الحكومة الروسية تستقيل،فماذا الذي يخطط له بوتين؟
استقال رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف الأربعاء، 15 جانفي 2020، في خطوةٍ فاجأت عامة الشعب الروسي. وبعد ذلك بأقل من ثلاث ساعات عرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منصب رئيس الوزراء على ميخائيل ميشوستين رئيس هيئة الضرائب الروسية.
من هو ميخائيل ميشوستين؟
تقول صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، لا يبدو أن ميشوستين كان يؤدي دوراً بارزاً في السياسة الروسية، لاسيما في المجالات التي يسيطر عليها بوتين، مثل السياسة الخارجية، ومِن غير المعروف السبب الحقيقي حتى الآن، لاختيار بوتين له.
لكن ميشوستين صاحب الـ53 عاماً، شغل العديد من المناصب في مختلف الوكالات الروسية المعنية بالضرائب والرسوم والعقارات. وهو مسؤولٌ عن هيئة الضرائب الفيدرالية منذ عام 2010، وفقاً لموقع الهيئة.
ما التأثير المحتمل لهذا التغيير؟
في معظم البلدان تشير استقالة رئيس الوزراء إلى وجود أزمة على مستوى القيادة. ولكن في روسيا قد تكون تلك الاستقالة نتيجةً لتخطيطٍ دقيق، في ظل إمساك بوتين بدفَّة القيادة وتوجيهه تحرُّكات ميدفيديف، الذي يُعتبر منذ زمنٍ بعيد تلميذه النجيب. لذا فالسؤال الرئيسي هو: كيف سيكون شكل القيادة الروسية في المستقبل؟
يبدو أن استقالة ميدفيديف مرتبطةٌ بالتعديلات الدستورية الشاملة التي اقترحها بوتين يوم أمس. وستنقل تلك التعديلات المزيد من السلطة إلى البرلمان، الذي سيكون مُكلَّفاً باختيار رئيس الوزراء بعدما كانت تلك المهمة من صلاحيات الرئيس.
وفي حال الموافقة على تلك التعديلات، ستؤدي كذلك إلى تعزيز صلاحيات هيئةٍ استشارية تابعة للرئيس الروسي.
ومن جانبه قال ميدفيديف يوم الأربعاء إنَّ استقالته واستقالة حكومته «ينبغي أن تسمحا لرئيس بلدنا باتخاذ جميع القرارات اللازمة قبل بدء تطبيق التعديلات المقترحة».
جديرٌ بالذكر أنَّ ميدفيديف ساعد في الحفاظ على سلطة بوتين من قبل. فحين تبادل المناصب مع بوتين في عام 2008، وخَلًفه في رئاسة البلاد، كان ميدفيديف يُعتبر في الغالب قائماً بأعمال الرئيس. وافترض الكثيرون آنذاك أنَّ مهامه الرئيسية تتضمَّن السماح لبوتين بتولِّي رئاسة البلاد مرةً أخرى بعد انتهاء فترة رئاسته للحكومة.
لكنَّ بوتين بدا أنَّه لا يتفق مع ميدفيديف في بعض الأحيان، مما أثار تكهُّناتٍ حول وجود خلافٍ متزايد بين الاثنين. وقد تثير الاستقالة الأخيرة تكهُّناتٍ مماثلة في الأسابيع المقبلة.
هل سيختفي ميدفيديف من السياسة الروسية؟
لا، من المتوقع أن يبقى نائباً لمجلس الأمن الروسي، وهو هيئة استشارية ذات نفوذ قوي.
ما خيارات بوتين المحتملة بعد عام 2024؟
إذا كان هذا التغيير الحكومي قد جاء بتوجيهٍ من بوتين بالفعل، فقد يشير ذلك إلى أنَّ التحركات التي اتُّخِذَت يوم أمس تهدف إلى تمديد وجوده في السُلطة بطريقةٍ أو بأخرى بعد عام 2024، حين تنتهي ولايته الرئاسية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ بوتين قال إنَّ الفترات الرئاسية يجب أن تقتصر على فترتين. ومع أنَّ بعض منتقديه أكَّدوا أنه قد يحاول البقاء في منصب الرئاسة بغض النظر عن ذلك، رأى آخرون أنَّ إعلان التعديلات المقترحة يوم الأربعاء يُمهِّد الطريق لانتقال السلطة بطريقةٍ أرقى.
