حقل «ظهر» للغاز المصري، يُغيّر خارطة الطاقة في المتوسّط ويجعل مصر لاعباً أساسياً
روما – عرفان رشيد
«الظهر»، أو منتصف النهار، أو ساعة الإشراق القصوى في نهار صافٍ ومُضيء. يبدو ذلك في البدء مجّرد تأشير للحظة من لحظات أي يومٍ في تاريخ أي مكان في الكون، لكنّه، في حالة «ظُهر» ليس إلاّ بداية قصّة مثيرة الميلاد ومشرقة الأفق، وتلك هي قصّة حقل «ظُهر» للغاز الطبيعي في عرض البحر في المياه المصرية، وبارقة الأمل في أن يستفيد الشعب المصري من طاقاته الكامنة وأن يتحوّل إلى لاعب أساس على صعيد الطاقة، ليس في الشرق الأوسط لوحده، بل في العالم.
و ليس «ظُهر» مكاناً مُحدّداً على الخريطة، بل هو اجتراحٌ من قبل تقني إيطالي من شركة «إيني» الإيطاليّة للطاقة أراد أن يمنح معنىً سامياً للاكتشاف الذي توصّلت إليه شركته في مصر لأحد أثرى حقول الغاز الطبيعي في العالم، في منطقة « شروق » في البحر المصري، فعندما سأل فرانتشيسكو بيرتيلّو، مدير الاستكشافات في « إيني» زميلا مصري يعمل معه في موقع «شروق»:
“بماذا تُسمّون اللحظة التي تبلغ فيه الشمس أوج إشراقتها؟“
فأجابه الزميل المصري:
”إنّها « ساعة الظهر »“
وهكذا كان، فأطلق الإيطالي فرانتشيسكو بيرتيلّو على مشروع الغاز المصري هذا إسمَ «ظُهْر»، التي تُكتب الآن باللاتينيّة « ZOHR » باللفظ المصري لحرف الظاء. ويُضيف فرانتشيسكو بيرتيلّو، ”أطلقت هذا الاسم على المشروع لأنّني اعتقدت، وما أزال أعتقد بأنّه فألٌ حسن..“.
وتقول المهندسة نهال عبدالكريم المديرة المصرية للتواصل والتكامل التقني في حقل «ظُهْر» بأنّ ”المشروع يُمنح الأمل إلى الكثيرين في مصر“، وتُضيف ”إن تاريخ العلاقة ما بين مصر و«إيني» طويل وعريق، وهو ما أسهم في التريّث وعدم اتّخاذ قرارات مُتسرّعة. لأنه لا يُمكن التغاضي عن هذا التاريخ المشترك والعريق“.
وبالتأكيد لا تقتصر آثاره الإيجابية على منح الأمل للمصريّين وتشغيل الآلاف من الأيدي العاملة الشابة، بل يضع مصر في المواقع المتقدّمة على خارطة الطاقة في حوض البحر الأبيض المتوسّط، عبر ما يزيد عن 30 ترليون قدم مكعّب من الغاز.
وكانت السيّدة نهال انظمّت إلى المشروع في نهاية غام 2016 بعد عودتها إلى القاهرة، وتولّت مهمة إدارة الجانب البرّي من المشروع، وبالذات كمديرة للتواصل والتكامل التقني، وتشير قولها ”هناك الكثير والكثير ممّا ينبغي إنجازه، وقد تمّ إنجاز الكثير حقاً على صُعُد الأعمال الهندسية وأعمال المشتريات وتنفيذ مهمّات الإنشاء، لذا آعتبر أنّني انظممت إلى المشروع في مرحلة مهمّمة من حياته، حيث كان يتمّ كل هذا، والآن علينا مواكبة ما يجري وتحقيق التكامل من أجل بلوغ الهدف، بحيث يبدأ الإنتاج في الوقت المناسب والمُحدّد“.
