مستقبل الاكتفاء الذاتي طاقويّاً عبر منازل منتجة للطاقة
وكالة « هنا روما » المستقلّة للأنباء
”مَنْ أنجز عمله بيديه، لكأنّما أنجز ما بمقدور ثلاثة أشخاص“.
ينطبق هذا القول الإيطالي على أوضاع ومناحٍ كثيرة في الحياة، ومنها الطاقة التي أصبحت التي اليوم أمراً لا غنى عنه. وسيتّخذ هذا المثل ابتداءً من عام 2021 مغزى جديداً في جميع دول الاتحاد الأوروبي.
فقد بات دخول التوجيهات المتعلّقة بالكفاءة الطاقوية للمباني ولجميع المنازل المبنيّة حديثاً، وشيكة الدخول إلى حيز التنفيذ ابتدأ من نهاية عام 2020، وتقتضي هذه التوجيهات، عملياً وجوب الاكتفاء الذاتي من حيث الطاقة، وقد تم تقليص هذه المهلة حتى نهاية عام 2018 بالنسبة لكافة المباني العامة الجديدة.
و كانت إيطاليا قد بادرت في هذا الإطار بشكل مبكّر، وذلك بتطبيق المبادئ التوجيهية عبر إدراجها ضمن خطة العمل الإيطالية لتحسين كفاءة استخدام الطاقة ابتداءً من شهر تموز 2014.
وتستلزم هذه التطبيقات وجوب تشييد المنازل والمكاتب والعمارات والمباني الصناعية الجديدة بطريقة تمكّنها من استهلاك أدنى كميّة ممكنة من الطاقة، إضافة إلى تمكّنها من الإنتاج الذاتي للطاقة التي تستهلكها. وبالإمكان تحقيق هذه النتيجة بالقضاء، أولاً، على الفقد الحراري عبر الجدران وبتعزيز كفاءة جميع تجهيزات المنزل، ابتدأ من أجهزة التكييف الحراري وجميع الأجهزة المنزلية الكهربائية الأخرى.
إلاّ أنّ المُعطى الأهم لهذه الثورة المنزلية الصغيرة يكمن في تزوّد كل مبنى بتجهيزات لإنتاج الطاقة من مصادر متجددة. وقد تم بسهولة إيجاد حل لهذه المشكلة في المنازل المستقلة، كالفيلات والمباني الصغيرة، إذْ يكفي فقط تركيب عدد كافٍ من ألواح الطاقة الشمسية السيليكونية، وتثبيتها على البقعة الجنوبية من أسطح المنازل، وتركيبها على دعائم قابلة للتوجيه نحو الجنوب و بدرجة ميلان صحيحة.
[metaslider id=2149]
أمّا في المباني الأكبر حجماً فإن هذا الأمر لا يُحلّ بسهولة. فبما أنّ إمكانية وكميّات إنتاج الطاقة الكهربائية مرتبطة بعدد ألواح الطاقة الشمسية المركبة على سطح المبنى، فإنّ الطاقة المُنتجة عبر تلك الألواح تتناسب طردياً مع المساحة المتوفرة فوق سطح المبنى. ويتناسب طرديّاً أيضاً إستهلاك المبنى للطاقة مع عدد الأفراد الذين يعيشون أو يعملون فيه، في حين يعتمد ما يُنتج من طاقةج على الحجم الإجمالي للمساحة السكنية المتوفرة فوق سطح المبنى.
بمعنى أخر،ففي المنازل المنفصلة والفلل الصغيرة، تبقى الأسطح كافية لعدد الألواح الشمسية، وحتى إذا ما زاد عدد أفراد الأسرة التي تسكن المكان، فإن المبنى لن يكون بحاجة إلى زيادات مُبالغٍ فيها لعدد الألواح الشمسية.
أمّا فيما يتعلّق بالمباني والعمارت متعددة الطوابق، فإن من البديهي بأن عدد السكان فيها – و بالتالي استهلاك الطاقة – يتناسب طرديّاً مع ازدياد عدد الطوابق، في حين تظلّ المساحة المتوفّرة على سطح المبنى دائماً على ما هي عليه. ولهذا السبب، ينبغي التفكير بأن ألواح الطاقة الشمسية المركبة على سطح مبنى يتألف من أكثر من ثلاثة أو أربعة طوابق لن تكون فاعلة لإنتاج طاقة كهربائية كافية لحاجة جميع الأفراد الذين يعيشون أو يعملون في هذا المبنى.
