الاستجداء الفايسبوكي بقلم نادر الحمامي
“جام لله” “لايك يا محسنين”، كذا أسمع صوتا ينادي من وراء سطور تدوينة فايسبوكيّة هنا وأخرى هنا تعقيبا على موقف أو إبداء لرأي، يتقلّب قلب صاحبه حيث ما شاء هوى الجمهور العريض أو كذا توهّم صاحبه. وأكاد أرى صاحب المنشور مطرقا وراء حاسوبه أو هاتفه الجوّال يقلّب الصفحات ويعدّ على أطراف أصابعه عدد من هم مع هذا الموقف أو ذاك حتّى يقرّر مع من سيكون، “ويد الله مع الجماعة”. غدا الإصبع الأزرق المرفوع علامة على الإعجاب صيدا ثمينا قد يجعل من باحث جامعيّ أو كاتب أو غيرهما ممن يحسب على “النخب المثقّفة” تابعا لانفعالات الجمهور، فلا غرابة أن تجد بعضهم يملأ صفحاته المثقلة بالجامات بمنشورات تثبت أقوالا لأعلام لم يقولوها، وأخبار من هنا وهناك لا يصدّقها الغرّ ومن كان في المهد صبيّا. وكذا ترى من ينشر “المواعظ والحكم” في النظام واحترام القانون والنظافة و”الأخلاق الحميدة” يجد المبرّرات للتغنّي في مواضع أخرى بكلّ ما يخرق النظام ويتعدّى على الدولة ومؤسّساتها فيطرب للسبّ والشتم والثلب إذا وافق ما اعتقد أنّه محبّب إلى الجمهور، وكلّه من أجل “الجام”. ولمّا كان “الجام” هو العملة الصعبة وعلامة دخول القلوب للكثير من الباحثين عن مكان في ظلّ الأفئدة الجماهيريّة لا داعي للغرابة إذا رأيت من شمّر عن ساعد الجدّ وجرّد هاتفه “الذكيّ” وحاسوبه “الألمعيّ” ليحارب القتل بالقتل دفاعا عن المجتمع ودرءا للجريمة والقضاء عليه، وتصبح القضيّة الحيويّة بالنسبة إليه هي الإعدام للقاتل مثلا أو الإخصاء للمغتصب، ويدخل من حيث لا يدري، وهو البارحة يدافع عن الإنسانيّة والكرامة الجسديّة وحرمة الإنسان والحقّ في الحياة، في منظومة القصاص، بل والقصاص الممشهد الممسرح، فالأمر عند أغلبهم ينبغي أن يكون في الساحات العامّة، وأتوقّع أنه بالمقايسة قد تتمّ الدعوة يوما ما وحسب رغبة انفعالات الجمهور وحبّ جمع اللايكات والجامات والبرافوات حبّا جمّا، إلى الخوزقة وسحق الأفيال والتعفّن وما كان متّبعا في فرنسا ويسمّى “الزواج الجمهوري” بإغراق الرجل والمرأة وهما مربوطان في بعضهما البعض، وحتّى اعتماد طريقة اللينج تشي الصينيّة، وهي تقطيع الجسد مع الحرص على الموت البطيء. حاولوا فقط أن تجعلوا العقاب من جنس الجريمة وستسقطون في البربريّة التي لم تخرج منها المجتمعات التي تطبّق هذه العقوبات البائسة والتي لم تصل مطلقا إلى القضاء على الجريمة. ازرعوا العنف لمقاومة العنف وستدور الدوائر. ابقوا كذا على حالكم تسألون الجامات إلحافا حتى نصل إلى تلحّف البشاعة لحما ودما متعفّنين.