وتُفصح السيّدة نهال عبدالكريم عن أن جميع من يعلمون بعملها في مشروع «ظهر» يوجّهون إليها ذات السؤال: ”متى سيبدأ المشرع بالانتاج؟ ودون انتظار جواب منك، يردّون قولهم، ”بالتأكيد سيكون الإنتاج رائعاً!““
لكن كيف ابتدأت حكاية مشرع «ظُهْر»؟
”حكاية «ظهر» عبارة عن ناتج المزج ما بين الخبرة والتكنولوجيا التي تمتلكها شركتنا، وهذان العنصران كانا بحق في مقدّم عناصر كسب نجاحنا المبهر في استكشاف الجديد دائماً على مدار السنوات العشر الأخيرة“، يقول آندريا كوتسي، نائب رئيس إس جي إِيْ أُو (للدراسات الجيولوجية والجيوفيزيائية)، ويُضيف ”كانت هناك مجموعة رائعة من علماء الجيولوجيا المصريّين، من ذوي الخبرة ومن الشباب أيضاً من ذوي الحيويّة الكبيرة المصاحبة بمعرفة دقيقة وعميقة بالمنطقة التي عملنا فيها، وإلى جوار أؤلئك كانت هناك مجموعة صغيرة من الخبراء غير المصريّين ممّن يتمتّعون بمهارات مهنية ممتازة، وقد تواجدوا في مصر للمرّة الأولى في حياتهم، إذْ لم يكونوا على دراية بالمنطقة، لكن وبّما كان هذا بالذات هو عامل النجاح في هذه القصّة، حيث لم يصل هؤلاء إلى مصر بمواقف وآراء مُسبّقة، ولم يرتابوا من طرح أي تساؤل.“، ويقول آندريا كوتسي بأنّ إسهامته إنصبّت في الأساس على تحقيق الانسجام ما بين العاملين في المنظومة بمجملها،وكان من الضروري وأد القلق، المشروع بسبب كوننا أمام أمرٍ جديد قد لا يُصدّقه الآخرون. في البدء وثقت من الأمر أنا نفسي، ومن ثمّ تشاركت في ذلك وإيّاهم. لم يكن اتّخاذ القرار صعباً، بل كان المُضي قُدماً في تقديم العطاء لهذه القطعة هو الأصعب، إذْ لم تكن لدى مصر في تلك الفترة بُنية استشاريّة فاعلة، لكنّنا تجاوزنا هذا المُعطى السلبي والعوامل العارضة في الوضع المصري في ذلك الوقت، وكان قرارنا هو المضي قُدُماً، لأن الهدف الذي وضعناه كان يستحقّ، نعم، فالمخاطر العالية تُقابلها مكاسب عالية“.
ويقول مدير الاستكشافات في مصر وشرق أفريقيا في شركة إيني آنطونيو كاسكوني الذي تابع ذلك المشروع منذ اللحظة الأولى ”لقد أدركنا بأنّ ما بين أيدينا شيءٌ مُميّز للغاية، وعلى الفور تم بناء النموذج في أذهاننا، وهكذا، وعلى الرُغم من كون المنطقة في المياه العميقة وعلى بعدٍ كبير من الشاطيء وفي موقع بترولي فريد في مصر، تقدّمنا بالعطاء لهذه القطعة، وفي النهاية فزنا بذلك“.
ويُضيف كاسكوني قوله ”القرار الحاسم في البدء كان القيام اقتناء عددٍمن الخطوط المعروضة في السوق من قبل أطرف أخرى كانت تعمل في تلك المنطقة، وأعدنا معالجة البيانات الخاصة بالاهتزازات الأرضية وصوّرنا الأعماق، وتأكّد لدينا وجود مُركّب ينبغي البدء بحفره، كما واقتنت أطراف أخرى عدداً من الخطوط، وتوافرت معلومات جيّدة عبر تقاطع بعضها مع البعض الآخر، لأن ذلك ضروري في عالم الم الجيولوجيا، فلا شيء مؤكّد، وليس بإمكان أي جيولوجي التأكيد على امتلاكه الحقيقة المطلقة، وينبغي أن نترك دائماً فُسحة للمفاجآت وما هو غير متوقّع، سيما وأنّك تتحدث عن أوضاع على عمق آلاف الأمتار داخل الإرض وتحت مستوى الأرض. أن تعمل مع فريق متكامل يعني أنّك ستحصل على العديد من الأفكار والمعلومات، وهو ما يُكسبك الخبرة الواسعة التي تكوّنت لديهم خلال السنين“.
وتقول باولا رونكي مديرة مشاريع الشرق الأوسط في مؤسسة الطاقة الإيطالية «إينيّا» بأن ”جميع شركات النفط كانت تبحث عن مخزونات الحجر الرملي في القيعان، لكننا وجدنا الوضع مختلفاً تماماً في قطعة «شروق»، إذْ وجدنا، بعد تفحّص أدق وعن كثب، بأن ما كنّا نرى يُشبه تراكمات كربونية، وهي ما كنت درستها لسنوات“.
