حفتر يستغل ورقة النفط، وخرق متكرر للهدنة
بعد أيام على صدور بيان برلين الذي نص على عدم وجود حل عسكري في ليبيا، قصفت قوات خليفة حفتر مطار معيتيقة في طرابلس وأغلقت منشآت النفط، فيما عرقلت فرنسا قراراً أوروبياً يدين الخروقات المتكررة للهدنة من جانب ميليشيات شرق ليبيا، فماذا يعني ذلك؟
ماذا حدث؟
قال موقع وكالة أنساميد الإيطالية إن فرنسا «عرقلت صدور بيان مشترك عن القوى الغربية يدين إغلاق الموانئ والمنشآت النفطية» الذي تفرضه قوات الجنرال خليفة حفتر، «مطالبة بإعادة فتحها فوراً».
الوكالة أضافت، نقلاً عن أشرف شاه، المقرب من حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، أن الدول قررت أن «تصدر بيانات منفردة تعبيراً عن موقفها» بعد عرقلة فرنسا إصدار بيان مشترك.
ماذا يعني ذلك؟
الموقف الفرنسي يعني أن ما تم الإعلان عنه في مؤتمر برلين لم يغير شيئاً على أرض الواقع، حيث إن فرنسا الداعمة لحفتر كانت قد اتخذت الموقف نفسه في افريل الماضي، بعد أن هاجمت قوات حفتر العاصمة طرابلس فجأة وسط استنكار دولي واسع، وساعتها أيضاً عرقلت فرنسا صدور بيان جماعي عن الاتحاد الأوروبي يطالب حفتر بوقف هجومه فوراً والعودة للمسار السياسي.
الخروقات المتكررة من جانب قوات حفتر للهدنة الهشة في ليبيا، وآخرها ضرب مطار معيتيقة في طرابلس وإعلان المطار منطقة عسكرية والتهديد بإسقاط أي طائرة تقترب منه مدنية كانت أو عسكرية، إشارة أخرى إلى أن حفتر والمعسكر الداعم له يريدون الحل العسكري.
حفتر يستغل ورقة النفط
موقع ستراتفور الأمريكي نشر تقريراً قبل أيام بعنوان: «حفتر يستغل ورقة النفط الليبي«، تناول قيام قوات حفتر بإغلاق محطات تصدير النفط الخمس الرئيسية في شرق البلاد.
بعدها بفترة ليست طويلة، أغلق ما يسمى بالجيش الوطني الليبي خط أنابيب أساسياً يربط بين حقلي النفط الأهم في غربي ليبيا بالموانئ. وهكذا فإن استمرار عمليات الإغلاق قد وجّه ضربة كبيرة لإنتاج ليبيا من النفط، مفضياً إلى انخفاض الإنتاج من نحو 1.15 مليون برميل يومياً إلى أقل من 75000 برميل يومياً.
وعلى الرغم من التوصل إلى وقف هشٍ لإطلاق النار قبل مؤتمر برلين، فإن خطوة وقف إنتاج البلاد من النفط جاءت لفرض نفوذ حفتر خلال المفاوضات من خلال سيطرته على موارد النفط، وفي النهاية، قد يتعرض حفتر إلى ضغوطٍ تجبره على فك الحصار وإعادة فتح موانئ النفط، لكن الأمر الأهم لليبيا هو أن التقدم المتواضع الذي تحقق بالكاد في مؤتمر السلام في برلين يُبين أن البلاد لا تزال على مسافة شهورٍ من أي حل سياسي ذي قيمة وأسس واضحة للحرب الأهلية الجارية فيها. ومن المفارقات، أنه في حال اقتربت البلاد بالفعل من أي تسوية سلمية، فإن الأرجح أن تصبح صادراتها من النفط حينها أكثر تقلباً، إذ من المتوقع أن يستغل حفتر أقوى ورقة في يديه، وهي سيطرته على تدفق النفط في البلاد، خلال أي محادثات مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً.
