رفع حظر السلاح عن الصومال: فرصة لتقويض نفوذ “الشباب”
يعتقد محللون سياسيون وأمنيون صوماليون أن قرار مجلس الأمن الدولي، مطلع ديسمبرالحالي، رفع حظر السلاح المفروض على مقديشو يعد فرصة تاريخية لفك قيود الأسلحة عن الدولة التي تخوض حرباً ضد حركة “الشباب” المسلحة بشكل متكافئ مع الدولة.
ويتطلع الصومال من خلال القرار، بحسب المحللين، إلى تحقيق تفوق عسكري يسمح له بتقويض نفوذ “الشباب”، التي تشكل حجر عثرة أمام بسط نفوذ الدولة.
ويحمل هذا القرار، الذي حظي بترحيب رسمي وشعبي، مكاسب أمنية كبيرة بحسب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، الذي قال، في كلمة متلفزة أخيراً، إن بلاده ستستطيع دحر الإرهاب وكل من يهدد أمن واستقرار البلاد.
ويمكن للصومال، جراء رفع الحظر، شراء أي أسلحة ومعدات عسكرية ضرورية من أي مصدر دون قيود قانونية. لكن الشكوك بدأت تطفو على السطح حول قدرة الحكومة على ضبط الأسلحة، ومنع تسربها للجماعات المتطرفة والمليشيات العشائرية إلى جانب منع سوء استخدامها وتخزينها. يشار إلى أنه في جانفي 1992، وضعت الأمم المتحدة الصومال تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة بعد اندلاع الحروب الأهلية وانتشار العنف في ربوع البلاد، وذلك بهدف حماية المدنيين، وأن الوضع في الصومال يهدد السلم العالمي.
وينص البند السابع، المكون من 13 مادة، على اتخاذ إجراءات إذا كان هناك تهديد للسلام العالمي. وتتراوح الإجراءات التي اتخذت بحق الصومال ما بين العقوبات الاقتصادية وحظر بيعه السلاح، إلى جانب إرسال قوات حماية وتدريب أفريقية إلى البلد.
تفوق عسكري حكومي لمواجهة “الشباب”
ويقول مستشار مكتب الأمن القومي في الحكومة الفيدرالية عبدالحليم صالح، لـ”العربي الجديد”، إن “الحكومة الصومالية استطاعت لأول مرة منذ انهيار الحكومة المركزية عام 1992 رفع حظر استيراد الأسلحة من الخارج، بعد الإيفاء بكامل التزاماتها تجاه مجلس الأمن الدولي، ما يمهد الطريق لتحقيق تفوق عسكري، إذا تمكنت من تأمين أسلحة نوعية لجيشها لمواجهة حركة الشباب”.
ويرى عبدالحليم أن قرار رفع حظر الأسلحة عن الصومال يشي بدخوله مرحلة جديدة قد تغير الموازين العسكرية في البلاد في حال نجحت الحكومة الصومالية في إدارة ملف الأسلحة لصالحها، حسب احتياجاتها العسكرية المطلوبة لمواجهة التحديات الأمنية.
ويشير إلى أنه بات بإمكان الحكومة الصومالية استغلال هذه الفرصة لتسليح جيشها لتحقيق تفوق عسكري في الميدان، لكن بشكل محدود نظراً لوجود مطبات اقتصادية قد تحد من قدرتها الشرائية في الوضع الراهن.
ويعتبر أن التفوق العسكري يمكن أن يحقق نتائج عسكرية سريعة في أرض المعركة، نظراً لجاهزية الحكومة الصومالية في تأهيل وتدريب الجيش لاستخدام الأسلحة الثقيلة لترجيح كفة القتال لصالحه.
ويشير عبدالحليم إلى أن السيناريو الأقرب للحصول على الأسلحة المتطورة في الوقت القريب هو من خلال شركاء الصومال الذين يوفرون معدات عسكرية، تمثلت في الطائرات بدون طيار والصواريخ، ما قد يُعطي الجيش الصومالي تفوقاً عسكرياً في أرض المعركة ضد حركة “الشباب”.أخبار
ويؤكد عثمان أن انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال “أتميس”، نهاية ديسمبر 2024، هي الخطوة الفاصلة أمام الصومال للخروج من إجراءات البند السابع بميثاق الأمم المتحدة.
أهمية تفوق الدولة عسكرياً لتحقيق الاستقرار بالصومال
من جهته، يؤكد مستشار الأمن القومي للرئيس الصومالي حسن معلم، في تصريح صحافي، أهمية تفوق الدولة عسكرياً على كل الفصائل المسلحة في البلاد، سواء الجماعات الإرهابية أو المليشيات المسلحة، حتى تتمكن من بسط نفوذها وتحقيق الاستقرار، ومن دون هذا التفوق العسكري تبقى الدولة هشة.
ويضيف أن الحكومة اتخذت إجراءات مشددة للتحكم بالأسلحة التي قد تستورد من دول العالم، حيث شكل الرئيس مكتباً خاصاً لمراقبة الأسلحة المستوردة. ويشير رداً على سؤال حول صلاحية شراء الولايات الفيدرالية الأسلحة، إن الولايات تابعة للحكومة الفيدرالية، وليس لها صلاحية لشراء الأسلحة من دون موافقة مكتب مراقبة الأسلحة الحكومي.
