على ركح المسرح الروماني بقرطاج: مارسيل خليفة “منتصب القامة يمشي” في حقل من الألغام
_ كوثر الحكيري
جمهور كبير العدد ملأ المسرح الروماني بقرطاج. شباب وكهول وأطفال بعضهم يرتدي الكوفية الفلسطينية، والبعض الآخر يلوح بالأعلام التونسية واللبنانية والفلسطينية. صورة “شيغفارا” تحتل جانبا من المدارج. لافتات عملاقة كتب عليها “الحرية لجورج ابراهيم عبد الله وأحمد سعدات وكل الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني” وغيرها من الشعارات التي طالما رفعت في سهراته لأنها كانت دائما أشبه بالمظاهرة “الفنية”. يتداخل فيها الفني بالسياسي والإنساني والحناجر تغني معه “منتصب القامة أمشي”، “جواز سفر”، وتهتف “بالروح بالدم نفديك يا وطن”
نظرة بانورامية لكل ما كان يحدث في مدارج المسرح الروماني بقرطاج ليلة الخميس 26 جويلية 2018 كانت كافية لتثبت أمرين: الأول نحن في حفل للفنان “مارسيل خليفة”، والثاني جمهوره لم يتغير حتى وإن “تغير” مارسيل وذهب في اتجاه تجربة جديدة ومجددة في مسيرته تخلى فيها عن فرقته الموسيقية دون أن “يتخلص” من عوده. لم ترافقه “أميمة الخليل” بهدهدتها “الجنائزية” (عصفور طل من الشباك) التي طالما أهداها “مارسيل” للأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية والعربية، لكن رافقه ابنه “رامي خليفة” عازفا بارعا على البيانو الذي لم يداعبه بأنامله بل دمره تدميرا، كما رافقه عازف الإيقاع “أنريك ويستريتش”
تجربة بل مغامرة دخلها “مارسيل خليفة” وهو يدرك بلا شك أنه معها وبها كان كمن يمشي في حقل من الألغام وسيخلف الكثير من الدهشة متبوعة بنقاط استفهام وتعجب كثيرة! ولن يروا في “رامي” عازفا باعا على “البيانو” بل “ابنه” الذي جاء “ليفسد” رصيد الأب!
افتتح “مارسيل خليفة” ليلته بأغنية جديدة “يا حادي العيس” تحية منه إلى أمهات شهدائنا. واستطاع كعادته السيطرة على الجمهور الذي أذعن لأوامره صمتا أو تصفيقا أو غناء. كان “المايسترو” الذي يقود كورالا قويا متمردا لكن إذا تحدث “مارسيل” هدأ البركان.
كان صعبا على من يحب هذا الفنان اللبناني وحضر له الكثير من حفلاته أن يتقبل “ضجيج” الإيقاع والبيانو في توزيع جديد لأغانيه المعروفة ولكن كان ضروريا في الوقت نفسه أن نراه مجددا وأن نسمع له أغان قديمة للأطفال لم يسبق له تقديمها لجمهوره التونسي مثل “كانت الحلواية”، “بوليس الإشارة”.
ليست الموسيقى وحدها “مستحدثة” في عرض “مارسيل خليفة” ليلة الخميس 26 جويلية 2018 بل تقديمه لقطع موسيقية مثل “صرخة” التي أهداها إلى شهداء تونس و”روكليام” التي أهداها إلى مدينته الحزينة الغاضبة “بيروت” وكانت تشبهها هادئة ساحرة عاشقة حينا، وغاضبة متمردة حينا آخر. وراهن “مارسيل” أيضا بتقديم القصيد غير المغنى من خلال إلقائه لقصيد “آخر الليل” التي أنصت إليها الجمهور في صمت خاشع
ومع نقراته على العود اهتز الجمهور يغني “منتصب القامة أمشي” وكان “مارسيل خليفة” متسامحا معه فشاركه غناءها بأسلوب جميل وعلى العود أيضا عزف وغنى “أحن إلى خبر أمي” فأبكى الكثيرين، وفي وصلته المنفردة على العود قدم أغنية تونسية جديدة له من كلمات “آدم فتحي” بعنوان “غن لصباح جديد” لحنها على مقام الراست بسيطة يسهل حفظها
وبعد تحيته للشاعرين الراحلين “محمود درويش” و”الصغير أولاد أحمد” غنى بمرافقة “رامي خليفة” على البيانو “عودوا أنى كنتم” ليختتم سهرته بجواز سفر وبحرية في توزيع جديد
في عرضه على ركح المسرح الروماني بقرطاج ليلة الخميس 26 جويلية 2018 كان “مارسيل خليفة” يعانق عوده في خشوع يتوسط البيانو والإيقاع حاملا تجربته إلى أقاص جديدة يعرف جيدا منتهاها فهو فنان لا يستطيع الوقوف في مكان واحد. وهو إنسان “يحتاج إلى رغيف الخبز وإلى الوردة أيضا”