الطريق الوعر إلى السلام
للوهلة الأولى، بدا أن مؤتمر برلين ناجح على نحوٍ ما، فقد وقع الحاضرون، ومن بينهم ممثلون عن الجزائر والصين ومصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وتركيا وجمهورية الكونغو والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة، على خطةٍ من 55 بنداً ترمي إلى الحدِّ من التأثيرات الخارجية في الصراع، وتيسير السبل لعملية سلام تقودها الأمم المتحدة. تتضمن الخطة وعوداً من الدول كافة باحترام حظر تصدير الأسلحة الذي سبق أن فرضته الأمم المتحدة، ودعوة مجلس الأمن إلى فرض عقوبات على الأطراف التي تنتهك اتفاق وقف إطلاق النار وحظر استجلاب الأسلحة، كما وافق المشاركون على احترام «المؤسسة الوطنية الليبية للنفط» بوصفها شركة النفط الوحيدة الممثلة للبلاد.
لكن الواقع على الأرض يشير إلى أن حفتر والأطراف الخارجية الداعمة له إذا قبلوا على أي نحو بوقف دائم لإطلاق النار أو عملية سلام قبل أن يسيطروا على أجزاء رئيسية من وسط طرابلس، فإن ذلك سيكون بمثابة اعتراف بأن هجوم حفتر الذي استمر تسعة أشهر للاستيلاء على المدينة كان هجوماً فاشلاً.
وبالتالي، فإنه في ظل حرص حفتر وداعميه الأجانب مثل أبوظبي على تجنب مثل هذه النتائج، فإنهم سيشاركون على كرهٍ في محادثات السلام، إذ لن يريدوا للمفاوضات أن تكبل أيديهم، وسيظل موقفهم كما هو ما لم توافق حكومة الوفاق الوطني على الحد الأدنى من مطالب الجيش الوطني الليبي، والتي تشمل تعيين حفتر قائداً عسكرياً وطنياً للجيش وإضفاء الطابع المؤسسي على كتائب الجيش الوطني الليبي التابع له.
وعلى الرغم من أن مؤتمر برلين وضع تصوراً عن إنشاء لجان للمتابعة، وتحدث عن لجنة عسكرية مؤلفة من 10 أشخاص بالمناصفة بين حكومة الوفاق وجيش حفتر لصياغة اتفاق ينص على إيقافٍ أدوم لإطلاق النار، فإنه من المستبعد حدوث هدنة دائمة. والأرجح، على النقيض من ذلك، أن يجري الاتفاق على تسوية مؤقتة غير رسمية بين حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي. وقد تُبقي تسوية مثل هذه على النزاع الكبير بين الطرفين قيد السيطرة، ومع ذلك فإن أي وقف للأعمال العدائية –رسمياً كان أم لم يكن- سيظل هشاً للغاية ولن يُستبعد معه عودة الصراع إلى الاشتعال في أي وقت.
أهمية النفط في مستقبل الصراع
في النهاية، ثمة معضلة كبيرة تكمن في لب العلاقة بين المأزق السياسي في ليبيا ونفطها، وهي أنه كلما اقتربت قوات حفتر وحكومة الوفاق الوطني من التوصل إلى وقف لإطلاق النار، زاد احتمال استغلال حفتر لسيطرته على إنتاج النفط في المفاوضات؛ إذ بفعله ذلك، لن يصبح بإمكان القائد العسكري التعويل على أن الأطراف الليبية في الغرب ستضطر إلى تنازلات جوهرية خلال المفاوضات فحسب، بل سيظهر أيضاً أن أي انسداد في المحادثات واستمرار للصراع العسكري قد يفضي إلى تقسيم فعلي لليبيا، وهو ما سيترك الجزء الأكبر من نفط البلاد تحت سيطرة الجيش الوطني الليبي، وعلى نحو دائم. ومن ثم، فإن قرار الجيش الوطني الليبي باتخاذ مثل هذه الخطوة المتطرفة بشأن الإنتاج النفطي للبلاد عشية انعقاد مؤتمر كبير حول ليبيا يمثل دلالة بارزة على أنه يعتزم استغلال ورقة النفط أقصى استغلال ممكن.