور منها إلى ليتوانيا أو بولندا، ومن هناك إلى ألمانيا. في خين آثر البعض الآخر عبور الحدود من تركيا إلى اليونان أو بلغاريا ثم ألبانيا، واستكمالها إلى إحدى دول أوروبا الغنية.