وتقول رونكب ”ساورت بعض أعضاء الفريق الشكوك لدى محاولتنا تفسير وتفكيك سر هذا التركيب، فقد كنّا إزاء تفسير جديد بالفعل، بعد أكثر من ثلاثين سنة الحفر في الرمال المصرية. وتمكّنت من إقناع الإدارة بأننّا بالفعل إزاء هذا الوضع الجديد، وبأن هذا المشروع يمكن أن يكون هدفاً استكشافياً. وبرُغم عدم وجود شركات أخرى راغبة في الانضمام إلينا في مشروع مشترك لاستحواذ قطعة شروق، فقذ كان علينا أن نمضي قُدماً بمفردنا“.
[metaslider id=2149]
ويصف فرانتشيسكو بيرتيلّو الأيام التي سبق الاكتشاف قوله
”أذكر حين ابتدأ العمل لم أنم لأسبوعين، كانت حواسيبنا تتسلّم المعلومات بشكل متواصل من فريق الحفر، كنت أتابع المعلومات دقيقة بدقية، وكذل؛ فعلت إدارتانا في ميلانو وفي القاهرة. كان الجميع يشعرون بأنّ شيئاً ما رائعاً على وشك أن يحدث.. حفرنا في البدء على عمق 300 متراً ومن ثمّ 500 وبعدها 600 متراً، وساورتني شكوك بأن المعدات لا تعمل بالشكل المطلوب، وعندما بلغت حفّاراتنا الماء في العمق أدركنا بأننا بلغنا الغاز“.
أمّا نيكولا بييناتي، كبير خبراء العمليات الجيوفيزيائية والنمذجة، فيشير إلى أن ”المزج بين التكنولوجيا والعنصر البشري كان أمرآً هاماً للغاية، وقد اشتُهرت «إيني» بتاريخها في القدرة على هذا المزج“.
ونائب رئيس مركز الدراسات الجيولوجية والجيوفيزيائية آندريا كوتسي، بأنّ
” «إيني» كانت المُبادرة في هذا الإطار وفي فتح الطريق أمام هذا الهدف الكبير، وهناك الآن شركات كبيرة أخرى تعمل لتحقيق ذلك الهدف الذي سيكون ذا تأثير كبير على بلد مثل مصر، كان يسعى دائماً أن يكون من بين البلدان القادرة على توفير الطاقة. هذا الاكتشاف سيُتيح لمصر الاكتفاء الذاتي على صعيد الغاز لعقود طويلة من الزمن“.
” أكثر من 10000 موظّف ومقاول وتقني يعملون في تشييد هذا المشروع.
ويقول لوكا آسّيكوندي، نائب المدير العام لمشروع «ظُهر»
”كان واضحاً مذ البداية مقدار التحدّيات التي كنّا بإزائها. إنّّ مشروع ضخم وهو الاكتشاف الطاقوي الأكبر في المتوسّط، فنحن نتحدّث عن أكثر من 30 ترليون قدم مكعّب من الغاز، موجود في المكان“.
ويُضيف ”عندما عُيّنت مديراً للمشروع بعد الاكتشاف على الفور، حرّكنا ما يربو على 40 قطعة بحرية لخدمة أنشطة تركيبات ما تحت سطح الماء، نعم إنه أسطول أضخم أسطول من المراكب. كان علينا اختصتر الزمن، إذْ كنّا قد قدّمنا جداول زمنيّة مُحدّدة، وكان علينا بلوغ الاستعداد بحلول نهاية العام. لقد كان تحدّياً حقيقياً لبلوغ إنتاج ما يربو على 2،7 بليون قدم مكهّب في اليوم“.
المهندسة نهال عبدالكريم المديرة المصرية للتواصل والتكامل التقني في مشروع «ظُهْر»، واثقة من إمكان مواجهة هذا التحدّي وتحقيق النجاح، لأن المصريّن اتّخذوا على عاتقهم تحقيق ذلك الهدف بالتعاون مع «إيني» :“فكلّ مواطن في مصر يعتبر هذا الأمر شخصياً ومتعلّقاً به، لهذا تواهم كيف يتابعون أخبار حقل «ظهر» ومشروع «شروق» وكلّ ما يتعلّق بهما، ويُعلّقون على ذلك الكثير من الآمال، ليست آمالهم الشخصية، بل أةآمال مصر بأسرها، لإن هذا الأمر سيُغيّر كل تفاصيل المشهد الطاقوي، جاعلاً من مصر لاعباً أساسياً في هذا المظمار“.