«الأسد الذهبي» إلى تود فيليبس عن فيلم «مُهرّج»، وأسد المستقبل إلى السوداني أمجد أبو العلاء.
عامٌ إستثنائي للسينما العربيّة، وفير الغلّة ولذيذ الثمر في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي
«الأسد الذهبي» إلى تود فيليبس عن فيلم «مُهرّج»، وأسد المستقبل إلى السوداني أمجد أبو العلاء.
فينيسيا – عرفان رشيد
لم يحدث، في تاريخها منذ البدايات، أن تكون السينما العربيّة قد نالت كل هذا الترحاب والجوائز في دورةٍ واحدةٍ لمهرجانٍ سينمائي دولي، إذْ تعدّدت الجوائز التي حملها المخرجون والفنانون العرب المشاركون في الدورة الـ 76 من مهرجان فينيسيا إلى بلادهم.. سبع جوائز هامّة منحتها لجان تحكيم المهرجان إلى أربعة مخرجين من السودان ولبنان وتونس والسعودية، وإلى ممثلٍ تونسيّ الأصول.
ونال فيلم «مهرّج» للأمريكي تود فيليبس جائزة «الأسد الذهبي» في الدورة السادسة والسبعين لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، التي أُختُتمت مساء السبت في جزيرة «اليدو» بفينسيا، وكان المرشّح الأقوى لنيلها منذ عرضه في الأيام الأولى من المهرجان، إلى جانب فيلم «أسنان لبنيّة» للمخرجة الأستراليّة شانون ميرفي. وكان كثيرون، بمن فيهم أنا شخصيّاً، توقّعوا بأن يُمنح بطل الفيلم، النجم خواكين فينيكس، «كأس ڤولپي» لأفضل أداءٍ رجالي، فقد كانت مُستحقّةً للغاية، إذا تجاوز فينيكس، في هذا الدور، كلّ ما أدّى من أدوارٍ حتى الآن.
فينيكس حضر حفل توزيع الجوائز لمرافقة مخرجه وصعد على الخشبة لدى استلام تود فيليبس «الأسد الذهبي»، والذي أعرب له عن امتنانه بقوله ”خواكين، أنت كنت أسدي الذهبي في الفيلم، ومن دونك لا وجود لهذا الفيلم…»؛ وترك فينيكس المشهد بكامله لمخرجه ، وبرُغم إلحاح المنظّمين عليه بقول شيء، فقد اكتفى بترداد كلمة كلمة «غراتسييه – شكراً بالإيطاليّة – لثلاث مرّات».
وذهب «كأس ڤولپي» لأفضل أداءٍ رجالي إلى الممثل الإيطالي لوكا مارينيلّي عن دوره في فيلم «مارتين إيدين» من إخراج بييترو مارتشيلّو. مارينيلّي أهدى جائزته ”إلى أؤلئك الذين يجهدون ويُكافحون ليل نهار في لُجّة مياه المتوسّط لإنقاذ حيوات البشر الفارّين من إتون حروبٍ طاحنة… أؤلئك المنقذون يمنحون حياتنا قيمتها الحقيقيّة، ويجعلوننا نشعر بالأمان…“؛ ذات الشيء فعلته الممثلة الفرنسيّة آريان آسكاريدي التي فازت بـ «كأس ڤولپي» لأفضل أداءٍ نسائي عن دورها في فيلم «غلوريا موندي» من إخراج زوجها روبير غيديغيان، وقالت آسكاريدي ”أنا ابنة عائلة إيطالية جنوبيّة أضطُرت، بسبب الجوع والفاقة، إلى الهجرة إلى فرنسا وولدت في مرسيليا بجنوب فرنسا، وهذه الجائزة إليّ تحيّة إلى جميع من اضطرّوا على هجر منازلهم“، وبجرّة أُذنٍ قاسيةٍ لمناهضي الهجرة في أوروبا، وفي إيطاليا بالذات قالت آسكاريدي ”هل تعلمون ماذا يعني أن يمتلك الإنسان ثلاثة جذورٍ ومنابع ثقافيّة؟ أنا أعلم ذلك وأعلم بأنه شيءٌ عظيم“، مشيرةً إلى ثقافاتها وجذورها الفرنسية والعربية.
ومنحت لجنة التحكيم الدولية برئاسة المخرجة الأرجينتينيّة لوكريسا مارتيل جائزة لجنة التحكيم الكبرى إلى المخرج رومان بولانسكي عن فيلمه «إنّي أتّهم»، والذي رافقته سجالات كثيرة بسبب الاتّهامات إلى پولانسكي بالعتداء الجنسي على قاصرة، قبل بضعة عقود.
