في الـ 27 من شهر جوان عام 2019 نزل في المكتبات الفرنسية كتب جديد عنوانه ” شغف بصيغة الجمع”. أما مؤلفه فهو الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي الذي حكم البلاد من عام 2007 إلى عام 2012. ودفع ناشر الكتاب في ذلك اليوم في السوق بمائتي ألف نسخة يعتقد أنها ستُشري بسرعة في انتظار إعادة طبع الكتاب مرة أخرى أو أكثر من مرة. ولقد لوحظ فعلا إقبال كبير على الكتاب من قبل المعجبين بشخصية ساركوزي أو حتى من قبل الذين لا يشاطرونه أراءه وأفكاره والطريقة التي حكم من خلالها فرنسا طيلة خمس سنوات.
والحقيقة أن نيكولا ساركوزي يقول في كتابه بشكل واضح إنه لم يكن يرغب في كتاب مذكراته، بل إنه كان يرغب في إفساح المجال أمام قرائه ليطلعوا على بعض خبايا العلاقة التي أقامها مع شخصيات فرنسية عديدة رافقته أو كانت من خصومه طوال تجربته السياسية التي بدأها عمدة لضاحية نوييه الباريسية. ويؤكد الرئيس الفرنسي الأسبق أنه لم تكن لديه خلفيات سياسية من وراء نشر هذا الكتاب الجديد الذي سبقته كتب أخرى منها واحد كان قد صدر في عام 2016 وعنوانه ” فرنسا إلى الأبد”. وعلى غرار غالبية الكتب التي نشرها ساركوزي من قبل، يسعى الرجل إلى إظهار الشغف الذي لديه للدفاع عن فرنسا ومصالحها وصورتها ووزنها في العالم.
ومع ذلك فإن من يتابع عن كثب مسار ساركوزي الشخصي من جهة وواقع المشهد السياسي الفرنسي عند صدور كتاب الرئيس الفرنسي السابق من جهة أخرى لا يمكن ألا يتوقف عند ملاحظتين اثنين هما:
أولا: أن نشر الكتاب يأتي قبيل دعوة نيكولا ساركوزي للمثول أمام القضاء بتهمة خطيرة هي السعي إلى استغلال نفوذه عندما كان رئيسا للجمهورية للحصول على معلومات سرية لدى قاض فرنسي.
ثانيا: أن اليمين التقليدي الذي كان يقوده ساركوزي في وقت من الأوقات قد تمكن الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون من تفتيته مثلما فعل مع أحزاب اليسار التقليدي.
ويتمنى كثير من أنصار نيكولا ساركوزي أن يعود بسرعة إلى الحياة السياسية حتى يتمكن من إعادة بناء اليمين التقليدي المبعثر وأن يقوده من جديد إلى انتصارات ما أحوجه إليها. ولكن ساركوزي يعي تماما أن ذلك غير ممكن لعدة أسباب منها أن التجربة أثبت أن من حاول الرجوع إلى قصر الإليزيه بعد أن أُخرج منه عبر صناديق الاقتراع قد مني بفشل ذريع. ويدرك ساركوزي أيضا أن مقاييس الوصول إلى رئاسة الجمهورية قد تغيرت كثيرا.
ومع ذلك يحرص الذين لايزالون يحلمون برجوعه إلى السياسة من بابها الكبير على القول إن التجربة أثبتت حتى الآن في بلدان كثيرة منها فرنسا أن السياسي لا يموت إلا إذا توقف قلبه عن النبض وإن فرضية فشل الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون قد تفتح أفقا سياسيا جديدا أمام نيكولا ساركوزي. وفي هذا الرأي كثير من الصواب.