الرئيسيةثقافة وفنون

فيلم “مصطفى زاد” للمخرج “نضال شطا”: قصة مواطن صالح في بلد لا يطيب فيه العيش

 

“مصطفى زاد” فيلم مختلف في مسيرة المخرج “نضال شطا”، ابتعد فيه عن عمق البحر وامتداد الصحراء وعاد إلى تونس اليوم بشوارعها المزدحمة وجدرانها التي تحولت إلى “لوحة” للتعبير التونسي عن كل ما يدور في ذهنه بالغرافيتي والكلمات النابية…

“مصطفى زاد” فيلم مختلف في مسيرة مخرجه وفي تجربة الممثل “عبد المنعم شويات” أيضا الذي أعطى أجمل ما عنده للدور ليصل إلى مرحلة يقنعك بأنك لا تستطيع أن ترى غيره في الشخصية التي يبدو أنها كتبت على مقاسه خاصة أنه شريك فاعل في المشروع فهو صاحب الفكرة وشارك في كتابة السيناريو وفي عملية تنفيذ الإنتاج، و”شويات” ممثل يملك طاقة كبيرة على الآداء بعمق وباختصار، فهو لا يصرخ ولا يلوح بيديه، ينجح دائما في الاقتصاد ليصل إلى مرحلة من العمق والتماهي مع الشخصية التي يجسدها وأوصلته في “مصطفى زاد” إلى الحصول على جائزة أفضل ممثل في الدورة الثامنة والعشرين لأيام قرطاج السينمائية

لا يقوم الفيلم على أحداث كبيرة وإنما على “مواطن” عادي في يوم غير عادي في حياته…

ما يقارب اليوم الواحد هو زمن الفيلم، يوم استثنائي في حياة “مصطفى” و”مفصلي” في تاريخ تونس لأنه يصادف ساعات قبل يوم الصمت الانتخابي قبل الانتخابات الرئاسية والمواجهة الأخيرة بين الباجي قايد السبسي ومحمد المنصف المرزوقي… أجواء صاخبة لا يهتم بها “مصطفى” الذي يعيش توترا شديدا في حياته الخاصة بشكه في إخلاص زوجته “فرح” (فاطمة ناصر) التي تعمل مضيفة للطيران وحدث أن سافرت إلى باريس دون إعلامه، وتوتر علاقته بابنه الذي لا يراه بطلا فلا مواقف قوية في حياته، ولا نجاحات تبهره، ولا “المال” الذي يوفر به مراهق في سنه احتياجاته وأكثر من احتياجاته، ولا حياة سعيدة وهادئة في منزل ورثه عن والده، كل شيء في حياته يبدو متشظيا حتى علاقته بوالدته التي يهرب إليها فترهقه بملاحظاتها عن شكل حياته وأسلوبها مع زوجته

يوم لا يسير بشكل عادي في حياة هذا المواطن “الصالح” ينطلق بأوجاع في ضرسه ثم بخلاف يبدو متكررا مع زوجته، فنقاش حاد مع ابنه ثم طرده من العمل الإذاعي لسبب تافه وينتهي بتوقف سيارته بسبب نفاد الوقود، ومن هنا يبدأ الفصل الثاني من الحكاية وتتطور التفاصيل التي تكشف تباعا معنى أن تكون مواطنا صالحا في بلد لا يطيب فيه العيش، وكيف تتعدى الدولة على القانون “باسم القانون” وكيف يصبح أي “مواطن” ينتمي مهنيا للعمل الحكومي طاغيا ومتجبرا

يبدأ الفصل بركن “مصطفى” اضطراريا سيارته وإسراعه إلى الآلة التي تتوسط الأعشاب الطفيلية لاستخلاص معلوم الركن، ولكن الآلة معطبة، يسرع في اتجاه أقرب “كيوسك” لكن العامل يرفض بشدة أن يمنحه بعض الليترات من البنزين في “بيدون” بتعلة أن “القانون” لا يسمح، لكن الجزئية التي ستغير إيقاع الفيلم هي وصوله لسيارته في الوقت الذي كانت عربة الحجز البلدي بصدد رفعها غير عابئة بوصول صاحبها ولا بما كان يقوله عن عطب آلة استخلاص معلوم الركن، فقرر الصعود في سيارته وواصل “الشنقال” طريقه في اتجاه مأوى الحجز البلدي في تعد على القانون ممن يدعون الالتزام بتطبيقه

ما حدث بعد ذلك لم يخطط له “مصطفى”، أحد الشباب يقوم بتصوير فيديو ونشره على مواقع التواصل الاجماعي فتثير الحادثة لغطا بين ناقد لهذا السلوك من مصطفى وبين مدافع عنه فيما يصر هو على الالتزام بالجلوس داخل سيارته حتى يتم تقديم اعتذار رسمي له على ما حدث

لم يكن “مصطفى زاد” يخطط لأن يكون بطلا، ولا أن يأتي ملازم أول أو وزير الداخلية أو حتى “زوجته” لزيارته في مأوى الحجز البلدي أين يقضي ليلته داخل سيارته، ولم ينتظر أن يزدحم الصحافيون أمام باب المأوى، ولا أن تصله رسالة من مديرته تطلب منه العودة إلى العمل وتقديم البرنامج الذي يريده، لم يخطط لكل هذا ولم يحلم به ولكنه فقط أراد أن يثأر لكرامته ولذلك لم يطلب شيئا عدى اعتذارا رسميا لم يستطع نيله، لأن “الدولة” لا تعتذر وكل من ينتمي إليها (مهنيا) لا يعتذر لأنه يمثلها وهو بذلك أقوى من كل القوانين، ولكن حضنا دافئا من ابنه وكلمة حب تخرج من شفتيه المبتسمتين جعلاه يغادر السيارة غير عابئ بما يحدث حوله، رافضا أن يتحول إلى بطل ولكن “الدولة لا تهان”، ورمزها الوزير الذي أظهر لطفا ولباقة أمام الصحافيين سينال منه في المشهد الأخير من الفيلم

“مصطفى زاد” الذي انطلقت قاعاتنا في عرضه يوم أمس الأربعاء 28 فيفري 2018 فيلم ممتع، مكتوب بسلاسة في شكل لوحات، لا يتضمن أحداثا كبيرة ولكن نسقه هادئ ومؤثر يدفعك في مقاطع كثيرة لأن تبكي على حال هذا البلد الذي لم يعد يطيب فيه العيش

 

كوثر النوري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.