كيف سيكون ذلك؟
أولاً، قد تؤدي المقترحات المعلنة إلى تآكل نفوذ خليفة بوتين في الرئاسة، لأنها ستنقل المزيد من الصلاحيات إلى البرلمان ورئيس الوزراء.
وثانياً، يمكن أن يكون انتقال ميدفيديف إلى مجلس الأمن تجربةً مرتبطة بمستقبل بوتين بعد انتهاء ولايته الرئاسية. إذ تكهَّن البعض بأنَّ بوتين ربما سيُقلِّد ما حدث في كازاخستان، حيث أصبح نور سلطان نزارباييف رئيساً لمجلس الأمن في بلاده مدى الحياة بعد تنحيه عن رئاسة الجمهورية في العام الماضي 2019.
وفي السياق نفسه ذكر موقع Al-Monitor الأمريكي أنَّ بوتين أكَّد في خطابه أنَّ الرئيس الروسي، أيَّاً كانت هويته، سيظل قائداً للقوات المسلحة وسيحتفظ بالسيطرة على جميع الأجهزة الأمنية، بغض النظر عن التعديلات.
لكن من الذي سيحل محل وزير الخارجية لافروف ووزير الدفاع شويغو؟
تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ لافروف (69 عاماً) يطلب تعيين خليفة له منذ فترةٍ طويلة. والمُرشَّحون المحتملون الذين يُقال إنَّهم مهتمون بهذا المنصب هم ثلاثة من نوابه: سيرغي ريابكوف (59 عاماً) الذي يحظى بسجلٍ حافل يتضمَّن علاقات طيبة مع الولايات المتحدة وإدارة ملف الاتفاق النووي الإيراني ومساعيه في ملف منع انتشار الأسلحة، وألكسندر غروشكو (64 عاماً) وهو مبعوث روسي سابق إلى حلف الناتو مسؤولٌ عن الملف الأوروبي، وفلاديمير تيتوف (61 عاماً) الذي يتولى الشؤون الإدارية في الأساس، ولكن يُعتَقَد أنه يرتبط بعلاقات قوية مع أجهزة الأمن الروسية.
وفي هذا الصدد، قال مصدرٌ في وزارة الخارجية، طلب عدم الكشف عن هويته، لموقع Al-Monitor: «قيل لنا منذ فترة إنَّ مغادرة لافروف أمرٌ ممكن وقد تحدث في الربيع المقبل». وأضاف: «تتردَّد أسماء النواب الثلاثة باستمرار، وكذلك أصبح اسم دنيسوف يتردد بدرجةٍ أقل في هذه الأيام».
جديرٌ بالذكر أنَّ أندريه دينيسوف (67 عاماً) هو سفير روسيا لدى الصين. وفي وقتٍ ما بعد إعادة انتخاب بوتين في عام 2018 بمدةٍ قصيرة، كان البعض يعتبر دينيسوف خليفةً محتمل للافروف.
هذا وذكر مصدرٌ دبلوماسي آخر لموقع Al-Monitor أنَّ لافروف قد يبقى وزيراً للخارجية. إذ قال: «لافروف موجودٌ في منصبه منذ مارس/آذار من عام 2004. ومنذ ذلك الحين، استقالت الحكومة مرتين واستأنفت مهامها مع ضمِّ بعض الوجوه الجديدة، لكنَّه ظل في منصبه دائماً. وإذا تم تشكيل هذه الحكومة الجديدة باعتبارها حكومة تسيير أعمال، فقد يظل في منصبه. فأسلوبه وشخصيته الكلية تضفي طابعاً خاصاً على الدبلوماسية الروسية، ولذلك، فإذا ترك منصبه، ستكون هذه خسارة، ولكن في النهاية، فالرئيس هو المسؤول عن قرارات السياسة الخارجية العليا، وليس وزير الخارجية».
ومن غير المؤكد حتى الآن التغييرات التي ستطرأ على وزارة الدفاع، التي تُسيطر بالفعل على جزءٍ كبير من أجندة روسيا في الشرق الأوسط. ولكن تماماً كرئيس الوزراء الجديد، يمكن أن يكون وزيرا الخارجية والدفاع «تكنوقراط» و»مؤقتين»، وثمة الكثير من الأمور التي تعتمد على هوية هؤلاء الوزراء الجدد، ومدى قربهم من بوتين، وما إذا كان لديهم حلفاء نافذون داخل النظام.