ويؤكد أن كل الشكوك حول قدرة الحكومة على التحكم في ضبط الأسلحة ستزول مع الأيام، بعد تنفيذ استراتيجية السلطة لضبطها، والتي ستساهم في تأهيل الجيش الصومالي لدحر الإرهابيين وتعزيز أمن واستقرار البلاد.
تقويض نفوذ “الشباب”
وتصب توقعات المحللين بأن من شأن رفع حظر الأسلحة عن الصومال أن يخلط الحسابات العسكرية لمقاتلي “الشباب”، أمام الجيش الصومالي الذي سيحظى بأسلحة متفوقة قد تغير موازين المعركة في قادم الأيام.
وتقول ملكة عبدي، الخبيرة الأمنية في هيئة إدارة التنمية الصومالية “ميند” (مستقلة)،، إن تكافؤ الطرفين، من حيث نوعية الأسلحة والمعدات العسكرية، هو العامل الذي أطال أمد الحروب بين الجيش الصومالي ومقاتلي حركة “الشباب”، ولهذا من الواضح أن قرار رفع الحظر عن الأسلحة سيحتم على الحكومة اللجوء إلى شراء أسلحة نوعية ومعدات عسكرية ثقيلة من الدول الصديقة.
وحول مدى أهمية الأسلحة النوعية لدحر نفوذ “الشباب”، تقول عبدي إن تفوق الجيش الصومالي قد يقوض نفوذ الحركة، ويقلل من الخسائر البشرية في صفوف الجيش في حال استخدامه تكتيك القصف بالصواريخ بعيدة المدى، لدك معاقل الحركة بدون خوض مواجهات مسلحة.
وتعتبر أن الجيش الصومالي حقق مكاسب أمنية كبيرة خلال العمليات العسكرية الحكومية الأخيرة، حيث استعاد نحو 50 مدينة وبلدة وقرية كانت تخضع لسيطرة “الشباب”، وهذا رصيد عسكري كبير بالنسبة للحكومة، مشيرة إلى أن استخدام أسلحة حديثة في المعركة قد يقرب بداية نهاية الحركة، خاصة في ولايات جلمدغ وهيرشبيلى وجنوب غرب الصومال.
قلق من قدرة الحكومة الصومالية على ضبط الأسلحة
وبعد إعلان رفع حظر الأسلحة من قبل مجلس الأمن، ظهرت ردود أفعال محلية وأخرى خارجية متخوفة ومشككة بقدرة الحكومة الصومالية على ضبط الأسلحة المتطورة التي قد تستوردها من العالم.
ويقول الضابط المتقاعد شريف حسين روبو،، إن المخاوف المرتبطة بقدرة الحكومة على التحكم بالأسلحة في محلها، لأن الواقع يعزز فرضية هذه المخاوف، لكن الحكومة هي المسؤولة عن تبديد هذه المخاوف، عبر إجراءات صارمة لضبطها، موضحاً أن جميع المخاوف تأتي من إمكانية تسرب الأسلحة للجماعات المتطرفة والمليشيات القبلية.
ويعتبر روبو أن الحكومة قادرة على ضبط الأسلحة الثقيلة حرصاً على تفوقها العسكري، لأن أي تسرب لها قد يقوض ثقة المجتمع الدولي بها، ويعيد الصومال لدائرة العقوبات من جديد.
وحول مخاوف دول الجوار، يوضح روبو أن مخاوف دول الجوار طبيعية، لكن قرار رفع حظر السلاح يصب أيضاً في مصلحتها، لأن الصومال سيكون قادراً على تقاسم الأعباء، لا سيما في مسألة تأمين الحدود البرية ومواجهة الإرهاب والخلايا النشطة في الحدود بين الدول الثلاث، الصومال، وإثيوبيا، وكينيا.
تحرر الصومال من “البند السابع”
ويرى محللون أن رفع حظر السلاح عن الصومال يقرب البلاد من التحرر من طائلة البند السابع في ميثاق الأمم المتحدة، بعد نحو ثلاثة عقود كانت البلاد تحت الوصاية الدولية.
ويقول الأكاديمي الصومالي أويس عدو، ، إن الصومال بدأ يستوفي الشروط للخروج من البند السابع بميثاق الأمم المتحدة، مع الاستقرار السياسي والأمني السائد في البلاد إلى جانب رفع حظر السلاح عنه.
ويضيف عدو، المحلل في مركز الصومال للدراسات (مستقل)، أن قرار رفع حظر الأسلحة كان من بين العوامل الأساسية التي تمهد لإنهاء الوصاية الدولية.
ويستبعد عدو مخاوف جهات داخلية وخارجية من انهيار الوضع الأمني جراء انسحاب “أتميس”، نهاية ديسمبر 2024، معتبراً أن الأسلحة الجديدة التي ستشتريها الحكومة ستمكنها من تسلم مهام أمن البلاد.