بئر النفط المختلسة.. وبئر الصحافة المعطلة إنه اتصال وليس إعلاماً
من الغريب أنه بعد يومين من “اندلاع” قضية الإقالات في وزارة الطاقة وعقد التنقيب المنسيّ، تنحصر معظم النقاشات في الاتصال وليس في الإعلام: في خطوة رئيس الحكومة ودلالتها وأهميتها أو في نظافة الوزير ونزاهته، مع بعض من الهستيريا الحزبية المعتادة، ولكن ليس في حقيقةِ ما حدث وحجمه وكيف يمكن واقعيًّا وإجرائيا أن يحدث.
فلنقم بأبسط استطلاع، سنجد أن معظم الناس يعتقدون أن الشركة المعنية كانت تبيع فعلا النفط “خلسةً” منذ نحو عقد من الزمان، سنجد أن صحفيين لم يطَّلعوا على بنود ذلك العقد و لا على أحكام مجلة المحروقات الجديدة ولا يعرفون من يتحمل المسؤوليات الجزائية في حالات الاخلال بها، هذا دون الإشارة لمن روجوا لاسم شركة أخرى فقط في إطار التأجيج وقطف ثمار التضليل.
وإلى اليوم لم يُسمع مثلاً صوتُ صاحب العقد نفسه أو ممثل المؤسسة والمعني بالقضية مثل الوزير أو بدرجة أكبر، ماذا كان يفعل وبماذا يبرر هذا المآل؟ وإلى اليوم لم يعرف أحدٌ ماذا تفعل وزارة الطاقة وما حدود دورها وماذا تفعل ETAP وأين مسؤوليتها، وماذا فعلت لجنة التدقيق البرلماني في عقود النفط قبل سنوات ماذا دققت وكيف اشتغلت؟ وأعضاء اللجنة أحياء، وأعمالها في علبة أرشيف في مقر البرلمان متاحة لمن شاء فتحها.
ومن الغريب – والمعتاد حقيقةً – أن معظم وسائل الإعلام التي انزلقت نحو إعادة إنتاج للتراشق السياسي وليس تفسير ما يحدث، ترضى أن تكون ساحة فسيحة لتثبيت إدانات وتبادل الرسائل والغمز الحزبي وحتى لتناطح مراكز القوى وأذرعها السياسية، مجرّد ساحة لشهوة الافتراس وتصفية الحسابات وسط ضجيج بلد يتداعى كل يوم أكثر، حيث لا جمهور يهمّ ولا رسائل ولا قواعد،.
ومجددا فهذا ليس درساً ولا تعليقا متعاليا من عند شخص بعيدٍ عن أتون الساحة التونسية، بل محاولة في وصف حالةٍ إعلامية طاغيةٍ يعرفها الجميع وما عاد يليق بأي أحد إنكارها، وهذا طبعاً دون أي تعسف على جهود محترمةٍ لصحفيين مهنيين ينحتون الصخر كل يوم.
– مع الاعتذار والتحية لسي علي اللواتي واستعارة عنوان ديوانه “أخبار البئر المعطلة”في غير ما كان يتمنى الاستعارة .
*نصرالدين اللواتي/صحفي تونسي مقيم بالدوحة