مهرجان القاهرة السينمائي : عودة الروح
اختتمت مساء الخميس الدورة الاربعون لمهرجان القاهرة السينمائي والتي شهدت تتويجا تونسيا استثنائيا بفوز فيلم “إخوان” لمريم جوبار بجائزة يوسف شاهين لافضل فيلم قصير وفيلم “فتوى” لمحمود بن محمود بجائزة سعد الدين وهبة لافضل فيلم عربي في مسابقة افاق السينما العربية
وربما هي المرة الأولى التي تتوج فيها السينما التونسية في مهرجان القاهرة ولذلك فان المتعارف عليه بين صناع السينما في تونس هو عدم المجازفة بافلامهم في القاهرة السينمائي، لان المشاركة لن تتجاوز شرف تسجيل الحضور
ولا يخفى على احد ان القاهرة اوصدت أبوابها طويلا في وجه السينما التونسية منذ أيام الساتباك، ويشهد المنتج حسن دلدول الذي كان احد كبار مسؤولي الساتباك على مفاوضات شاقة لاقناع المنتجين والموزعين في مصر بضرورة عرض أفلام تونسية في الشاشات المصرية ولو بشكل رمزي مقابل اقتناء الساتباك للأفلام المصرية
مفاوضات باءت دائما بالفشل، بل ان محمود بن محمود الذي خاطب الجمهور المصري ليلة البارحة معبرا عن امله في عرض”فتوى” في القاعات المصرية حاول جاهدا ان يتسلل الى الشاشات المصرية بفيلمه “شيشخان” قبل اكثر من ربع قرن ولكنه لم يوفق رغم مشاركة النجم المصري الراحل جميل راتب في الفيلم، بل ان محمود بن محمود وشريكه في الفيلم الفاضل الجعايبي قبلا بنقل الحوار الى اللهجة المصرية ولكن الفيلم ظل حبيس العلب
ما الذي تغير في مصر حتى تتوج فيلمين تونسيين دفعة واحدة؟
هل يكون لموضوع الفيلمين المشترك (محاربة الفكر الديني المتطرف ) دخل في تتويجهما؟
نحن نطرح السؤال لا للتشكيك في قيمة العملين سينمائيا، ولكننا نحاول تفكيك البنية التي اوصدت الباب امام سينمائنا عقودا طويلة ثم اشرعته على حين غرة؟
حين تسلم سمير فريد مهرجان القاهرة قبل اربع سنوات، كان الإرث ثقيلا، ارث من الفوضى والتخبط وسوء التنظيم، نجح الأستاذ في وضع لمسته الهادئة على المهرجان، ولكن البيروقراطية المقيتة دفعته الى المغادرة فور انتهاء الدورة
لا نريد القدح في احد، فلكل مجتهد نصيب ولكن رئاسة ماجدة واصف لمهرجان القاهرة السينمائي ضمنت الحد الأدنى ليس اكثر وهو استمرار المهرجان دون مشاكل كبيرة
ولذلك يتفق كثيرون على ان تعيين محمد حفظي رئيسا للمهرجان كان في توقيت مناسب، فحفظي احد ابرز المنتجين في السينما المصرية ويتميز بعلاقاته الواسعة محليا وعربيا ودوليا
ورئاسة حفظي للمهرجان تؤشر لتسليم مقاليد المهرجان تدريجيا الى جيل اشباب الحامل لافكار جديدة ومحدثة في التصور والتنظيم
جيل احمد شوقي نائب المدير الفني للمهرجان يوسف شريف رزق الله الذي يمثل فرصة لشوقي ليكتسب مكنه خبرة السنين الطويلة
لافت للانتباه ان مهرجان القاهرة خصص جوائز مالية للمتوجين لأول مرة في تاريخه منذ سنة 1976 ، كما خصص ميزانية لدعم صناعة السينما العربية، كل هذا يأتي ضمن تصور للدور المختلف للمهرجان بعد أفول نجمي مهرجاني أبو ظبي ودبي اللذين كانا يمثلان دعامة مهمة لانتاج السينما في العالم العربي
كما تخلص المهرجان من الشوفينية الفارغة بالتعاون مع مندوبي للمهرجان في أمريكا اللاتينية وروسيا لترشيح أفلام من المنطقتين، هذه لو حدثت في بلادنا لاتهم فاعلها بانه خائن ، أصلا حتى حين نستعين بأحد لا نكلف انفسنا عناء شكره بكلمة بارك الله فيك ، بل انه حدث ان تمت الاستعانة بواحد من اهم مبرمجي السينما العربية ثم لم نكلف انفسنا حتى مجرد توجيه دعوة اليه
اما عن ميزانية المهرجان هذا العام فبلغت أربعين مليون جنيه مصري ، ساهمت وزارة السياحة بخمسة ووزارة الثقافة ب16 مليونا فيما بلغت مساهمة المهندس سميح ساويرس مليونين من الجنيهات ورجل الاعمال ياسين منصور 8 مليون جنيه
اما عن سر اكتفاء المهرجان بفيلم عربي وحيد في المسابقة الدولية هو الفيلم المصري “ليل خارجي” فيعود الى استئثار أيام قرطاج السينمائية بالعرض الأول للأفلام التونسية وتبجيل الأفلام المغربية لمراكش العائد هذا العام بعد احتجاب بسنة
في كل الحالات من مصلحة السينما العربية ان يكون القاهرة السينمائي في أوجه فالخيارات ضاقت امام صناع الصورة بعد احتجاب مهرجاني دبي وأبو ظبي ولم يبق منهما سوى الذكريات الجميلة