كما مَنحت اللجنة جائزة «الأسد الفضّي لأفضل إخراج» إلى المخرج السويدي روي آندرسون عن فيلمه «عن اللانهاية»، ونال فيلم «لم تعد المافيا كما كانت» للمخرج الصقلّي فرانكو ماريسكو جائزة «لجنة التحكيم الخاصّة»، فيما مُنح الممثل الأُسترالي الشاب توبي والاس «جائزة مارتشيلّو ماسترويانّي لأفضل طاقة شابّة»، عن دوره في فيلم «أسنان لبنيّة» للمخرجة الأستراليّة شانون ميرفي، وهي جائزةٌ مُستحقّة للغاية، ولم تكن لتفقد بريقها لو أنّها كانت مُنحت له ولزميلته الشابّة في الفيلم إيليزا سكانلين؛ فيما كان الفيلم أحد أقوى المرشّحين لجائزة «الأسد الذهبي»، والمنافس الأقرب لفيلم «مهرّج».
أسد المستقبل منذ الوهلة الأولى…
ذاتُ القناعة التي امتلكها الآخرون بشأن فيلم «مهرّج»، امتلكتها أنا بشأن شريط المخرج السوداني الشاب أمجد أبو العلاء «ستموت في العشرين» والذي عُرض ضمن برنامج «أيّام المخرجين في فينيسيا» ، وقد أبديت، منذ اللحظة الأولى من خروجي من الصالة التي شهدت العرض الأول عن استغرابي الشديد إزاء إقصاء عن المسابقة الرسمية للمهرجان، في الوقت الذي تضمّن هذا البرنامج أعمالاً أدنى منه بكثير.
وبنيل أمجد أبو العلاء «أسد المستقبل»، والنجم الفرنسي ( تونسيّ الأصول ) سامي بوعجيلة جائزة «أفضل أداء رجالي» في مسابقة برنامج «آفاق» عن دور «فارس» في شريط التونسي مهدي برصاوي «بيك نعيش»، إرتفعت حصيلة جوائز السينمائيّين العرب في هذه الدورة إلى سبعة جوائز، وهي حصيلة إستثنائية، لم تحظَ بها السينما العربية في تاريخها من مهرجانٍ واحد، ما دلّل على الحالة الإيجابيّة التي تمر بها هذه السينما في السنوات الأخيرة وبكون غِلّة هذا الموسم وفيراً وجيّداً.
فبالإضافة إلى فوز فيلم «جدار الصوت» للبناني أحمد الغُصين بالجائزة الكبرى في مسابقة «جائزة أسبوع النقّاد» (التي سُعدت بكوني عضواً في لجنة تحكيمها، للمرّة الثالثة منذ انطلاقها قبل 34 عاماً)، فقد حمل هذا المخرج الشاب معه إلى بيروت جائزتين أُخريَين، هما «جائزة الجمهور»، والذي صوّت لفيلمه بحشدٍ كبيرٍ من التفضيلات، وجائزة «أفضل إسهامة تقنيّة» كونه «حوّل الصوت في الفيلم إلى بطلٍ سادسٍ إلى جانب أبطاله الخمسة، الذين حُوصروا داخل منزلٍ في الجنوب اللبناني المهدّم بفعل عمليات القصف والمواجهة خلال حرب 2006 الإسرائليّة ضد لبنان“.
وجاءت الجوائز الثلاث إلى أحمد الغصين لتُسجّل سابقة أولى في تاريخ جائرة «أسبوع النقّاد»، المُقامة ضمن إطار مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، إذْ لم يسبق لفيلمٍ واحد ، أن ينال ثلاث جوائز ضمن ذات البرنامج.
وضمن برنامج «جائزة أسبوع النُقّاد»، فازت المخرجة السعوديّة الشابة شهد أمين بجائزة فيدراليّة «نوادي السينما في مدينة فيرونا»، التي تُعدّ الأقدم في إيطاليا، وستحتفل بميلادها الرابع والسبعين في هذه السنة.
وكان شريط المخرجة التونسية منال لبيدي «أريكة في تونس» قد فاز بجائزة الجمهور ضمن مسابقة «أيام المخرجين في فينيسيا».
وجاء تشارك أحمد الغصين وشهد أمين ومنال لبيدي في الفوز بجوائز تفضيلات الجمهور دليلاً قاطعاً على قدرة الأعمال السينمائية العربية على إقناع الجمهور العادي (في حال فيلمي الغصين ولبيدي ) وهواة السينما «السينيفيلز» (في حال فيلم شهد أمين)، وهو ما يمكن اعتبارة منعطفاً هاماً ينبغي البناء عليه لإيصال الفيلم العربي، بشكلٍ عام، إلى الجمهور الأوسع وخارج من دائرة المهرجانات السينمائية، أو دائرة الاحتفاءات الوقتية العابرة لهذا السبب السياسي أو لذاك الشغف الانثروپولوجي، لدى مسؤولي ومبرمجي المهرجانات السينمائية في الغرب.