فضيلة الصمت عندما يصبح الكلام “ببلاش” عن هستيريا الافتراس الوطني
.بقلم نصر الدين اللواتي، صحفي تونسي بالدوحة
هناك احتياطي جاهزٌ من الشعارات والتصورات عن فضائل الكلام، وقليلٌ من الحديث عن فضائل الصمت، السكينة.
تأتي هذه الفكرة الى البال في مواجهة هذا الجوع الهستيري الذي يتمدّد هنا وهناك، الجوع لقول أي شيئ عن أي شيئ وبأي طريقة، بتأرجحٍ بين الوصف والنقد والسخرية والبذاءة والحمق.
أتساءل، من أقنع الكثير من مستخدمي الفيسبوك أنّ لديهم تكليفًا رسوليّا بتذنيب الآخرين؟ بإعطاء الدروس يمينًا ويسارًا وفِي كل وقت، مُزوّدين بقدر غريب من القسوة ومتسامحين مع الإساءات وحتى مع البذاءة والكذب؟.. من الذي وسوس لهم أن الفيسبوك إنما جعل لذلك وأن بإمكانهم الكذب وادعاء أن ذلك حريّة تعبير؟.
ربمّا يمكن بسهولة إجراء تمرين طريف لتحليل الخطاب، وجمعُ عشرات بل آلاف الكتابات التي تتطاير فجأة مع كل “قضيّة” تشغل الناس، سنتحصّل ربما على نص وحيد كأنما كتبهُ نفس الشخص و طلعَ من نفس الذات، وفيه تغيب الحجة والفكرة ويمّحي النّبلُ ويتبخّر العقل، وينبع ذلك الجوع الهستيري للثرثرة وتتداخل فيه شخصيّة “النبّار” في المقهى الذي يتحلّل من أي ضابط، وشخصية الشرطي الموتور، وخطيب الجمعة المتشنج، والموظفٍ الكسولٍ الذي يتسلى بالملل أمام صف طويل من الناس.
انقيادٌ غريب ومريح للتذنيب والجلد الفيسبوكي، وشيئ ما غامض أشبه بالإحساس القهريّ مقلوباً..
لا أتحدث عن حقّ التعبير و حرية الملاحظة والحس النقدي ومناقشة الممارسات الخطأ والقضايا العامّة و واجب التخلص من الأخلاقوية الزائفة فتلك ضرورات مصيريّة، بل أتحدث عن الهستيريا التي ميعت حرية التعبير وعبثت بميراثها .
و دون شكّ فإن القول والخوض في كل القضايا هو حاجة اجتماعية وضرورية، يعززها صمتٌ طال كثيرًا وتلعثم ثقافي وتدنٍّ سياسي وفوضى إعلامية، نعم، غير أنه -وحسب رأيي البسيط – فالكلام الذي يتحول لهسيتريا وابتذال لم بينِ تصوّرات ولا أيقظ ضميرًا ولا أنشأ حسّا مدنيا ولا كان دليل حيوية وديناميكية اجتماعية، بل على العكس سيفترس كل ذلك، ثم يلتفت بحثا عن المزيد.