ورُغم تلك الصعويات، فإنّ بالمُستطاع حل المشكلة. أو بالأحرى يتوجب حلها قريباً نظرا للفترة الزمنية المتاحة قبل دخول هذه القوانين الجديدة في حيز التنفيذ. وقد اختبر مركز الأبحاث المتخصّصة بالبحوث عن الطاقة المتجدّدة والبيئة في الشركة الوطنيّة الإيطالية للطاقة ( إيني ) وطوّر تقنيّتين جديدتين يمكن أنْ تُمثّلا حلا لهذه المشكلة، أولاهما باستخدام خلايا شمسية رقيقة ومرنة معروفة باسم OPV، متكوّنة من أحبار خاصة مطبوعة على أي نوع من أنواع الدعائم، ومن بين مزايا هذه الخلايا، الخالية من السيلكون، تعدّد الاستخدامات إلى أقصى حدود، إذْ لا تحتاج إلى أنْ تُركّب على أبراج أو هياكل لنقل الطاقة الكهربائية مثبتة على الأسطح، بل هي قابلة للطباعة مباشرة على بلاط الأسطح لتندمج بها مباشرة وتُصبح جزءاً من عناصر تشييد أي مبنى.
وعلى العكس ألواح الطاقة الشمسية السيليكونية، فإن الخلايا الشمسية العضوية OPV تعمل سواءٌ في ظروف الضوء الساطع المنتشر، ابتداءاً من شروق الشمس و حتى غروبها وفي الطقس الغائم وخلال تكاثف الضباب. كما أنّها لا تستدعي التركيب في الجهة الجنوبية وبزاوية محدّدة بدقة، بل بالامكان تركيبها على كافة أجزاء أسطح العمارات، بما في ذلك الجدران العمودية.
أمّا التقنيّة الثانية التي ابتكرها “مركز أبحاث إيني الإيطالية عن الطاقة المتجددة و البيئة“، فهي أنظمة طاقة شمسية مركزة، تدعى Luminescent Solar Concentrators (LSC) ، وهي عبارة عن زجاج نوافذ شفافّة وملونة قادرة على إنتاج الطاقة وضبط سطوع الضوء و حرارة البيئة أينما يتم تركيبها. وتُتيح هذه الطريقة ليس فقط توليد الطاقة فحسب، بل ستُمكّنُ أيضاً من توفير تكاليف التدفئة وتكييف الهواء.
إلاّ أنّ سؤالاً بديهياً يبرز في الحال:
وماذا عن الليل؟
حسنٌ، عندما تتوقّف الخلايا الشمسية العضوية OPV و نوافذ أنظمة الطاقة الشمسية المركزة LSC عن إنتاج الطاقة، ولغرض تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة لكل عمارة أو مبنى فإنّ بالإمكان دائماً إبرام عقد بيع وشراء مع الجهة التي تدير شؤون الشبكة الكهربائية، وذلك بشراء الطاقة عندما تتوقّف تجهيزاتنا عن إنتاج الكمية الكافية منها للاستهلاك، وبيع ما يفيض منها بعد الاستهلاك. وفي حال كون شروط البيع والشراء غير مناسبة من الناحية الاقتصادية، أو في حال وجود المنزل في موقع منعزل و بعيد عن الشبكة الكهربائية، فيُصبح استخدام أنظمة تخزين الكهرباء، إذّاك، أمراً ضرورياَ.
ولتحقيق ذلك تعمل شركة Eni حالياً على تطوير بطاريات التدفق الجديدة الخالية من التفريغ الذاتي وبسعات وقدرات قابلة للتغيير حسب الرغبة.
وتفرض أنظمة القوانين الأوروبية الجديدة تحدياً كبيراً في نطاق البحث عن أساليب جديدة لإنتاج الطاقة المتجددة، ولكنها تمثل، في الوقت ذاته، عاملَ حسمٍ لطرح جيل جديد من تكنولوجيات الفولتية الضوئية.