نادر الحمامي يكتب: قلتلكشي … أنا؟
من أروع ما يصل مسامعك من التونسي وأطربه عبارة ذات رنّة إنكاريّة بديعة: قلتلكشي…؟” ولا يكتمل حسن العبارة وجمالها إلاّ بإضافة “أنا” التي تخرق الأرض وتبلغ الجبال طولا، فهي أطول مدّ في العربيّة.”قلتلكشي … أنا؟” عبارة عجيبة تأتي بعد كلّ صنوف الأخبار والأحداث حين تقع مذكّرة السامع بعلم المتكلّم المسبق بما كان وما هو كائن وما سيكون. التونسي استثنائي في كل شيء حتّى في علمه القديم الأزليّ، ولو عاش ابن حنبل اليوم لغيّر نظرته إلى القول بالقدم والحدوث ومال إلى الاعتزال. التونسي له علم مسبق بما سيقع في قصور الرؤساء والملوك، ويعلم مآلات السياسات، ويعلم ما سيؤول إليه الأمر في علاقات المشاهير، ويرى بعينيه كيف ستدور مقابلة كرة القدم قبل أن تُلعب.
[metaslider id=2149]
الأمر عند التونسي لا يتعلّق بتخمين، ولا حتّى بشكل من أشكال المعرفة، وأنّى لكانط أو أرسطو من قبله وبارغسون من بعده من خلال نظرياتهم في الحدس أن يقفوا على علم التونسي اللدني، التونسي يعرف كلّ شيء فقد رفعت عنه الحجب، وانظر الفايسبوك، بعد أن استمعت، تر “المتنبئين الزرق” يذكّروننا بأنّ ما يحدث اليوم قد قالوه منذ مدّة غير أننا كنّا عنه من الغافلين. ولكن لكل شيء إذا ما تمّ نقصان، أمر واحد عجز التونسي عن اكتشاف كنهه وجوهره مسبقا: “الدلاّعة يشريها بالموس”.